New Page 1
وثيقة عريقات.. وثيقة ورطة الارتجال الفاشل/ نزار السهلي
04/03/2010 12:08:00
لم تفاجئني كثيرا "وثيقة عريقات"، فبعد سنوات من التفاوض العبثي صار تقريبا لكل وثيقته ورؤيته الفردية من عبد ربه- بيلين إلى قريع ووثيقة جنيف إلى هذه الوثيقة الأخيرة التي تثبت للمرة الألف بأن الاستراتيجية السياسية والتفاوضية الفلسطينية تحولت مع الوقت إلى الكثير من الارتجال والتذاكي في حقل التجريب لشعب متمرس على قراءة ألف باء السياسة أكثر من كثير من "قياداته"..
لست واثقا بأن "كبير المفاوضين" هبط عليه وحي سياسي ليخبره بأن "السلطة" تعيش ورطة وأزمة قد تعني السقوط.. وعليه فمجرد تقديم "وثيقة" يمكن أن تنقذ هذه السلطة العاجزة عن الاعتراف بالواقع..
لا يمكن أن نصدق بان عريقات أعد هذه "الوثيقة" بعد حوارات جادة وعميقة مع فصائل منظمة التحرير التي من المفترض أنها مرجعية المشروع الوطني قبل أن يحولها عباس (سواء بقبول أم عدم قبول فصائلها) إلى مجرد اسم يتبع السلطة في رام الله.
هذا الإقرار غير المباشر في الاستفراد بكل ما يخص الشأن الفلسطيني من قبل مجموعة محددة، وعريقات واحد منها، يعبر في جانب منه عن ورطة حقيقية لم تكن 21 صفحة كافية لكشف بعض جوانبها (عريقات قدم الوثيقة بالانكليزية وبالعربية وشطب من النسخة العربية ما لا يجب أن يعرفه الفلسطينيون).. ولم تكن هذه الورطة بحاجة لمقابلة مع "هآرتس" (مفارقة عجيبة أن يتم التوجه للصحافة العبرية بينما تم تخوين شبانة لأنه فعلها) لكشف عمق مأساة الفلسطينيين مع هذه العقليات التي ارتهنت للمفاوضات كطريقة حياة باعتراف عريقات بنفسه..
لقد بُحت أصوات كثيرة وهي تنادي وترجو وتتوسل التوقف عن هذه العبثية ولمراجعة السياسات التي لم تقدم للشعب الفلسطيني سوى قشور سلطوية يتحمل بالأصل ووفق التعريف الدولي لسلطة الاحتلال مسؤولية تسيير حياة الناس ريثما ينتهي الاحتلال.. تبدو الوثيقة كالطلقة الأخيرة في جعبة الرسميين الفلسطينيين، بعد أن جرى تخريب م.ت.ف ودورها الحقيقي في المشروع الوطني التحرري وجعلها ملحقا من ملحقات أوسلو.
جوهر ما يثير الانتباه في هذه الوثيقة التي تم تسريب بعض أهم بنودها لا يتعلق فقط بمحاولات إعادة إنتاج وتسويق السلطة بثوب "متشدد" في نقد السياسة الأميركية.. بل بما حملته من التسويف والمراوغة ومجانبة الحقيقة حين كان يردد أقطاب السلطة وحزبها بأنه "لا تنازل عن الثوابت".. لنكتشف في النسخة الإنكليزية للوثيقة " عرض الرئيس عباس على أولمرت قبول السلطة حلا لمسألة اللاجئين يتمثل بالموافقة على عودة 150 ألفا على مدى 10 سنوات".. وهذا يعني بشكل مباشر تنازلا مجانيا عن حق العودة ومحاولة لكسب رضا الإسرائيليين والغرب على حساب ثابت من ثوابت الحقوق الوطنية..
