New Page 1
في العلاقات "الأميركية-الإسرائيلية"/غازي السعدي
28/05/2010 22:05:00
اتسع الجدل الأميركي الداخلي بشأن الموقف من قضية السلام، في ضوء التعنت الإسرائيلي، ومن هذه المؤشرات، تنامي الخلاف بين الديمقراطيين، الذي شنه السيناتور الديمقراطي "تشارلز شومر"، والذي قال بأن خلاف البيت الأبيض العلني مع إسرائيل يحمل نتائج عكسية، مدعياً أن ثمة معركة تجري داخل الإدارة الأميركية، بين من يرغب في الضغط على رئيس الحكومة الإسرائيلية "بنيامين نتنياهو" لوقف البناء في القدس الشرقية،ومن يرون أن يبقى الخلاف بين البلدين طي الكتمان، بينما اعتبر المتحدث باسم مجلس الأمن القومي "مايك هامر"، أن سياسة الرئيس بشأن الشرق الأوسط واضحة المعالم، إذ لديه فريق قوي في السياسة الخارجية، يعمل لتحقيق هذه الأهداف، مع استمرار التشاور مع الكونغرس، لتعزيز المصالح الأميركية في المنطقة بشأن الخلاف مع نتنياهو.
إن الجدل نشب بين الديمقراطيين والجمهوريين وفي داخل الديمقراطيين، وفي رسالة أعضاء الكونغرس الموجهة للرئيس "أوباما" التي أعدت من قبل لجنة الشؤون العامة الأميركية-الإسرائيلية "إيباك"، التي تدعو لإبقاء الصراع مع إسرائيل بعيداً عن الأجواء العامة، وتفيد التقارير إن ثمة معسكرين في البيت الأبيض، أحدهما بقيادة "دينيس روس" الذي يرغب في تهدئة الأوضاع، والثاني بقيادة "جورج ميتشيل"، الذي يشعر بالإحباط بسبب تصلب "نتنياهو"، بينما نصحت "هيلاري كلينتون" بالعمل من وراء الكواليس لأنه الأجدى نفعاً.
لقد أشعل هذا الجدل الأميركي الداخلي الضوء الأحمر لدى الرئيس الأميركي، الذي عقد اجتماعاً طارئاً شمل (37) نائباً ديمقراطياً يهودياً من أعضاء الكونغرس، واستغرق ساعة ونصف الساعة، هو الأول من نوعه في عهد الرئيس "أوباما"، جرى خلاله بحث عملية السلام في الشرق الأوسط، وأمن إسرائيل، وملف العقوبات على إيران، فقد طالبوه بالتدخل بشكل شخصي ليتولى عملية المفاوضات ومتابعتها لإنقاذ عملية السلام، واقترحوا عليه القيام بزيارة لإسرائيل قبل الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي، التي ستجري في الخريف القادم، ووفقاً لجريدة "يديعوت احرونوت 19/5/2010" فإن الرئيس الأميركي وإدارته، باتوا منشغلين مؤخراً، في تهدئة الخواطر الإسرائيلية، والأوساط اليهودية الأميركية، فيما يتعلق بالعلاقات الأميركية-الإسرائيلية، في أعقاب الانتقادات لسياسة البيت الأبيض نحو إسرائيل، ومن جانب آخر، أكد احد أعضاء الكونغرس من اليهود، أنه يتوجب على الإسرائيليين، انتهاج سياسة التفاهم والحوار مع الإدارة الأميركية، لتقوية العلاقات بينهما".
لقاء الرئيس الأميركي "18/5/2010"، مع تجمع الأعضاء اليهود الديمقراطيين في مجلس النواب والشيوخ الأميركيين جرى خلاله بحث العلاقات الأميركية-الإسرائيلية في ضوء التوتر الذي أصاب هذه العلاقات، إثر انتقاد واشنطن لقرارات الحكومة الإسرائيلية بزيادة نشاطها الاستيطاني في القدس الشرقية، وفي مواقفها من قضية السلام، اللقاء جاء لطمأنة اليهود الأميركان، والتأكيد على الدعم الأميركي لإسرائيل ،هذا الدعم الذي لا يتزعزع، فقد شبه الرئيس "أوباما" –في هذا اللقاء- التعامل مع ملف الشرق الأوسط، بالسير داخل حقل ألغام، وأنه ارتطم ببعضها، وفقد بعض أصابعه، كما اعترف أنه ارتكب بعض الأخطاء من خلال تعامله مع العملية السياسية الشرق أوسطية، فإن هذا الاجتماع، يأتي في إطار الجهود التي يبذلها الرئيس الأميركي، لطمأنة زعماء المنظمات اليهودية-الأميركية، بالنسبة لسياسته إزاء إسرائيل، وذلك عقب ضغوط اللوبيات الأميركية الموالية لإسرائيل، وبخاصة اللوبي الاقتصادي لرجال المال والأعمال، مما يؤكد مرة أخرى، الافتقاد للتأثير العربي على متخذي القرار الأميركي في الصراع العربي-الإسرائيلي، الذي أخذ يؤثر بتراجع الرئيس الأميركي عن إعلاناته السابقة بالنسبة للسلام.
هناك أرضية متوفرة لتحييد هذه الضغوط عن الرئيس الأميركي، لكنها تحتاج إلى عمل عربي فعال، وخاصة من قبل العرب والمسلمين والأميركيين والمتعاطفين معنا في الولايات المتحدة، فقد وقع عدد كبير من الشخصيات اليهودية الأميركية البارزة، على عريضة دعوا فيها كلاً من الفلسطينيين والإسرائيليين لتقديم تنازلات من شأنها أن تكلل جهود "أوباما" لإنجاح وتسوية الصراع العربي-الإسرائيلي، كما دعا الموقعون على العريضة السلطات الإسرائيلية لوقف البناء الاستيطاني في الأراضي المحتلة فوراً، وإلى تفكيك المستوطنات العشوائية، وتوفير الحماية للفلسطينيين من اعتداءات المستوطنين، كذلك هناك في الولايات المتحدة لوبي يهودي جديد "جو ستريت"، يتجاوب مع تحقيق السلام، وإقامة الدولة الفلسطينية وقد يكون هذا اللوبي الذي يقف خلف العريضة آنفة الذكر.
