New Page 1
صمود عرب الداخل ثروة غير مستغلة/ غازي السعدي
03/06/2010 13:40:00
يتعرض المواطنون العرب في إسرائيل، أو ما يطلق عليهم بـ "عرب الداخل"، أو "عرب 48"، إلى حملة شرسة من القمع والتحريض، لم يعرفوا مثيلاً لها من قبل، سواء كان عبر تشريعات القوانين العنصرية المتواصلة التي تطالهم أو عبر نهب المزيد من أراضيهم، خاصة أراضي البدو في النقب، وهدم منازلهم، فقد كانت غالبية أراضي فلسطين، يملكها المواطنون العرب قبل عام 1948، أما اليوم، ومع أن عدد العرب يتجاوز 20%، وبسبب المصادرات لأراضيهم، فإن ملكية العرب في إسرائيل لا تتجاوز 2.5% من مجموع الأراضي، وهذه سياسة إسرائيلية مبرمجة لها أهداف عدة، أولها: حمل المواطنين العرب من حملة الجنسية الإسرائيلية على الهجرة والرحيل، والثاني: تعبئة الرأي العام الإسرائيلي ضدهم، ووصفهم بالأعداء وبالطابور الخامس الذين يعملون على تقويض المشروع الصهيوني، من الداخل، وهذه الاتهامات تندرج في إطار استمرار الظلم والتمييز اللاحق بهم، مما أدى إلى وجود أكثر من (40) قانوناً عنصرياً ضد المواطنين العرب في إسرائيل، وبحسب النائب "أحمد الطيبي" فإن إسرائيل تدير ثلاثة أنظمة حكم: الديمقراطية لنحو 80% من السكان اليهود، الثاني نظام تمييز عنصري يطال 20% من المواطنين العرب في الداخل، أما الثالث فهو الاحتلال للأراضي الفلسطينية، وتطبيق نظام "الأبرتهايد" الذي يمارس على الفلسطينيين.
في استطلاع للرأي العام الإسرائيلي أعده البروفيسور "سامي سموحة" من جامعة حيفا، حول جدول العلاقات والتعايش بين اليهود والعرب- نشرته جريدة "هآرتس 25/5/2010"، والذي عُرض على الكنيست في إطار تردي العلاقات والتعايش بين اليهود والعرب في العقد الأخير- أظهر هذا الاستطلاع أن 48% من المواطنين العرب، غير راضين عن حياتهم في إسرائيل، مقابل 35% قالوا ذلك في عام 2003، كذلك تضاعف عدد العرب الذين لا يبدون استعداداً لمصادقة يهود، والأهم أن 62% من عرب الداخل يخشون "الترانسفير"، مقابل 6% عبروا عن هذا الخوف عام 2003، كما أكد 40% من المستطلعين عن عدم ثقتهم بالقضاء الإسرائيلي وبقراراته، فيما أيد 40.6% من المواطنين العرب مقاطعة انتخابات الكنيست.
وعلى الصعيد الديمغرافي، فإن 58% من المستطلعين اليهود، يتخوفون من تهديد الوضع الديمغرافي لصالح العرب، جراء نسبة الولادة العالية لديهم، إذ تصل إلى ثلاثة أطفال، مقابل 2.1 لدى اليهود، فهذه المعطيات ككل تشكل دلالة على فشل التعايش بين المواطنين العرب واليهود، الناجمة عن سياسات التمييز العنصرية نحو العرب، ولنأخذ مثالاً آخر، في استطلاع خصص لآراء الشبيبة اليهودية، أجري من قبل معهد الدراسات "مآغار موحوت- وترجمتها" خزينة العقول"- فإن 50% من المستطلعين الشباب اليهود يعتقدون انه يجب عدم منح العرب حقوقا مماثلة لحقوق اليهود في إسرائيل ، بينما قال 56% منهم أنه يجب منع العرب من الترشح للكنيست، ويرفض 48% إخلاء المستوطنات والبؤر الاستيطانية في الضفة الغربية، ويتصاعد التطرف ويزداد بين الشبيبة اليهودية المتدينة، إذ أن 82% يطالبون بعدم منح المواطنين العرب حقوقاً متساوية، ويعارض 82% من الشبيبة المتدينة انتخاب نواب عرب لعضوية الكنيست، فيما يطالب 56% بمنع منح حق التصويت للكنيست للمواطنين العرب.
