New Page 1
مفاوضات.. رفض وتحفظ واستيطان!../ ناصر السهلي
10/05/2010 17:14:00
في السابق كانوا يقولون: لن يتراجع الطرف الفلسطيني عن موقفه، سيصر عليه، فإما الوقف الكامل للاستيطان أو وقف المفاوضات..
في السابق أيضا كان مجال الرؤية واضحا للكثيرين، سوى بعض الاستثناءات، بأن القرار يجري طبخه على نار هادئة لم يعكرها كل النفخ الإعلامي والدبلوماسي حول "صلابة الموقف" من مسألة العودة إلى نقطة البداية.
لم يكن صعبا قراءة نتيجة "صلابة الموقف" ولا حتى لجهة السؤال المتعلق بآلية اتخاذ القرار، وأساسا هناك إمكانية لكل إنسان بسيط أن يعرف الطريقة التي تصاغ من خلالها السياسات الفلسطينية الرسمية المتعلقة بالمفاوضات وأشكالها.
إليكم الوصفة البسيطة والمختصرة جدا للمطبخ السياسي الرسمي الفلسطيني:
"الرئيس" في جولة في الخارج، كما هي العادة، لأن "دول العالم تطلب الالتقاء بنا" حسب وصفه لجريدة الشرق الأوسط أثناء وبعيد زيارته للصين، السلطة في رام الله برئاسة فياض "مهمتها تنفيذية وليست سياسية" حسب ما يرددون اليوم بعد تصريحات فياض الأخيرة.. ربما تلتق بعض فصائل م.ت.ف للتنسيق حول موقف سياسي معين يخص الحالة الفلسطينية من زاوية أنها، أي م.ت.ف، ما تزال بصدق عند البعض هي المرجعية الوطنية للسلطة.. المنظمة لا تلتقي رسميا لأن رئيسها مسافر.. بيانات تصدر محذرة ورافضة لمواقف يتم الاستعداد لتمرير قرارات بشأنها..
إعلاميا على الأقل، يواصل المقربون من مطبخ الرئاسة إصدار تصريحات حول "استمرار التشاور مع الأصدقاء والإخوة العرب" وأنه لا عودة إلى التفاوض بدون وقف الاستيطان.. لا مجلس تشريعي ولا "كابينيت مصغر" ولا مؤسسة سياسية تلتقي لتبحث جوهر وحقيقة التوجه.. لكل قراءته وبيانه.. وحتى لا نظلم أحدا، حتى بعض أعضاء المجلس الثوري واللجنة المركزية لفتح لديهم مواقف متطابقة مع حالة قراءة الطبخ على نار هادئة.. ومهما ارتفع ضغط هؤلاء يبقى القول الفصل: من يتمرد على قرار الحركة سيحاسب..
للتذكير فقط: المجلس المركزي الفلسطيني أقر في ديسمبر 2009 ضرورة الالتزام بوقف الاستيطان قبل التفاوض!..
قد يسأل البعض: أين هو المجلس المركزي؟..
الجواب: أين هو المجلس الوطني؟
يستمر "الرئيس" في جولته متنقلا في جولاته بين عدد من العواصم، جالبا 5 مليون دولار منحة من الصين (أنظر لقاءه مع الشرق الأوسط يوم 6 مايو).. في رام الله ينتظر الجميع عودته بالسلامة.. بينما ميتشل يلتقي عددا محددا ممن يعرفون ما يتوجب قوله وعمله..
مرة أخرى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير،( صاحبة الولاية) حسب قول فياض في "مؤتمر بدائل" يوم السبت 8 مايو/ أيار، والتي تتشكل من عدد من الفصائل الفلسطينية تجتمع بعد يوم من عودة سيادته.. كان ميتشل ينتظر الرد..
نُقل عن الدكتورة حنان عشراوي "فش ضمانات أميركية".. الكل كان يسأل عما قيل في الجامعة العربية قبل أسبوع من الموافقة على المفاوضات غير المباشرة.. لا ضمانات.. لكن المطبخ السياسي الرسمي كان يردد: الطرف الأميركي ملتزم بأنه لن يسمح بأية خطوات استفزازية.. لنتوقف قليلا أمام الجملة الأخيرة، فهي بمثابة "ضمانات"..
بدا واضحا بأن المشاورات الداخلية في م.ت.ف لن تكون سوى ما كانت عليه.. يتلو "أمين السر" بيانه عن الموافقة.. ثم تخرج البيانات مرة أخرى.. الرافضة والمتحفظة.. لكن ميتشل، معبرا عن الموقف الأميركي، ونتنياهو يثمنا موقف المنظمة.. يحمل ميتشل رسالة خطية عن الموافقة.. مفارقة عجيبة أن "الخطي" مطلوب تقديمه من الجانب الفلسطيني والأميركي لا يجرؤ أو لا يريد أن يُعطي أقصوصة ورق لتغطي حالة التعرية الكاملة للمفاوض الفلسطيني!
