New Page 1
هل هذه نهاية العلاقات الإستراتيجية بين تركيا وإسرائيل؟ / غازي السعدي
17/06/2010 10:12:00
إسرائيل ومن خلال شنها حملة تشويه على رئيس الوزراء التركي"رجب طيب أردوغان"، تعتبره مصيبة إستراتيجية آخذة في التجسد، ويعتبرونه "أحمدي نجاد" ثاني، وفقاً لمصدر سياسي إسرائيلي كبير "معاريف 6/6/2010"، ووفقا لحملة التشويه الإسرائيلية، فإن "أردوغان" تلقى الكراهية منذ أن كان في الرابعة من عمره، في مدرسة متطرفة، فهو ثوري في روحه، يفعل كل شيء كي يغير وجه تركيا، وقد نجح في شق طريقه بمثابرة وحكمة، ووفقاً لجريدة "معاريف" فقد ألقى بجنرالاته الى السجن، وهو يقضم من قوة مجلس الأمن القومي الذي يسيطر عليه الجيش، وعمل على تغيير رئيس المخابرات التركي مؤخراً، وعين مكانه رجلاً إسلامياً متطرفاً، وحسب إسرائيل فأردوغان يريد أن يدخل التاريخ كمن قلب العجلة، وأعاد الإمبراطورية التركية إلى عهدها المزدهر السابق.
لقد أدخل "أردوغان" إسرائيل في ورطة، ووفقاً "لنتنياهو"، فإذا انتهى التحالف الإستراتيجي الإسرائيلي-التركي ذات مرة، فيمكن إغلاق "البسطة"، وإسرائيل في غاية القلق، فهي حسب "نتنياهو" قوية بما فيه الكفاية، حتى دون تركيا، غير أنه يعترف بأن وضع إسرائيل الدولي، في الدرك الأسفل ولم يسبق له مثيل، وأن حملة منهجية لنزع الشرعية تجري ضد إسرائيل، "فنتنياهو" في وضع حرج، لا يعرف من أين سيأتي الخلاص ووزير خارجيته "افيغدور ليبرمان" اتهم "اردوغان" بالتحول التدريجي إلى "القذافي" و"تشافيز"، بينما يتجاهل إهانة الخارجية الإسرائيلية للسفير التركي في تل أبيب، في المقابل فإن "أردوغان" يتهم إسرائيل بأنها تشكل التهديد الأساسي على السلام في الشرق الأوسط، بينما العالم يتغاضى عن المخططات النووية الإسرائيلية "يديعوت احرونوت 12/4/2010".
وفي الوقت الذي رفضت فيه إسرائيل بيع تركيا منظومة الصواريخ الاعتراضية للطائرات والصواريخ، بما فيها الصواريخ الملاحية من طراز "باراك-8" والتي تمنح الحماية بنسبة (360) درجة للسفن والزوارق الحربية، خشية نقل تركيا- حسب المصادر الإسرائيلية- هذه المنظومات إلى إيران لفحصها وتحليلها، "ملف ديفكه 28/4/2010"، فإن الشعور السائد لدى الأوساط الأمنية الإسرائيلية وفقاً لصحيفة "معاريف 28/4/2010"، أن عهد العلاقات الإستراتيجية الإسرائيلية-التركية انتهى خاصة في أعقاب نصب تركيا بطاريات صواريخ مضادة للطائرات على حدود سورية، وإغلاق ممراتها الجوية أمام إسرائيل، وذلك لمنع هجوم إسرائيلي على سورية أو إيران، ويقول المدير العام السابق لوزارة الحرب الإسرائيلية "عاموس يارون"، بأن هناك تراجعاً في حجم مشاريع التعاون الأمني، بين إسرائيل وتركيا لعدم وجود رؤيا إستراتيجية مشتركة بين البلدين، في ظل حكومة "أردوغان"، وأن على الرئيس التركي ،وفقاً "لعاموس يارون"، الاختيار بين المعسكر الذي تقوده إيران، وبين المعسكر بقيادة واشنطن، ووفقاً لنشرة "انتلليجنس اون لاين" - المتخصصة بالمعلومات الاستخبارية والتي تصدر في باريس -فإن تركيا وإسرائيل تتجهان إلى فك التحالف العسكري بينهما.
إسرائيل تبحث عن مناطق واسعة في أوروبا وآسيا، لتدريب سلاح جوها، وإجراء مناورات على تنفيذ مهام طويلة المدى كبديل عن وقف تركيا السماح لهذا السلاح التدرب في أراضيها، فتركيا رفضت للمرة الثانية الطلب الإسرائيلي الاشتراك في مناورات "نسر الأناضول" السنوية، لتدريب الطيارين الإسرائيليين، هذه المناورات التي بدأت منذ عام 2001، وكانت إسرائيل تشترك فيها، إلا أن تركيا أوقفت مشاركة سلاح الجو الإسرائيلي في هذه المناورات منذ العام الماضي، وهناك مخاوف في إسرائيل من قيام تركيا بإغلاق قاعدة استخبارات إسرائيلية في تركيا، بالقرب من الحدود الإيرانية، والتي تعتبر ذات أهمية بالغة على صعيد النشاطات الاستخبارية ضد إيران، ونسبت جريدة "يديعوت احرونوت 7/6/2010" إلى مصدر إسرائيلي قوله: إذا ما حدث هذا الإغلاق، فإن إسرائيل ستفقد أذنيها وأنفها في التجسس على إيران.
