New Page 1
عقب ما ارتكبوه من مجازر بحق "سفن كسر الحصار" / غازي مقبول
10/06/2010 10:05:00
عقب ما ارتكبوه من مجازر بحق "سفن كسر الحصار"
ويتساءلون: لماذا يكرهنا العالم ويقف ضدنا
من يعتقد أن قادة إسرائيل سيتعلمون، ويستفيدون من العبر التي استقوها من عدوانهم على أسطول "كسر الحصار"، وما جرّه عليهم من نبذ من دول العالم لما قاموا به من غطرسة ضد المتضامنين في المياه الدولية، وضمان أنهم لن يكرروا سياستها العدوانية، فإنه لا يعرف شيئاً عن العقلية الإسرائيلية، وطريقة تفكيرها، فهذه هي المنهجية الإسرائيلية القائمة على القوة منذ نشأتها، وعدم احترامها المستمر لقرارات الشرعية والقانون الدولي، فرئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو"، ووزير الحرب "ايهود باراك" هما اللذان خططا لهذه العملية الحمقاء الفاشلة، ويتحملان المسؤولية الكاملة عما آلت إليه، وهذه ليست الجريمة الأولى التي تقوم بها إسرائيل، فجرائمها ومجازرها لا تعد ولا تحصى، وفي كل مرة نتهمها بالقيام بجرائم ومجازر حرب، لكن هذه المجازر والجرائم وللأسف لم تصل إلى محاكم جرائم الحرب الدولية، ومن المؤسف حقاً أن صوتاً واحداً ووحيداً في هذا العالم، وهو صوت شاذ، مستمر في الدفاع عن إسرائيل ولو بخجل، وهي الولايات المتحدة الأميركية، التي تعطي لإسرائيل الحق بالدفاع عن نفسها، حتى لو كان ذلك عدواناً داخل المياه الدولية، والتعرض لمواطنين مدنيين، ومع أن جهات أميركية واسعة ليست مع هذا الاتجاه، إلا أن الإدارة الأميركية، ولأسباب واعتبارات وتوازنات داخلية، تسير عكس التيار، ومن يعتقد بأن إسرائيل لن تكرر مثل هذه الحماقة فهو واهم ولا يعرف الطبيعة الإسرائيلية.
إن القيادة الإسرائيلية التي عزلت نفسها عن هذا العالم، والتي تعيش المأزق، تحاول الدفاع عن نفسها بتبريرات وأكاذيب وأضاليل لا أساس لها من الصحة، فهي تدعي أنها عثرت على أوراق لدى المتضامنين تحوي تعليمات عن كيفية التصرف مع الجنود الإسرائيليين، ومع الجهات المعتدية الأخرى، للدفاع عن النفس، وتتهم بعضهم بأنهم على اتصال مع تنظيمات إرهابية مثل القاعدة وحزب الله، وأنها عثرت لديهم على عصي وهراوات وسكاكين وسترات واقية، ووسائل للرؤية الليلية، وكمامات مضادة للغازات، وأكثر من مليون يورو، أما الأتراك الذين قتلوا فهي تدعي بأنهم كانوا من المرتزقة، وكانوا مسلحين وأنهم قذفوا بأسلحتهم إلى البحر قبل سيطرة الكوماندوز الإسرائيلي على السفينة، وأنهم عثروا على "خراطيش" من الرصاص الفارغ بعد استعماله ضد الكوماندوز، هذه الخراطيش تختلف عن الرصاص المستعمل في الجيش الإسرائيلي - على حد ادعائهم- كما أنهم حاولوا احتجاز ثلاثة من الجنود المهاجمين، وذكر مراسل راديو إسرائيل أن قيادة الجيش قالت للجنود خلال الاتصالات المتتالية إبان عملية الاستيلاء على السفن أنهم سيتعرضون لمواجهات خلال اقتحام "مرمرة" أكثر من السفن الأخرى. وقد تم إعداد الجنود لمواجهة حالة شغب.
وتقول جهة عسكرية لم يكن الجنود على استعداد لمواجهة محاولات لقتل بعضهم من قبل ركاب مرمرة، إن القافلة لم تكن قافلة إنسانية.
لقد اشتملت المناورات التي أجراها الجيش للاستيلاء على السفن إمكانية استخدام السلاح الناري ضد الناشطين الذين قد يلجأون لاستخدام الأسلحة "الباردة"، وقد أعطى الجنود أوامر بإطلاق النار من أجل القتل في حالة تعرض حياتهم للخطر، ومن ثم قام الجنود بإطلاق النار فوراً إزاء الوضع الذي واجهوه.
