New Page 1
القهر الجديد.. صنع لِ "فلسطين"/فراس ياغي
30/06/2010 22:02:00
"هذا المقال ليس للمقهورين، وإنما لمن يريدون مقاومة القهر، فلا تكونوا ك "رجال أول نوفمبر في الجزائر"، الذين رحلوا وما زالوا، قهراً"
هل سمعتم بالقهر؟!! هل جربتموه ؟!! هل عايشتموه؟!! هل تذوقتوه؟!! هل تعلمون ما هي أنواعه؟!! هل تعرفون الكيفية التي يمارس فيها؟!! هل تعلمون معادلاته؟!! ألهُ نهاية كما إبتدى؟!! بالتأكيد عرفتوه وجربتوه وخبرتوه، لكن نكهتهُ الفلسطينية مميزة..لاذعة..حادقة..منتشية، لا تشبه مثيلاتها العربية، هي متناقضة، تصارع الضد في ذات الضد، فالاضداد نفسها قهر...أوروبا القديمة والجديدة جلبته لنا بثوب "الهولوكست"، والولايات المتحدة حَمته ورعته باسم العالم "الحر"، وإسرائيل مارسته وتفننت به وبدون حساب ورقيب..القهرُ روائحهُ في كل حيٍ وزاويةٍ وشارعٍ..في المناطق المحررة المحاصرة وفي المناطق التي سميت محررة وما عادت محررة..في المناطق التي سميت جوراً باسم "ب" و "ج" وفقا لتقسيمات "أوسلو"..في المناطق التي تحت مسئولية الاحتلال في كل شيء والتي تحت مسئوليته الامنية فقط.. القهر متعدد الاوجه..يأتي من العدو ومن ذوي القربى.. قهر الاحتلال هذه سِمتهُ وتعبيرُه جليٌ عن صفاته..الشعب يواجه هذا القهر بفخر وإعتزاز، فهو بذلك يؤكد رفضه وتمسكه بحقه ووطنه..بينما القهر الآخر، سِماته أيديولوجية وفكرية ولفظية ومؤسساتية وسياسية وإقتصادية وإجتماعية ونفسية..فوضى المواصلات قهر..قطع إشارة المرور وهي حمراء قهر..تعميق قيمة الواسطة قهر..الفردية والعنترية قهر..الحزبية المقيته قهر..الاستزلامية والتفرد بصناعة القرار قهرٌ وقهر..قطع الكهرباء عن غزة ومهما كانت الاسباب قهر..التمييز بين الرجل والمرأة قهر متأصل..زيادة الاسعار والتلاعب فيها قهر.. فساد الاطعمه والبضاعة قهر..عدم محاكمة الفاسدين قهر..التدخل في خصوصية المواطنيين وتصويرهم وتحت أي ذريعه قهر..العشائريةُ قهر..اللجوءُ قهر..المخيمُ قهر..الاعتقالُ بدون قانون قهر..الشتاتُ قهر..المعابرُ قهر..الحواجزُ قهر..الصلاةُ في القدس قهر..الارنونا(ضريبة تفرض على المنازل في القدس) والزواج من القدس ومناطق أل 48 قهر..الذهاب للشمال و الجنوب قهر.. الانقسام والمصالحة قهر..العمل في سلطتي الامر الواقع قهر..التمويل الاجنبي للجهتين قهر..الشرعية بمفاهيمها الغَزّية والضفاوّية قهر..الحرب والسلام بطريقة أمريكيا قهر..المفاوضات (المباشرة وغير المباشرة والتقريبية وعن بعد والمتعددة) وبكل طرق السلطة قهر..المقاومة بطريقة القابعين في غزة قهر..الاحتلال قمة القهر..ومصاحبة عدوك باسم السلام المفقود قاعدة القهر..الاصولية والقاعدة قهر..الامن قهر.. تكميم الافواه قهر..اللامبالاة قهر..التباهي بقتل مشاعر الآخر قهر..ولادتنا قهر..نشأتنا قهر..حياتنا قهر..موتنا قهر..حامضننا النووي قهر..حبنا قهر..تعليمنا قهر.. لقد وصلنا لقمة القهر ولا زلنا في القمة، فما أجمل القهر الذي حدث والذي لم يحدث والذي لن يحدث..نحن جُبلنا بالقهر، هو جزءٌ منا ونحن جزءٌ منه..تصوروا وتخيلوا أن تعيشوا بلا حواجز..أعتقد من الصعب تخيل ذلك، حواجز الاحتلال جزءاً من همجيته، ولكن حواجز التذويت بداخلنا هي المقصودة.
هذا هو القهر الفلسطيني.. قهر عانى ويعاني منه كل إنسان فلسطيني، ولد ولم يولد بعد..حي أو ميت..ذكر أو أنثى..طفل أو شيخ..من الداخل او من العائدين..من القدس او الضفة..من غزة او من مخيمات اللجوء..من الجاليات في اوروبا او الامريكيتين..مثقف او عامل..موظف أو عاطل عن العمل..معلم او طالب..ربة بيت او ربُ بيت..سيدة او مطلقة..أُم او عزباء..علماني او متدين..فقير أو فقير..مدني او عسكري..خليلي او غزاوي..من الوسط او من الشمال..مسلم او مسيحي. قهر أصاب الانسان والحيوان، قهر اصاب الشجر والحجر..قهر غزة المحاصرة، وقهر القدس التي تهود..وقهر الذين يعيشون في ابراج عاليه ليس لهم علاقة بما يجري حولهم..قهر التنوير وقهر الظلام..قهر البزنس والاحتكار الذي لا يعرف عدوا من صديق..قهر المتوكلين على الشرعية الالهية والشرعية الدولية.. يقول الفيلسوف الاجتماعي والطبيب النفسي الفرنسي الذي أنضم للثورة الجزائرية "فرانز فانون" "إن الابيض هو الذي يخلق الزنجي، ولكن الزنجي هو الذي يخلق الزنوجه"، وهنا الاحتلال خلق القهر المتجدد، ولكننا نحن من عددنا أشكاله والوانه، إن كان بما يسمى السلام والمفاوضات أو بما يسمى المقاومة المكشوفه في منطقة عارية ومكتظه ومحاصرة من كل الجهات، نحن أمعنا فيه بإنقسامنا وبمهاتراتنا الاعلامية، ونحن عمقناه باصطفافات إقليمية ودولية نحن في غنى عنها..هجرنا ذاتنا وإبتعدنا عنها وإخترنا العِناد، فقسونا على بعضنا وأنتجنا قهر جديد، صنع لِ "فلسطين".. فكانت كلمات "عبد الوهاب محمد" لها وقعها فينا وعلينا حين قال: "حتى الهجر قدرت عليه..شوف شوف القسوة بتعمل إيه".. وأصبحنا ك "أبو العلاء المعري" لا نفرق بين ولادة جديدة او موت جديد، لأن القهر عنواننا وحياتنا:"غير مجدٍ في ملتي وإعتقادي..نوح باك ولا ترنم شادي..ابكت تلكم الحمامة أم غنت..على فرع غصنها المياد".
Firas94@yahoo.com
|