في آخر معطيات إحصائية صادرة عن مكتب الإحصاء الإسرائيلي المركزي، بلغ عدد سكان إسرائيل حتى شهر نيسان الماضي 7.6 مليون نسمة، منهم 5.7 مليون يهودي، يشكلون 75.6%، بينما كان عدد اليهود عند إقامة إسرائيل أقل من (700) ألف نسمة، ويبلغ عدد المواطنين العرب في إسرائيل 1.548.000 نسمة يشكلون 20.4% منهم 270 ألف نسمة في القدس الشرقية وهضبة الجولان وهناك نحو 313 ألف نسمة يصنفون بآخرين ومعظمهم من القادمين الجدد وذريتهم من غير المسجلين كيهود في وزارة الداخلية، ويشكلون 4.1% من كافة السكان.
إن أبواق الحكومة الإسرائيلية ووسائل إعلامها، يتهمون عرب الداخل وقيادتهم بالتحريض على الدولة، رداً على ما يكشف عنه النواب العرب، وقيادات الداخل، ولجنة المتابعة لعرب الداخل، ومنظمات المجتمع المدني، والأحزاب العرب، والمؤسسات الحقوقية من الممارسات العنصرية ولكن هذه الحملات ليس باستطاعتها إسكات أفواه عرب الداخل التي تكشف حقيقة التمييز العنصري اللاحق بهم. ففي تقرير عن العنصرية لعام 2010-"معاريف 22/3/2010" نشر من قبل الهيئة لمحاربة العنصرية في إسرائيل، وهي هيئة مستقلة- جاء فيه: أن الكنيست الإسرائيلية الحالية رقم (18) هي أكثر كنيست عنصرية منذ إقامة إسرائيل، وأن عدد مشاريع القوانين العنصرية التي تغبن حقوق المواطنين العرب خلال هذه الكنيست وصل إلى ذروته، وجاء في التقرير أن الكنيست بحثت في عام 2008 (11) قانوناً عنصرياً، وفي عام 2009، ارتفع العدد ليصل إلى (12) قانوناً عنصرياً، وفي عام 2010، قفز عدد القوانين العنصرية ليصل إلى (21) قانوناً، وأن جميع هذه القوانين، تعمل لإضعاف مكانة المواطنين العرب في الداخل، وتقليص حقوقهم، مع التهديد الدائم والمتواصل على شرعية وجودهم، ومن بين هذه القوانين: عقوبة السجن على كل من ينفي وجود إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية، دعم رسوم التعليم لمن يخدمون في الجيش فقط، تعديل قانون القدس ليصبح أن القدس هي عاصمة الشعب اليهودي، تعديل قانون الجنسية بحيث يحق لوزير الداخلية سحب الجنسية لمن يحمل طابع انتهاك الولاء للدولة، قانون النكبة الذي يمنع مواطني الداخل تنظيم المسيرات بذكرى نكبتهم، تشديد العقوبات ضد الأسرى وخاصة أسرى حماس، سحب الجنسية لمن يدان بجريمة إرهاب اوتجسس، سحب الجنسية وإسقاط حق المواطنة، حرمان أعضاء الكنيست العرب الذين زاروا ليبيا من حصانتهم وحقوقهم.. والقائمة طويلة.
في خطابه أمام الكنيست في مطلع هذا العام، تطرق الشيخ النائب إبراهيم صرصور، رئيس الحركة الإسلامية، ورئيس القائمة الموحدة إلى أربعة فتاوى يهودية صدرت عن الحاخامات هي الأكثر فاشية وتطرفاً وجنوناً، الفتوى الأولى: تأمر بمنع الفلسطينيين من دخول أراضيهم الخاصة، الثانية تأمر بقطع أشجار الزيتون الفلسطينية، وتخريب المزارع والكروم، وحرق الأملاك الفلسطينية أينما وجدت، الثالثة: تأمر بتسميم مصادر المياه الفلسطينية والمس بأماكنهم المقدسة، أما الفتوى الرابعة: فتأمر بقتل الفلسطينيين بما فيهم الأطفال، لما يشكلونه من خطر وجودي على إسرائيل مستقبلاً على حد زعمهم، إن هذا الاستعمال السيئ للدين اليهودي يجب أن يقض مضاجع اليهود، ممن يعتقدون بأن اليهودية دين إنساني، فإذا كانت هذه الفتاوى تعبر عن واقع الحال، فإن ذلك يكشف حقيقة من يصدر هذه الفتاوى من حقد وفاشية.