وهذه ادعاءات نفاها المتضامنون بشهاداتهم وفندوها جملة وتفصيلاً، ولنفترض أن كل هذه الادعاءات صحيحة، فما الضير فيها، ألا يحق لهم الدفاع عن أنفسهم في وجه هجوم شرس شن عليهم، في عرض البحر وضد دولة خالفت القوانين البحرية الدولية؟
إسرائيل في موقع الدفاع، ورئيس هيئة الأركان للجيش الإسرائيلي "غابي اشكنازي"، وصف جنوده المعتدين على سفينة "مرمرة" التركية بالأبطال، ولكن ضد من؟ ضد مواطنين عزل، إن "اشكنازي" وقائد سلاح البحرية يحملان "باراك" الذي وضع خطة الهجوم- دون عرضها للمناقشة- مسؤولية الفشل، وهناك انتقادات قاسية من بعض الوزراء "لنتنياهو" و "باراك"، تتعلق بطريقة اتخاذ القرارات التي وصفوها بغير السليمة، فالأصوات الإسرائيلية تتعالى وتعلن عدم رضاها عن نتائج العملية، التي أثارت ضجة في الحلبة الدولية، مع أن هناك شبه إجماع إسرائيلي كان يؤيد العدوان على أن يكون ناجحاً ومضموناً ودون فضائح، إذ أن مسؤولين في الجيش الإسرائيلي وعدوا – خلال المباحثات- بأن تنتهي العملية بنجاح ودون أضرار، وقال البعض أنه كان يتوجب اللجوء إلى وسائل تكنولوجية، وتطوير قدرات وأدوات تقنية محكمة، يمكنها تعطيل السفن من الاستمرار في الإبحار، وطالب البعض بإغراق السفن، مع أن رئيس الموساد اعترف أمام لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، بأن الجيش قام بعمليات تخريبية ضد سفن القافلة لمنعها من السفر، مما حال دون مرافقة بعض السفن للقافلة، كما قال رئيس الموساد بأن إسرائيل تتحول تدريجياً من ذخر إلى عبء على الولايات المتحدة.
إن إسرائيل تعتمد على طبيعة النسيان لدى الشعوب، وتعتبر أن هذه الحملة العالمية التي تدينها، ستستغرق أسبوعاً مشمشياً، وأنها ستفتعل حماقات جديدة، لتشغل العالم بها لنسيان الأزمة الحالية، والدليل على ذلك.. من يتحدث اليوم في هذا العالم عن مجازر إسرائيل في عدوانها على لبنان عام 2006؟ وعن مجزرة صبرا وشاتيلا وقانا، والاعتداءات المتواصلة على مخيمات اللاجئين في لبنان؟ ومن يتحدث عن العدوان الإسرائيلي والمجازر في قطاع غزة عام 2008؟ ومن يتحدث عن مجزرة جنين ودير ياسين وكفر قاسم والقائمة طويلة، لكن تراكم هذه الاعتداءات باقية، وستحاسب عليها إسرائيل ذات يوم.
"نتنياهو" يكرر مواقفه العدوانية بأن الحصار على غزة سيستمر، وأن السفن لن يسمح لها بالوصول إلى غزة، لكن "نتنياهو" الذي يتعرض لضغوط دولية، أخذ يغير لهجته، ففي لقائه مع ممثل الرباعية الدولية "طوني بلير" أبلغه بأن إسرائيل ستلين موقفها من الحصار، على أن تفرغ السفن حمولتها في ميناء اسدود، ومنه تنقل عن طريق البر إلى قطاع غزة، فقد أجمعت وسائل الإعلام الإسرائيلية إضافة للمحللين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين، على اختيار كلمتين لتعليقاتهم هما: "التورط والفشل"، وكتبت بعض الصحف تقول: الإحباط يسود الجيش الإسرائيلي، إسرائيل خسرت المعركة الإعلامية في العالم مجدداً، الإعلام الإسرائيلي فشل في تبرير ما جرى أمام العالم، الوكالة اليهودية تأمر مبعوثيها في جميع دول العالم العمل على تحسين صورة إسرائيل في العالم بعد أحداث أسطول الحرية، وكتبت جريدة "يديعوت احرونوت 3/6/2010"، أن معركة البواخر انتقلت إلى الكنيست، حين حاول نواب الكنيست من اليمين المتطرف، إنزال النائب حنين الزعبي من المنصة، ومنعها من مواصلة خطابها واتهامها بالخيانة العظمى لمشاركتها مع المتضامنين بالأسطول- وهي تعتبر شاهد عيان لما حدث أثناء الهجوم العسكري الإسرائيلي على البواخر- وما رافق هذه الاتهامات من اشتباكات بالأيدي بين نواب الكنيست العرب واليهود، والتهديد بسحب حصانتها البرلمانية، وبتجريدها من الجنسية.
