New Page 1
تحليل أسبوعي عودة إلى سياسة "الطرد والتنظيف" الإسرائيلية/ غازي السعدي
22/04/2010 09:34:00
تذكرني كلمة أو مصطلح "متسلل" التي جاءت في قرار الجيش الإسرائيلي رقم (1650)، والموقع من قبل اللواء في الجيش الإسرائيلي "غادي شمني" والذي أطلق عليه، القرار الخاص بمنع التسلل (التعديل رقم 2) الخاص بيهودا والسامرة حسب التسمية الإسرائيلية، أي الضفة الغربية، والذي صدر بتاريخ "13/10/2009"، والذي وضع حيز التنفيذ بعد مرور ستة أشهر من صدوره، اعتباراً من تاريخ 13/4/2010 وبالفعل بدأوا بتنفيذه بصورة فعلية، تذكرني هذه الكلمة "متسلل" بأحداث حرب 1948، حيث بدأت القوات الإسرائيلية في أعقابها باعتقال جميع الشبان الذين تبلغ أعمارهم (14) سنة فما فوق، ولولا صغر سني في ذلك الوقت لم يكن ليترددوا في اعتقالي حين جرت حملة الاعتقالات في مدينة عكا، فقد كانوا ينقلون المعتقلين إلى معسكر خاص في "عتليت"، ومعسكرات أخرى، وفي وقت لاحق، جرى إطلاق سراح بعض المعتقلين خاصة كبار السن، والبقية كانت تحمل في الشاحنات، وتطرد إلى الحدود اللبنانية، وفي نفس الأسلوب، كان شبان القدس والمنطقة الوسطى، ينقلون بالشاحنات رغم أنوفهم إلى الحدود الأردنية، ويشهد كتاب ومؤرخون إسرائيليون، على هذا الإجراء، الذي كانت القوات الإسرائيلية تقوم بتنفيذه وفقاً لتعليمات "دافيد بن غوريون"، أول رئيس حكومة بعد الاحتلال عام 1948، وقد أطلقوا على هذه التعليمات كلمة "التنظيف"، أي تنظيف الأراضي الفلسطينية المحتلة من أهلها وإبعادهم إلى خارج الحدود، وحين كان بعض هؤلاء الشبان يتسلقون جبال لبنان والحدود الدولية على أرجلهم، للعودة إلى بيوتهم ووطنهم، كانت القوات الإسرائيلية تتصدى لهم، بإطلاق النار عليهم، ليقتل من يقتل، ويعتقل من يعتقل، في عملية إرهابية مبرمجة لمنع عودتهم، وقد أطلقوا على الفلسطينيين العائدين مصطلح "المتسللين"، وهذا الأسلوب تكرر في أعقاب حرب عام 1967 ويتكرر حالياً من خلال القرار العسكري الجديد بعد مرور (62) عاماً على نكبة فلسطين ونكبة الشعب الفلسطيني، وهكذا ولدت قضية اللاجئين.
إن القرار العسكري الجديد، المسمى منع التسلل، أخرج من الدرج الإسرائيلي الذي يحوي قرارات بالمئات ولا ندري ماذا تحتوي هذه الأدراج من مفاجآت أخرى، وهذا القرار الضبابي سيفتح الباب أمام سلطات الاحتلال، لتفريغ مناطق بأكملها من المواطنين، وما يجري حالياً في القدس الشرقية، والمناطق الواقعة خلف الجدار العنصري، وأراضي الأغوار التي يعتبرها الاحتلال مناطق عسكرية مغلقة هو أسلوب قديم جديد للإبعاد
وتدعي الجهات الإسرائيلية أن هناك أكثر من (50) ألف فلسطيني، دخلوا وطنهم بتصاريح فلسطينية، أو تأشيرات إسرائيلية وانضموا إلى عائلاتهم، ولم يعودوا من حيث أتوا، وهم مرشحون للإبعاد، يضاف إلى ذلك، فإن القرار هو رسالة نفسية إلى الفلسطينيين، للتأكيد لهم بأنهم – الإسرائيليين- هم الأسياد في هذه المناطق، رغم الاتفاقات وقرارات الشرعية الدولية، ليذكرنا بالمقولة الصهيونية القديمة، "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" وهذا ما يهدفون إليه، وأن من يعتقد بأن هذا القرار هو قرار عسكري وليس سياسياً، فهو على خطأ، فإن الحكومة والمؤسسات الصهيونية تقف خلف هذا القرار.
