New Page 1
الدهاء السياسي/ مؤمن بسيسو
17/03/2010 09:53:00
من الصعب، إن لم يكن من المستحيل أن تمارس الحكم "النظيف" في ظل البيئة السياسية، الإقليمية والدولية، المعادية، دون دهاء سياسي يرتكز إلى أصول ثابتة من التكتيك والمناورة السياسية التي تحكم اللعبة السياسية الدولية على الدوام.
التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية والواقع الفلسطيني الداخلي أكبر من أن تحصى، وأشد خطورة في تأثيراتها المتوقعة مما يعتقد الكثيرون.
لم يعد هناك مجال لمزيد من الترف والانتظار، فالتحدي الاقتصادي الذي يشتد خطورة بفعل الحصار ينذر بكارثة محققة حال اكتمال بناء الجدار في القريب، والتحدي الأمني في إطار العلاقة الميدانية "المتذبذبة" مع الاحتلال ينذر بتطورات خطيرة ذات امتدادات إقليمية في الأسابيع القليلة المقبلة، كما التحدي الوطني الذي سمح للاحتلال –على خلفية استمرار الانقسام- بنشر أشرعته، داخليا وخارجيا، فكانت الاغتيالات وآخرها اغتيال الشهيد المبحوح، وكان التغول الاستيطاني الرهيب والاستباحة الخطيرة للمقدسات، وسمح لسلطة رام الله –أيضا- باستمراء سياسات بالغة الخطورة، سياسيا وأمنيا وإنسانيا.
في غمرة تفحصنا للخيارات الوطنية المتاحة تفجؤنا النتيجة. هو خيار وحيد لا خيار سواه. فلا مفر من إنهاء الانقسام واستعادة التوافق الوطني، أيا كانت درجته ومستواه، كتوطئة جدية لبحث عميق في سبل معالجة أزماتنا الوطنية والتصدي المشترك لتحديات المرحلة التي تكاد تعصف بوطننا وقضيتنا.
تحتاج المرحة الراهنة إلى وعي عميق يدور في إطار فقه الأولويات والموازنات. فما فائدة تكريس الوضع الراهن في ظل ضياع الأرض والوطن والمقدسات؟! وما جدوى انتظار مرونة ما في الموقف المصري في ظل عناد القاهرة الذي يبدو مرشحا للاستمرار إلى أمد غير معلوم؟! ولماذا ننتظر حتى تشرف السفينة على الغرق، أو نضطر لدفع ثمن باهظ عبر ضربة عسكرية صهيونية أو انهيار اقتصادي مدوّ كي نفيء بعد ذلك إلى أجواء المصالحة وضروراتها الحتمية؟!
لم توقّع فتح على الورقة المصرية حبا فيها أو رغبة في تحقيق مصالحة حقيقية ذات أبعاد متوازنة، بل جعلت من ذلك فخا أرادت به إحراج حماس أمام شعبها وأمتها، ويمكن لحماس اليوم أن تستدرك، وتضع ليس فتح فحسب، بل الراعي المصري أيضا، في دائرة الحرج المباشر، عبر توقيعها على ورقة المصالحة دون تأخير.
يدرك الجميع أن التوقيع على ورقة المصالحة شيء، وإنفاذ مضامينها على أرض الواقع شيء آخر تماما، ولا جدال في أن أحدا لن يستطيع أن يجبر حماس على التنفيذ التام دون حسم كافة الملفات العالقة والقضايا الشائكة.
من المهم أن ندفع عجلة التقييم الذاتي لمسارنا ومسيرتنا بين حين وآخر، وأن نمتلك رؤى تكتيكية متجددة لمعالجة أو تجاوز أو الالتفاف على العوائق الذاتية والموضوعية، كي يستمر المشروع قدما دون تراجع أو انكسار، وكي نحقق كسبا مضافا إلى رصيدنا الاستراتيجي، أو على الأقل نقلل الخسائر إلى حدها الأدنى في أسوأ الظروف.
لدينا مساحات وهوامش واسعة لاجتراح أساليب المناورة والتكتيك السياسي والإعلامي، إذ من الحكمة أن تخفض رأسك –مؤقتا- لحظة مرور العاصفة كي تنهض –بعد ذلك- بهمة وثابة وعزم متوقد من جديد.
|