وفي الوقت الذي تكثف فيه الولايات المتحدة الضغوط على إيران لانتزاع قرار من مجلس الأمن، وتوجيه صفعة للاتفاق الإيراني-التركي-البرازيلي حول تخصيب "اليورانيوم"، ليذكرنا بالقرارات التي انتزعتها الولايات المتحدة من عقوبات على العراق، سبقت الضربات العسكرية، نجحت إسرائيل ولوبياتها في وضع الموضوع الإيراني في صدارة أولوياتها، بدلاً من القضية الفلسطينية كما فعلت إسرائيل عشية الحرب على العراق، في المقابل، فقد استطاعت إسرائيل ولوبياتها الضغط على الرئيس الأميركي لتليين موقفه لصالح إسرائيل في الموضوع الفلسطيني، ولتخفيف ما يسمى بالضغط على إسرائيل، فإن التراجع الأميركي بالشأن الفلسطيني، والتصعيد ضد إيران، يعتبران انتصاراً إسرائيلياً يسجلان لصالح سياسة "نتنياهو" في إدارته للصراع، ومواجهته للولايات المتحدة.
هناك مصالح إستراتيجية مشتركة لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل، تلتقي في معظم الأحيان، إلا أن هذه المصالح انحرفت قليلاً عن مسارها مؤخراً، مع بعض التوتر، فاجتماع الرئيس الأميركي مع مجموعة أعضاء الكونغرس الأميركي اليهود ومن حزب الرئيس جاء لتصحيح المسار لصالح إسرائيل، فإسرائيل التي تضع العراقيل أمام السلام وتحت ذريعة الأمن، تريد اقتطاع أجزاء واسعة من الضفة الغربية، أو اعتبارها مناطق أمنية، مثل الاحتفاظ بمنطقة الأغوار، وتواجد قوات عسكرية إسرائيلية فيها، والادعاء بعدم قدرة الفلسطينيين على تحمل مسؤولية الأمن، ولإزالة هذه المزاعم، فإن الفلسطينيين لا يعارضون تواجد قوات دولية وليس إسرائيلية، أما المشكلة الأكثر تعقيداً فتتعلق بالقدس، فالإسرائيليون منزعجون من الموقف الأميركي في التركيز على وقف البناء الاستيطاني في القدس الشرقية، مع إدراك العديد من الإسرائيليين، بأن القدس الشرقية ستكون في نهاية المطاف، عاصمة الدولة الفلسطينية، ودون ذلك فلن يتوصل الجانبان إلى اتفاق سلام.
لقد اعتاد الإسرائيليون الحصول على كل الدعم الأميركي غير المشروط، غير أن موازنة المصالح الأميركية الإستراتيجية، وبسبب الظروف الجيوسياسية الإقليمية المتغيرة، فإن إسرائيل لا تريد أن تتفهم المصالح الإستراتيجية المتعددة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وبالأخص في أعقاب تورطها في كل من العراق وأفغانستان، فالرئيس الأميركي في مؤتمره الصحفي منتصف شهر نيسان الماضي، في أعقاب مؤتمر القمة النووية قال:"إن حل صراع الشرق الأوسط الذي طال أمده يعتبر مصلحة حيوية للأمن القومي الأميركي"، منوهاً بأن هذا الصراع يكلف أميركا قدراً هائلاً من الدماء والأموال، داعماً أقوال الجنرال "بتريوس" آمر القيادة المركزية الذي أدلى بها في شهادته الأخيرة أمام الكونغرس الأميركي، كما سبق أن قال "أوباما" بأن إقامة الدولة الفلسطينية مصلحة أميركية، وأنه يعتبر السلام الإسرائيلي-الفلسطيني، لا يخدم فقط المصالح الأميركية بل يخدم أيضاً أمن إسرائيل.
ومع كل ما تقدم، فإن الأميركيين والإسرائيليين يبيعون الفلسطينيين لاشيء مقابل كي شيء لإسرائيل، حتى أن اقتراح الرئيس الأميركي لتخصيص مبلغ (205) ملايين دولار لإسرائيل، لتطوير منظومتها الدفاعية المسماة بالقبة الحديدية لمقاومة الصواريخ، صادق عليه الكونغرس بشبه إجماع الخميس الماضي، إذ أيده (410) نواب مقابل معارضة عشرة فقط، في المقابل حذر الرئيس الأميركي من تحريض الفلسطينيين، فهذا التحريض المشروع يأتي رداً على استفزازات الإسرائيليين من إجراءات واعتداءات، وخاصة من قبل المستوطنين تحت حماية الجيش الإسرائيلي، فاستئناف المفاوضات لأربعة أشهر دون ضمانات والتزامات، تعبر عن نوايا حسن النية الفلسطينية تجاه الولايات المتحدة، دون قناعة بنتائجها، وأخيراً .. إذا كان العرب يريدون مساعدة الرئيس "أوباما" كي يساعد قضايانا، عليهم العمل المنظم في صفوف الأميركيين، لتبني وجهة النظر العربية، والقيام بتوجيه ضغط عكسي على الإدارة الأميركية، لتحييد ضغوط اللوبيات اليهودية، وإلا فإننا سنبقى نراوح في مكاننا أو نعود إلى الخلف.
|