لقد أثار هذا القرار العسكري، مخاوف كبيرة في أوساط الفلسطينيين في الضفة الغربية، وقد احتجت منظمات حقوق إنسان كثيرة على هذا القرار، إسرائيلية وغير إسرائيلية، مطالبة بإلغائه، حيث تعتبره غير قانوني، كما أن هيئة الدفاع عن المواطن، توجهت إلى قائد المنطقة العسكرية الوسطى، لإطلاعه على الأبعاد الخطيرة لهذا القرار، دون أن تتلقى الرد، فهذا القرار يعتبر تصعيداً خطيراً لا نظير له منذ بداية الاحتلال للأراضي الفلسطينية، ويفوق في خطورته حتى العمليات الاستيطانية، إذ أنه يمس بصورة خطيرة، بوحدة الأراضي الفلسطينية، ويكرس فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، مما يؤكد أن عملية الانشقاق الفلسطيني تصب في المصلحة الإسرائيلية، فمنذ صدور هذا القرار في نهاية العام الماضي، وبعد جهود بذلت من قبل السلطة الفلسطينية، من خلال الإدارة الأميركية، واللجنة الرباعية، والمجموعة الأوروبية، والأمم المتحدة، جمدت إسرائيل هذا القرار، والسؤال هنا: لماذا وما هي الأسباب التي جعلت إسرائيل تعود لإحيائه من جديد؟ هناك مجموعة من الأسباب منها:
· المزيد من ممارسة الضغوط على الفلسطينيين للقبول باستئناف المفاوضات وفقاً للأجندة الإسرائيلية.
· عملية ابتزاز، فإسرائيل عرضت على الفلسطينيين، إعطاء موافقتها وترخيصها لإقامة مدينة "الروابي" بجوار رام الله، مقابل موافقة الفلسطينيين على استمرار البناء في القدس الشرقية، وقد يكون لإسرائيل مطالب جديدة مقابل تجميد هذا القرار.
· خلق أزمة جديدة، للتهرب من الضغوط الأميركية المطالبة برد إسرائيلي على (11) مطلباً أميركياً.
· رسالة ضغط على الأردن، في أعقاب تحركات الملك عبد الله الثاني، وتصريحاته الأخيرة التي وصف فيها العلاقات الأردنية – الإسرائيلية بأنها في أدنى مستوياتها، ويسودها التوتر وعدم الثقة والتصعيد، واتهامه لإسرائيل بالتهرب من تحقيق السلام بأن الحدود الأردنية ستشهد أفواجاً من المبعدين.
أما في حال جرى تنفيذ القرار فمن سيطال؟
· مواطنون فلسطينيون يقيمون في الضفة الغربية منذ عدة عقود ، متزوجون ولهم أطفال يحملون هويات فلسطينية صدرت في غزة، ويقدر عددهم بـ ( 25) ألف نسمة .
· مواطنون فلسطينيون يحملون جوازات سفر أجنبية يقيمون في الضفة مع أسرهم وأطفالهم.
· هناك نحو خمسة آلاف نسمة، لأمهات برازيليات متزوجات من مواطنين فلسطينيين منذ سنوات طويلة يقيمون في الضفة.
· حملة الجوازات الأردنية الذين دخلوا بتأشيرات إسرائيلية أو تصاريح فلسطينية، للعمل أو للالتحاق بعائلاتهم، بعد عدم حصولهم على لم شمل العائلات.
· تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وقطاع غزة، بل محاولة لتكريس الأمر الواقع، والقضاء على الحلم الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة.