إن الاتجاه اليميني الإسرائيلي يدعو للعمل على التخلص من عرب الداخل، وعدم وجود نواب عرب وطنيين يدافعون عن حقوق مواطنيهم، فقبل سنوات، كان هناك توجه بتحديد حق المشاركة في انتخابات الكنيست، لمن يخدمون في الجيش فقط، لكن ولاعتبارات خارجية متعلقة بمزاعم الديمقراطية الإسرائيلية، أجّل التعامل مع هذا التوجه، وعشية الانتخابات الأخيرة حاول اليمين الإسرائيلي في لجنة الانتخابات المركزية، إلغاء مشاركة قائمتين عربيتين على الأقل هما: القائمة العربية الديمقراطية والتجمع الوطني الديمقراطي "بلد" غير أن لجنة الانتخابات لم تأخذ بهذا الطلب لأسباب قانونية، وهذا ليس نهاية المطاف، ففي شهر شباط الماضي رفعت الحصانة البرلمانية عن النائب "سعيد نفاع" من "بلد"، تمهيداً لمحاكمته على خلفية سفره إلى سورية عام 2007، على رأس وفد من رجال الدين الدروز، في المقابل اختارت جريدة "معاريف 1/4/2010" في ملحقها الخاص بمناسبة الأعياد اليهودية النائب العربي في الكنيست "د. أحمد الطيبي"، كأحد أفضل عشرة سياسيين في إسرائيل، وجاء هذا الاختيار وفقاً لمعايير مهنية، بينها القدرة على التأثير، الحراك السياسي، الشعبية الجماهيرية، المواظبة، تحديد الأجندة، والعمل بحكمة سياسية، وفي تشريع القوانين، وقد جاء في حيثيات اختيار "الطيبي"، أنه لو كان يهودياً لوصل إلى منصب رئيس الحكومة، ولو كان من مناطق عام 1967 لأصبح رئيساً للسلطة الفلسطينية.
إن أقوال "الطيبي" في الكنيست، تثير كثيراً من غضب النواب اليهود، غير أنه يطرح تحدياً جديراً بالاحترام، وعلى سبيل المثال، فقد رد على أقوال نائب وزير الخارجية "داني أيالون" التي جاء فيها:"عرب إسرائيل لن يخسروا بضمهم للدولة الفلسطينية"، وكان رد الطيبي عليه، بأن "أيالون" يجهل معنى الديمقراطية وحقوق المواطنة، وأن عرب الداخل ليسوا أحجار شطرنج، تحرك من هنا لهناك، وهم ليسوا مهاجرين، "ولم نصل إلى هذه البلاد بالطائرات، نحن لم نطالب بطرد أحد، ولكن إن لم يكن هناك بد من رحيل البعض فإن من وصل أخيراً عليه أن يرحل أولاً، وبذلك سينخفض عدد الفاشيين في إسرائيل أمثال "أيالون" و"ليبرمان"، ويقول "الطيبي" أن ليس من حق الشعوب مقاومة الاحتلال فقط، بل أن ذلك من واجبها، كما قال "الطيبي" أنه لا يحق لأحد إلصاق تهمة الإرهاب بالفلسطينيين، بعد احتفال الكنيست بالمخربين والإرهابيين من عصابات الاتسيل والليحي الذين أعدموا من قبل الانتداب البريطاني عام 1947، لقيامهم بمهاجمة الباصات ودور السينما والمقاهي العربية.
على خلفية مشاركته في مظاهرة بلعين التي تقام أسبوعياً، احتجاجاً على إقامة جدار الفصل العنصري، تحاكم إسرائيل النائب "محمد بركة"، رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، بتهمة التظاهر، والتي تعود إلى أعوام 2005، 2006، 2007، وأن التهمة الموجه إليه، الاعتداء على رجال الشرطة، وعرقلة مهامهم، وهذه محاكمة سياسية بامتياز، هدفها إرهاب وتخويف المواطنين، ومع أن المحاكمة أرجئت بقرار من القاضي الذي طلب من النيابة العامة إعطاء أسباب تجميع تهم مختلفة في ملف واحد بضمها أربعة بنود اعتبرتها النيابة جنائية.