بالنتيجة كل الكلام عن "صمود الموقف" وما يسمى "النضال السياسي والاشتباك التفاوضي" ليس سوى حالة تعبر عن ضعف ووهن وفقدان للمصداقية وحالة أخرى من حالات عدم الاكتراث بالرأي العام للشعب الفلسطيني، الطرف المقابل يستخدم قفازات اليمين المتطرف ورأي الشارع والمستوطنين للطرق على فكرة: لا يمكنني التنازل أكثر!
إليكم ما سيجري:
في اليوم التالي للموافقة الفلسطينية على المحادثات غير المباشرة يعلن نتنياهو بأنها "ستجري بدون شروط".. في رأس العامود يبدأ العمل ببناء وحدات استيطانية.. "بلدية القدس" تعلن بأنه "من حق اليهود والعرب البناء في العاصمة" ( دققوا جيدا)..
صائب عريقات في ذات اليوم يعلن التالي: "في بداية الأربعة شهور، سيتم التركيز على الحدود والأمن، وهذا لا يعني إهمال أي من القضايا الأخرى، فلا يوجد شيء متفق عليه إلا بعد الاتفاق على كل شيء"! ويتمنى على الجانب الإسرائيلي أن "يختار المفاوضات لا الاستيطان"..
إذن، المشهد واضح وضوح مواقف السلطة.. نعم السلطة، فلم يعد ثمة شك بأن المنظمة لم تعد مرجعية ولا صاحبة قرار.. وهو مشهد السقف الذي لم يعد له وجود، وبالتالي كلما كنا نسأل عما إذا كان الموقف الفلسطيني سيظل متمسكا بمواقفه كلما اكتشفنا بأنه موقف يضعف من قدرته على الصمود تلك العقلية التي تتحكم بطبخ قراراته، أحيانا بشكل اعتباطي وارتجالي يثير سخرية حتى من لا يعرف أصول التفاوض والثبات على المواقف..
فمن مقولة: كل القضايا مطروحة! ننتقل الآن إلى فلسفة أخرى " فلا يوجد شيء متفق عليه إلا بعد الاتفاق على كل شيء"..
لم تمر ساعات على الموافقة الفلسطينية حتى تم الإعلان عن خطة البناء في رأس العامود بشرقي القدس (صباح 9 مايو)، ثم خرج نتنياهو بتصريحه "لا يمكن التفاوض عبر الريموت كونترول"..
القضية في أفضل الأحوال ستكون جوائز ترضية ووضع طعم على الطاولة، تسهيلات تشجع للانتقال إلى المفاوضات المباشرة.. فهذا هو المعلن أميركيا "لا خطة قبل التفاوض المباشر"..
لن يمر الكثير من الوقت حتى نكتشف بأننا "حققنا بعض التقدم".. وعليه سنعود إلى العرب ليمنحوننا المباركة في الانتقال بمعية أميركا لمفاوضات مباشرة.. لماذا؟
لأنه في فلسفة "التمسك بالثوابت" عند الرسميين الفلسطينيين والعرب كل شيء قابل للتفاوض..
إلا إذا حدث ما لا يمكن توقعه من "السلطة".. و"إذا" هذه صعبة جدا بناءا على رؤية السيد فياض التي طرحها في مؤتمر "بدائل" برام الله.. فالتفاوض تحت أي ظرف كان "نضال سياسي"، حتى لو وصل التهويد إلى مشارف رام الله وقطع الطريق بفرض سياسة الأمر الواقع..
ملاحظة أخيرة للسيد فياض: من المعيب أن تجلس في مؤتمر يناقش "البدائل" فتستغله كمنبر لاستنكار ما يكتبه ويطرحه الفلسطينيون الذين يعيشون خارج البلاد ولا يعرفون برأيك شيئا عن خططك العبقرية.. كإنسان فلسطيني أرى أنه لا لفياض ولا لكل من يعتبره نفسه صاحب " ولاية" على الشعب الفلسطيني أن يصنف فلسطينية الفلسطيني.. فكفوا عن هذا الخطاب الاقصائي والتهكمي بحق أبناء شعبكم أينما كانوا..
على كل، العتب كل العتب على البعض ممن يعتبر نفسه "الممثل الشرعي والوحيد لكل الشعب الفلسطيني أينما وُجد" حين يقبل بأن يتحول هذا الشعب إلى "زائد" عن الحاجة!
|