ليس مفاجئا أن تكون سلطة عباس تدير عملية تفاوض بطريقة تجارية فاشلة ومفلسة، فمن يتخلى عن قرارات الأمم المتحدة وقرارات وطنية مجمع عليها لا يمكنه الادعاء بأنه يحافظ على الثوابت.. ومن يريد أن يتخلى عن صفد عليه أن يعرف أن شعبا بأكمله وبعد 61 عاما من النكبة لا يزال يعتبر صفد وحيفا وعكا وصفورية والجاعونة واللد والرملة حقا ثابتا كفله القرار 194 وذاكرة الأجداد والأحفاد.. ومن يقبل بأن يُشطب حق العودة لا غرابة في أن يقبل، أيضا وفق عقلية المتاجرة والمقايضة، بما يسمى "تبادلية الأراضي" تماشيا مع مشروع وروية اليمين الصهيوني وممثله اليوم أفيغدور ليبرلمان.. وليس بعيدا أن يعتبر هؤلاء أبو ديس بديلا عن القدس المحتلة.. المهم أن تتواصل عملية تدوير المناصب واعتلاء منصات الخطابة واستمرار الامتيازات..
هذا النهج الذي يعتبر حماس "عقبة في وجه تسوية لانهاء الاحتلال" لا يجرؤ على خطوة تضاهي الخطوات الصهيونية التي تتملص مع كل حكومة جديدة من كل التزام سابق، مهما بدا هزيلا هذا الالتزام، فقد دارت الأيام لنشهد نتنياهو نفسه يعود ليفرض تهويد الخليل.. من العجيب أن يصير فصيل فلسطيني بنظر السياسة العقيمة هو من يقف بوجه التحرر!.. وليس الاحتلال نفسه الذي يضرب بعرض الحائط كل هذه السلطة ويفرض عليها التحول إلى مجرد حراس أمنيين..
ما يقوله عريقات لصحيفة عبرية يعبر عن خطورة حقيقية لقراءة هذه السلطة لعلاقتها الوظيفية بالعرب، فهو يريد من القمة العربية القادمة في طرابلس الضغط على حماس للالتزام بالمبادرة العربية... المبادرة التي أعلن العرب أنفسهم أنها ليست للأبد والتي لم يلتزم بها لا عمليا ولا لفظيا الطرف الصهيوني منذ 7 سنوات.. الاستقواء بما يسمى " قوى الاعتدال" في المعسكر العربي لا يهدف لطلب مساعدة عربية لوقف تهويد الارض والقدس ولا للعودة بالقضية الفلسطينية إلى عمقها العربي، بل محاولة تيار معين من حركة فتح ومن المحيط الذي خطف المنظمة باتجاهات أخرى لإغراق القضية الفلسطينية في ثنايا النفوذ والافتراق الداخلي..
القضايا الأخرى التي احتوتها هذه الوثيقة، والمقابلة مع هآرتس، ووفق ذهنية الاستفراد بقراءة الحالة الفلسطينية، تحمل شبه "تهديد" بحل السلطة وإنهاء وضع القوات التي دربت على يد كيث دييتون لتعم الفوضى الأمنية، وفق تعبير عريقات: الخيار الثاني هو أن استمرار "الجمود السياسي" سيقود إلى حل السلطة ويليها حالة فوضى أمنية وسياسية في الضفة الغربية تضطر فيها إسرائيل فرض الحكم العسكري عليها".. هذه قراءة سطحية أو غير صادقة لواقع الضفة الغربية، فهي أراض محتلة ومسيطر عليها مباشرة من قوات الاحتلال التي تدخل وتخرج معتقلة وقاتلة متى شاءت دون أن يكون للسلطة سوى موقف المتفرج..