إن النواب العرب في الكنيست، وقيادات الجماهير العربية في الداخل، يدفعون ثمناً لا يقدر مقابل تصديهم لسياسة الاحتلال الإسرائيلي، فقد تقدمت عدة منظمات إسرائيلية بطلب لمحاكمة النائب "جمال زحالقة" من حزب "بلد"، لمشاركته في التنديد بالحصار المفروض على قطاع غزة ومشاركته بالتظاهر على معبر "بيت حانون"، ولنعته وزير الحرب "ايهود باراك" بقاتل أطفال غزة، وكرر هذه الأقوال، في مقابلة مع التلفزيون الإسرائيلي، مما أدى إلى تصادمه مع مقدم البرنامج الذي تطور إلى سجال ووصف البرنامج تصريحات "زحالقة" "بالوقاحة" مما أدى إلى إنهاء المقابلة، أما النائب "عفو اغبارية" وهو رئيس اللوبي البرلماني لمناهضة العنصرية، فقد أشار إلى المعطيات التي وردت في التقرير الذي صدر عن ائتلاف مناهضة العنصرية، مما يدل إلى أي درك وصلت إليه المؤسسة الحاكمة في إسرائيل، فالشارع الإسرائيلي يتجه بغالبيته نحو التطرف، تحت تأثير حملة التحريض التي تقودها حكومة اليمين الإسرائيلي، من خلال تشريع أفظع القوانين عنصرية.
وإذا ما أردنا إيجاز ما تقدم والدور الهام الذي يقوده النواب العرب في الكنيست وخارجها نصل إلى نتيجة أن الصراع من أجل الحقوق يأخذ اتجاهات ووسائل مختلفة، وليس بالسلاح وحده، فإنه يحتاج إلى الحوار، والمواجهة السياسية، وإلى اختراق المجتمع والرأي العام الإسرائيلي، إضافة إلى الساحة الدولية، فتواجد النواب العرب في الكنيست له أهمية كبيرة، إذ أن هناك (11) نائباً عربياً ينتمون إلى الأحزاب الوطنية في الكنيست الحالية، وهناك أربع نواب عرب انتخبوا في قوائم الأحزاب الصهيونية، وبينما كانت الأحزاب الصهيونية تحصد نحو 60% من الأصوات العربية، البالغة نحو نصف مليون مواطن عربي من أصحاب حق الاقتراع فقد تدنت هذه النسبة ووصلت إلى نحو 30% فقط، تذهب إلى الأحزاب الصهيونية، وهناك حوار بين عرب الداخل في هذا الموضوع، فهناك من يعارض المشاركة في الانتخابات، إذ أنها تظهر ديمقراطية إسرائيل أمام العالم من جهة، وأن لا تأثير يذكر للنواب العرب في الكنيست من وجهة نظرهم من جهة أخرى، ففي الانتخابات الأخيرة شارك في عملية الاقتراع ما يقارب 52% من المصوتين العرب فقط، مقابل نحو 70% من المصوتين اليهود، ولو افترضنا أن الإقبال على التصويت كان واسعاً، فقد تحصل الأحزاب العربية على (15) مقعداً، ليشكلوا القوة الثانية من حيث الكتل البرلمانية في الكنيست، بينما يحتل حزب "إسرائيل بيتنا" بقيادة الفاشي "أفيغدور ليبرمان" المكان الثاني في تصنيف الأحزاب، إذ لديه (15) نائباً، وأصبح "ليبرمان" المؤثر والذي يوصف بملك إسرائيل، فهنيئاً لهم مثل هذا الملك، فهناك حاجة لحوار جدي بين القيادات العربية في الداخل، لتوحيد صفوفها، ولكي تكون قوة أكبر لفضح الممارسات والتشريعات العنصرية، صحيح أن تأثيرهم في الكنيست محدود، لكونهم في المعارضة، لكن قوتهم الإعلامية في الداخل والخارج كبيرة، ولنتذكر أنه في عام 1992، لم يكن "اسحق رابين" ليفوز برئاسة الحكومة، لولا النواب العرب، فقد كانت الحكومة مشكلة من حزبي العمل وميرتس، ولهما (56) نائباً، وكان للعرب خمس نواب فقط، فقد منحوا تأييدهم "لرابين"، وحصلوا منه على إنجازات كبيرة في الموازنات وفي تطوير القرى العربية في الداخل، حتى أنهم نجحوا في منع مصادرات أراضي في ذلك الحين حتى من داخل القدس الشرقية، فالحاخامات وصفوا حكومة "رابين" بأنها غير شرعية لاعتمادها على الأصوات العربية، فالملعب السياسي هو أحد ساحات الصراع وليس الوحيد، فعلينا استغلاله، فعرب الداخل يشكلون القاعدة للصمود في وجه المخططات الإسرائيلية، وثروة لا يستهان بها واللوبي القوي والداعم للقضية الفلسطينية، وللأمة العربية.
|