المواطنون العرب داخل الخط الأخضر، وبقرار من لجنة المتابعة العليا لعرب الداخل، نفذوا إضراباً عاماً تضامناً مع المتضامنين، وقد هنأ النائب العربي في الكنيست "محمد بركة" – ساخراً- الجيش الإسرائيلي على انتصاره الساحق المزعوم، فيما وصف النائب "أحمد الطيبي" السيطرة الإسرائيلية على السفن بجريمة مقرفة من قبل جيش الاحتلال، بينما تظاهر نحو ألف إسرائيلي من حركات السلام واليسار الإسرائيلي، مقابل وزارة الحرب الإسرائيلية في تل أبيب وشجبوا العملية العسكرية، ورفعوا شعار:"ضياع الطريق لحكومة نتنياهو"، وفي جامعة "بئر السبع" تشابك طلاب الجامعة العرب واليسار بالأيدي مع طلاب اليمين الإسرائيلي، كذلك الحال في الجامعات الإسرائيلية الأخرى، وتجري في إسرائيل مظاهرات يمينية مؤيدة لعملية الجيش ضد السفن ويسارية تندد بها.
"نتنياهو" قطع زيارته لكندا عائداً لإسرائيل وألغى لقاءه المقرر مع الرئيس الأميركي في واشنطن، وأول ما قام به بعد عودته هو زيارة جنوده المصابين بالمستشفيات الذين تصدى لهم المتضامنون المدافعون عن أنفسهم.
وفي أول تصريح أدلى به قدم دعمه الكامل لجيشه في هجومه على أسطول السلام، وبينما أعلنت الجهات الإسرائيلية تقديم المتضامنين للمحاكمة، أرغمت في نهاية المطاف على إطلاق سراحهم، وهناك نقاش إسرائيلي داخلي حول إجراء تحقيق حول العملية، ومن بين الطروحات: تشكيل لجنة دولية خارجية، لجنة تحقيق إسرائيلية رسمية، لجنة تحقيق إسرائيلية حكومية، لجنة تحقيق إسرائيلية عسكرية، وواشنطن تقترح لجنة تحقيق إسرائيلية مستقلة بمشاركة مراقب أميركي، لكن القرار النهائي يبقى بالتشاور بين الولايات المتحدة وتركيا.
إسرائيل بعملها الغبي والدامي، أيقظت العرب والعالم الغاضب عليها، وأعادت القضية الفلسطينية إلى الصدارة، فدون إنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية، فإن الأزمات ستتواصل.
من جانبها أهابت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وأمناء الفصائل، ولجنة فتح المركزية، بإرسال وفد مصالحة إلى غزة، ليس من أجل التفاوض لإنهاء الانشقاق، بل لإنهائه فعلياً، وإن لم تكن هذه الساعة مواتية للمصالحة، فمتى سيكون إذن الوقت الأفضل من الوقت الحالي؟ غير أن المفاجآة كانت أن الناطقين بلسان حركة حماس بدلاً من الترحيب واستقبال الوفد، قالوا أن على الوفد أن يتقدم بطلب لدراسته، وقال القيادي صلاح البردويل: لا وقت للمبادرات والزيارات، فقد جربنا مثل هذه الزيارات والرحلات المكوكية دون فائدة، ونأمل أن لا تكون هذه الكلمة النهائية، مما قد يستنتج من رفض الاستقبال والمصالحة بأن الانتقال من الضفة إلى غزة يحتاج إلى "فيزا"، بين "بلدين" لتكريس الانشقاق، وأن حركة حماس غير معنية بالمصالحة التي تشكل المدخل لفك الحصار، وإعادة اللحمة والوحدة الفلسطينية، وهناك من يقول بان الحصار وامتداده العالمي يصب في خدمة حماس، في الوقت الذي حُشرت فيه إسرائيل مجدداً في المأزق الرافض للسلام ليقول الرئيس الإسرائيلي "شمعون بيرس": لماذا يكرهنا العالم ويقف ضدنا؟ وكأنه لا يعرف.
فإسرائيل لا تكاد تنتهي من ورطة إلا وتقع في أخرى، فالمطلوب تظافر جميع الجهود وجميع القوى لمحاصرة الاحتلال الإسرائيلي، فإن شعوبنا لن تغفر لنا إذا ما استمر التمزق والخلاف بين الفلسطينيين وبين أنفسهم، وما مغامرات إسرائيل إلا دليلاً على اليأس وفقدان الصواب.
|