الشعب الفلسطيني عاش بين الأعوام 87 و94 ، سنة نشوء السلطة، حالة راقية من الانتماء الجماعي والوطني التحرري في مجابهة مباشرة مع الاحتلال.. وفي سنوات أوسلو والسلطة ظهرت على السطح حالات شاذة من الارتباط بهذا الاحتلال عند النخبة السلطوية.. ولكن الشعب الفلسطيني رغم كل محاولات تدجينه وترويضه هو ذاته الذي أعطى بصبر كبير الفرصة تلو الفرصة لهذه السلطة الفاشلة.. وهو ذاته الذي يرى مهزلة التنسيق الأمني في الخليل وأحياء المدينة القديمة التي تمنع فيها قوات الأمن السلطوي من اندلاع انتفاضة بوجه ما يجري بحق المقدسات وتهويدها.. باختصار الاحتلال قائم ولم ينتهي.. وتجديد روابط القرى ليس بعيدا عن حلول من عاشوا في كنف الفساد..
خيار عريقات "الشروع بنضال من أجل دولة واحدة ثنائية القومية بين البحر والنهر" يثير الكثير من السخرية، فعن أي مشروع نضالي يتحدث هؤلاء وهم الذين يقومون مثلا بالتفاخر بمنع المقاومة وحتى بالحجر واعتقال أبناء الجبهة الشعبية في مدينة نابلس بطلب من الاحتلال وتفكيك كتائب شهداء الأقصى وتقديم طلبات المغفرة والعفو من الاحتلال؟
من يريد أن يقول مواربة بأن حركة تحرر وطنية تنسق مع محتليها يمكن أن تحرر شيئا بوسائل فاسدة إما يكون جاهلا بالتاريخ أو يستغبي ويهون من الاحتلال نفسه.. لا أحد يتحرر من الاحتلال بدون تضحيات ومقاومة.. ولا أحد يمكنه الادعاء بأنه يريد أن "يناضل" بينما هو يتهكم على النضال ويحول بوصلة التصادم مع المحتل إلى تصادم مع أطراف فلسطينية أخرى ومع الشعب الذي مل هذه الاسطوانة المشروخة عن تحول "المفاوضات إلى حياة"..
في الأيام الأخيرة قام الارتباط الإسرائيلي بإلغاء بطاقات VIP لأكثر من نصف أعضاء مركزية فتح، وأرسل هؤلاء عبر حسين الشيخ السبب إلى أن بعضهم يشارك في مظاهرة بلعين الاسبوعية!
يقول الطيراوي: نحن بصدد عقد مؤتمر صحفي لتمزيق هذه البطاقات حتى لا تكون وسيلة ضغط علينا!
السيد عريقات، الذي صار عضو لجنة مركزية، لم يسأل نفسه مرة واحدة عن البديل الذي جهزته حركة تحرر وطني لمفاوضات فاشلة.. غيره فعل وأجاب بأن البديل هو المفاوضات.. وكل هذا الكلام الذي يأتي في وثيقة عريقات يهدف كما صرح لعكيفا الدار من هآرتس : تهديد إسرائيل بوقف التنسيق الأمني إذا رفضت استئناف المفاوضات."..
تشعر السلطة الفلسطينية بأنها في ورطة حقيقية قد تقود إلى تفكك مؤسساتها البيروقراطية الخدمية المحدودة، وهي تقدم تصورات تستثني أي نوع من أنواع ترك تطور حركة تحرر وطني تسير وفق سنة ما مارسه كل شعب وقع تحت الاحتلال..
الفصائل المنضوية في م.ت.ف الفلسطينية لا يمكنها أن تدعي بأن " كبير المفاوضين" يعبر عن موقفها، أو أن وثيقته وثيقة شخصية.. وبالتالي هي في أزمة وورطة ما لم تجب بدون مواربة عن دورها الذي يكاد أن يتجاوزه التاريخ وهي تترك شعبها عرضة لهذه المشاريع البائسة التي تؤخر تحرره..
لقد اعترف أحمد قريع بأن سؤال شيمون بيريز له قبل التوقيع على أوسلو عما إذا كانوا سيعرضون الاتفاقية على خبراء قانون دولي جعله يضرب على رأسه ويكتشف كارثة ما ستقود إليه هذه الاتفاقية التي ماتت مرات عديدة دون أن يعترف هؤلاء بأنها انتهت 3 مرات في 15 سنة!
|