New Page 1
إعادة تعريف قضية فلسطين / أحمد جميل عزم
02/06/2010 20:04:00
الهزة التي أحدثتها الجريمة الإسرائيلية ضد نشطاء قوافل "قوارب الحرية" هي بالتأكيد تطور غير مسبوق في مسيرة القضية الفلسطينية. ويمكن أن
تكون خطوة على قاعدة حركة تاريخية إنسانية كبرى.
لم يسبق للقضية الفلسطينية أن أوجدت تحركا عالميا عمليا يصل بمناصري قضية فلسطين إلى سواحلها. في الماضي انضم مناضلون يساريون وماركسيون من أوروبا وأميركا اللاتينية واليابان وغيرها إلى الثورة الفلسطينية تحركهم الأيديولوجيا الأممية، وانضم عرب تحركهم العروبة والإسلام.
ظاهرة المناصرين العالميين من دون أيديولوجيا بعينها ليست ظاهرة جديدة كليا، ولكن "قوارب الحرية" هي تطور كمي ونوعي مهم؛ فكل المشارب السياسية العالمية تتوحد معا في مواجهة العنصرية الإسرائيلية، وتتقدم خطوات عملية تعكس أهمية التعويل على حركات التضامن العالمية باعتبارها أحد أركان النضال لأجل قضية فلسطين.
تمثل الحركة الصهيونية أسوأ أنواع استغلال الدين لأغراض سياسية، وهي حركة ضاربة في أعماق التاريخ، (وهذا مبحث يضيق به المجال هنا)، وما نجحت به الحركة الصهيونية الحديثة هو كسب تأييد عالمي لفكرة تأسيس دولة على أساس ديني قومي عنصري، يجعل لأتباع دين بعينه حول العالم حقوقا سياسية ممنوعة على أتباع دين آخر. ومثل هذه الدولة القائمة على قومية دينية مرفوضة في كل العالم إلا في حالة إسرائيل.
يوجد في التعريفات الوطنية الفلسطينية والقومية العربية للصراع العربي الإسرائيلي الكثير من المنطق والقواعد القانونية والسياسية التي تقرها الشرائع الدولية، كما أن التعريف الديني الإسلامي في شكله القومي هو في جزء أساسي منه رد فعل على الطابع الديني القومي للعدوان الصهيوني.
فكرة القومية اليهودية نشأت قبل آلاف السنين، وهي التعبير المبكر عن خلط السياسة والهوية السياسية بالدين. وهذا يتعارض بشكل أساسي مع ما تطورت إليه الدول في القرنين الماضيين؛ بحيث أصبحت الدولة لمواطنيها بغض النظر عن الدين والعرق واللون.
أما قوافل الحرية فهي تعبير عن اتحاد الإنسان مع الإنسان على قاعدة حقوقه الأساسية بما فيها الحرية والاستقلال والحصول على حقه في إقامة دولته على أرضه، وكثيرون من نشطاء حركات التضامن العالمية مع فلسطين بمن فيهم من نشطاء يهود هم ضد وجود إسرائيل باعتبارها كيانا عنصريا، ويرفضون الفكرة الصهيونية من جذورها، وبعضهم يؤيد حل الدولتين وإزالة الاحتلال باعتبار ذلك حلا ممكنا للصراع.
أسمح لنفسي بأن أجزم أن القضية الفلسطينية تمثل فرصة تاريخية للإنسانية لتطوير فهم جديد لأسس العلاقات السياسية بين الناس لرفض العنصريات بأنواعها الدينية والعرقية والقومية. وهذه الفكرة ليست ترفًا أو خيالا، فحجم القضية الفلسطينية وعمقها وأبعادها الدينية والحضارية والسياسية والإنسانية غيرمسبوقة ولا يوجد ما يشبهها، وبالتالي تشكل الفرصة التاريخية لإعادة التفكير في أسس الصراع الإنساني، على قاعدة تغير في الفهم الإنساني يرفض الصراع على أسس دينية وأيديولوجية. ورفض فكرة وجود حق إلهي لأتباع دين بعينه، أو تبرير العدوان بنشر الدين والإيمان، أو بنشر الحرية والديمقراطية والليبرالية.
بهذا المعنى، فإن "قوافل قوارب الحرية" فرصة تاريخية لبدء حركة عالمية تساوي بين الصهيونية وإسرائيل، من جهة وبين العنصرية من جهة أخرى، وفرصة لإعادة تعريف الصراع على أساس رفض وجود إسرائيل كيانا عنصريا معاديا للقيم الإنسانية والبشرية والسلام والمساواة، وبحيث يدرك العالم أن وجود إسرائيل بعقيدتها الحالية هو سبب الصراع في فلسطين، وهو سبب صراعات كثيرة حول العالم من خلال تجسيد إسرائيل للفكر العنصري.
ومما لا شك فيه أن مثل هذه الفكرة تحتاج الكثير من التأصيل والمناقشات النظرية، والكثير من العمل الميداني الدؤوب.
|