· إن عمليات الطرد والإبعاد سيتم تنفيذها إلى الجهة التي دخل منها المبعد أو "المتسلل" حسب التعريف الإسرائيلي.
· تحقيق الأهداف الإسرائيلية "الترانسفير"، تمهيداً لضم الضفة الغربية لإسرائيل، لتغيير الوضع الديمغرافي وزيادة عدد المستوطنين الذين يبلغ عددهم اليوم نحو نصف مليون مستوطن، مقابل تخفيض عدد الفلسطينيين.
· فلسطينيون من الضفة، ويحملون هويات فلسطينية، فرض عليهم الحصول على التصاريح لاستمرار العيش في بيوتهم المجاورة لجدار الفصل العنصري، أوفي غور الأردن ستمتنع سلطات الاحتلال من تجديد تصاريحهم.
· آلالاف من الفلسطينيين، تلقوا هويات مقيم فلسطينية مؤقتة، وليسوا مواطنين، في مبادرات حسن النية تجاه الفلسطينيين سيعتبرون ماكثين غير قانونيين.
إن دعوة مجلس الجامعة العربية الفلسطينيين بعدم الانصياع لأمر الطرد، دعوة مضحكة بدلاً من اتخاذ إجراءات عملية وقوية ضد القرار الإسرائيلي وضد الاحتلال، أما قرار الجامعة بالتوجه للأمم المتحدة، واتخاذ الإجراءات اللازمة أمام المحاكم الدولية، بما فيها محكمة العدل الدولية، ومحكمة الجنايات الدولية ما يزال حبراً على ورق، والمطلوب التحرك بسرعة وبجدية أكثر وبعدم العودة للحصول على قرارات مع وقف التنفيذ، وفي الأردن استعجل وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة د. نبيل الشريف بتصريحاته أن اتصالات جرت بين وزارة الخارجية الأردنية مع وزارة الخارجية الإسرائيلية، من خلال السفارة الأردنية في تل – أبيب حيث تم نفي وجود مثل هذا القرار، ولو كان الأمر كذلك فلماذا إذاً استدعت الخارجية الأردنية السفير الإسرائيلي في عمان، وسلمته رسالة احتجاج واستنكار وتوبيخ على القرار الإسرائيلي؟
أما السلطة الفلسطينية، فقد أجرت اتصالاً مع وزيرة الخارجية الأميركية "هيلاري كلينتون"، ومع الرباعية الدولية، والأمين العام للأمم المتحدة ووزير خارجية الاتحاد الأوروبي وغيرهم، للعمل السريع على إلغاء قرار الجيش الإسرائيلي، الذي هو في الأساس، قرار الحكومة الإسرائيلية.
وخلاصة القول، فإن القرار الإسرائيلي، يشكل حلقة جديدة، من حلقات التطهير العرقي، في ظل نظام الابرتهايد الذي تجسده إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، وهو قرار عنصري، يتعارض مع القوانين والمواثيق الدولية، ويشكل عقبة جديدة في وجه تحقيق السلام، فقد عودتنا إسرائيل، في كل مرة على افتعال قضية جديدة والانشغال فيها، بدلا من التوصل لحل جذري للقضية الفلسطينية، وإنهاء الاحتلال، فإن تطبيق القرار، سيشعل ناراً جديدة في الأراضي المحتلة، وقد يكون هذا ما تريد إسرائيل استدراجنا إليه، وما محاولة الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي التخفيف من أهمية القرار، إلا محاولة لامتصاص الغضب العربي، فبدلاً من هذه التطمينات، فإن المطلوب إلغاؤه من أساسه، فالسلطة الفلسطينية هي صاحبة الولاية وفقاً للاتفاقيات الموقعة، فقد نجحت إسرائيل خلال سنوات طويلة بفرض الأمر الواقع، على الرغم من احتجاجاتنا، فهل ستنجح هذه المرة أيضاً في تمرير هذه المحنة الجديدة؟
|