إضافة إلى العلاقات الإستراتيجية القائمة بين تركيا وإسرائيل، فإن تركيا تعتبر من أكثر الدول التي تستورد السلاح من إسرائيل، وتجري صيانة لدباباتها في إسرائيل، وكانت طائرات التجسس دون طيار من نوع "هيرون" التي اشترتها تركيا من إسرائيل، من بين أسباب التوتر بين البلدين، لعدم التزام إسرائيل بالعقود الموقعة بينهما، وتسليم هذه الطائرات بالمواعيد المحددة، كما أن الزيارات العسكرية المتبادلة بين أركان قوات البلدين، توقفت على خلفية توتر العلاقات بين البلدين، من جهة أخرى، فإن هناك علاقات اقتصادية بينهما بمليارات الدولارات، وعلى ما يبدو فإنها آخذة بالتراجع، كما أن إسرائيل دعت مواطنيها، للعزوف عن التوجه لتركيا للسياحة، تحت ذريعة الخطر على أمنهم، إذ أن نحو (150) ألف إسرائيلي يقضون إجازاتهم على الشواطئ التركية سنوياً، في مدخول قدره (200) مليون دولار سنوياً لتركيا.
لقد بدأت العلاقات التركية – الإسرائيلية بالتدهور منذ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2008 وبتاريخ 30/2/2009 انسحب رئيس الوزراء التركي "أردوعان" غاضباً من اجتماع دافوس في سويسرا، الذي كان يحضره الرئيس الإسرائيلي "شمعون بيرس" حين أدان الرئيس التركي العدوان الإسرائيلي على غزة، وبتاريخ "11/10/2009"، حجبت تركيا عن سلاح الجو الإسرائيلي المشاركة في مناورات دولية نظمت في تركيا.
وبتاريخ "13/1/2010" أهانت الخارجية الإسرائيلية السفير التركي لديها، حين استدعى نائب وزير الخارجية "داني أيلون" السفير التركي ورفض مصافحته وأجلسه في مستوى أدنى من محادثيه الإسرائيليين، وبتاريخ "8/4/2010" هاجم "أردوغان" إسرائيل مجدداً ووصفها بالخطر الرئيسي على السلام في الشرق الأوسط، وبتاريخ "17/5/2010" وصف نتنياهو الاتفاق بشأن الملف النووي الإيراني الذي وقعته تركيا والبرازيل مع إيران بالمخادع، وبتاريخ "31/5/2010" وصف "اردوغان" هجوم إسرائيل على أسطول الحرية الذي كان متوجهاً إلى غزة بإرهاب الدولة، مؤكداً أن تركيا لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء ما حصل، أما الأزمة الحالية، فكانت تعرض إسرائيل لأسطول فك الحصار الذي أدى إلى استشهاد تسعة من أفراد سفينة مرمرة التركية.
أما أهم المحطات في العلاقات التركية – الإسرائيلية، فقد كانت تركيا أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل عام 1949، وفي كانون الثاني عام 1950 تم إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وفي صيف عام 1951 وقع البلدان على اتفاقيات أمنية، مقابل تزويد إسرائيل تركيا بمعلومات عن منظمات المعارضة التركية، خاصة من الأكراد والأرمن، إضافة إلى النشاط اليوناني في منطقة البحر المتوسط، وفي عام 1952 انضمت تركيا إلى حلف شمال الأطلسي، وفي عام 1958 قام رئيس حكومة إسرائيل "بن غوريون" بأول زيارة لتركيا، وفي أعقاب حرب عام 1967 شهدت العلاقات بين البلدين بعض النفور والتوتر، وفي أعقاب اتفاق "كامب ديفيد" عام 1978 عادت حرارة العلاقات بين البلدين إلى التحسن، وبخاصة في المجالين الاقتصادي والأمني، وفي عام 1996 وقع الطرفان على اتفاق التعاون العسكري، حيث تبلورت العلاقات الإستراتيجية بين البلدين، في إطار مجموعة من الاتفاقات، مما أدى إلى تحول في الميزان العسكري الإقليمي، إضافة إلى تبادل المعلومات الأمنية والاستخبارية، وحصول تركيا على صور أقمار التجسس الإسرائيلية والأميركية، وتحسنت هذه العلاقات لتشمل إقامة مراكز الإنذار والتنصت داخل الأراضي التركية للتجسس على إيران وسورية والعراق، وتواجد طائرات مقاتلة إسرائيلية على الأراضي التركية، فإسرائيل هي المستفيدة من هذه العلاقات في جميع المجالات، ويبقى السؤال: لماذا هذا التحول في السياسة التركية؟ هل هي جادة؟ أم مرحلية؟
لقد وجهت وسائل الإعلام التركية انتقادات لاذعة لإسرائيل قبل العدوان على سفينة "مرمرة" التركية، عندما أصدرت إسرائيل قراراً ببناء (1600) وحدة سكنية استيطانية في حي "رمات شلومو" اعتبره "اردوغان" بأنه غير مقبول عقلياً ومنطقياً، وأنه يثبت بشكل قاطع بأن إسرائيل تعمل على شطب حق الفلسطينيين خطوة بعد أخرى، و"اردوغان" دشن بشخصه الفضائية التركية باللغة العربية، لتكون مؤشراً إلى رغبته باستقطاب العالم العربي، وهو يشترط لعودة العلاقات التركية-الإسرائيلية إلى طبيعتها التزام إسرائيل والسير وفقاً للقانون الدولي، وهذا من رابع المستحيلات، فهل تركيا في الطريق لإسدال الستار على علاقاتها التاريخية مع إسرائيل؟
|