New Page 1
كوشنير لا يريد خيراً بشاليط !! / ا. عدنان السمان
01/07/2010 13:58:00
بعد أربع سنوات من وقوع جلعاد شاليط في الأسر عرف برنار كوشنير وزير خارجية فرنسا أن الصليب الأحمر لم يزر هذا الأسير حتى الآن، وأدرك كوشنير أن هذا الأمر لا يجوز، وأنه مخالف لأبسط حقوق الإنسان، وأن الشرائع والأعراف والمواثيق الدولية واتفاقية جنيف الرابعة لا تقر ذلك، وراح كوشنير يقلّب الأمر على وجوهه المختلفة، ويطالب بضرورة أن يزور الصليب الأحمر هذا الأسير، وبضرورة أن تزوره أسرته أيضًا أسوة بكل السجناء، وبكل الأسرى في هذا العالم. ولقد حاول كوشنير أن يتجاهل عددًا من الحقائق، وهو يثير قضية هذا الأسير الإسرائيلي الذي وقع في الأسر، منذ أربعة أعوام بالكمال والتمام، ولعل على رأس هذه الحقائق التي تجاهلها وزير الخارجية الفرنسي أن الأسير جلعاد بخير، وأنه يحظى بالرعاية الصحية الجسدية والنفسية، وأنه يتابع مباريات كأس العالم، ويشاهدها بانتظام، وأن طلباته مستجابة، وأن آسريه يكرمون مثواه، ويعاملونه بكل رفق ولين واحترام، وأنهم حريصون على سلامته كل الحرص، لأسباب منها أن هذا هو واجبهم الشرعي والأخلاقي الذي لا يناقَش، ومنها أنهم ينتظرون أن تتم صفقة التبادل، وشاليط في أحسن حال، وأهدأ بال، وكذلك أسراهم الذين ينتظرون عودتهم بفارغ الصبر، ومنها أيضًا أن شاليط إنسان مسالم هادئ وديع كما يبدو من صوره، ومن قسمات وجهه، وملامحه، ونبرات صوته، وكذلك والداه، وجده جلعاد الذي جاوز الثمانين من عمره، ويريد أن يشاهد حفيده وسَميَّه جلعاد قبل أن يموت، وهذا من حقه، بل من أبسط حقوقه.. نسأل الله أن يتحقق هذا الحلم، والجلعادان يرفلان بثياب الصحة في ظل سلام عادل دائم، وقد تحرر كافة الأسرى والمعتقلين من أبناء هذا الشعب العربي الفلسطيني، وأُغلق ملف الاعتقال السياسي، والاعتقال الكيدي التعسفي، وانصرف الناس لحياة البناء والإعمار والتقدم والازدهار، بعيدًا عن كل أسباب التوتر والعداوة والحروب، وبعيدًا عن كل أسباب الخطف والأسر والعدوان على الناس في أرواحهم وأموالهم وممتلكاتهم وحرياتهم الخاصة والعامة، وبعيدًا عن كل مظاهر هذا الصراع الذي أتى أو كاد على حقوق الفلسطينيين التاريخية الثابتة في بلادهم فلسطين.
كوشنير إذن يتجاهل في ضجته التي يثيرها اليوم حول جلعاد، أن جلعاد بخير.. أما الأمر الثاني الذي يتجاهله كوشنير، ويغمض عينيه عنه تمامًا، فهو الصعوبة البالغة التي تنطوي عليها مطالبته بزيارة هذا الأسير، وذلك للمخاطر الهائلة التي تنطوي عليها مثل هذه الزيارة: شاليط أسير في قطاع غزة الرازح تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ العام سبعة وستين، وهذا يعني أن أحدًا لا يمكن أن يضمن عدم قيام "الكاماندوز" الإسرائيلي بغارة لإنقاذ جلعاد في اللحظة التي تتم فيها معرفة مكانه، وأن أحدًا لا يمكن أن يضمن سلامة جلعاد عند قيام الإسرائيليين بغارة كهذه، وهذا يعني أن آسري شاليط، ومن منطلق حرصهم الشديد على سلامته يتكتمون على مكان وجوده، ويمنعون كل أقمار التجسس، وكل وسائل تكنولوجيا المعلومات من مجرد التكهن بمكان وجوده، ومن مجرد محاولة رصد مثل هذا المكان المفترض، وهذا يعني أيضًا أن آسري شاليط جاهزون لإعادته إلى ذويه في اللحظة التي يتم فيها التوصل إلى صفقة التبادل التي كانت قاب قوسين أو أدنى من التوقيع عليها، ثم توقف كل شيء تمامًا عند تلك اللحظة التي كادت أن تكون تاريخية، ومنذ ستة أشهر لم يحدث شيء في هذا الاتجاه.. فلماذا ؟
لماذا لم تنفَّذ تلك الصفقة حتى اليوم؟ هذا ما يعنينا هنا بدلاً من إضاعة الوقت في مناقشة الأمور الأخرى التي تجاهلها كوشنير، وأغمض عينيه عنها وهو يثير الضجة حول قضية جلعاد شاليط.. نعم.. لماذا لم تنفَّذ تلك الصفقة بعد أن وصلت مرحلتها الأخيرة، وبعد أن كان العالم كله في انتظار ميلاد تلك اللحظة التاريخية، وبعد أن كان العالم كله يتوقع أن تكون تلك اللحظة فاتحة عهد جديد يتحرر معه الأسرى كافة، وتدخل فيه القضية الفلسطينية مرحلة جديدة بعد أن يستفيق الإسرائيليون من أوهامهم، وبعد أن يعود الإسرائيليون إلى رشدهم وصوابهم، وبعد أن يصبح الإسرائيليون أكثر استعدادًا لتلبية المطالب الفلسطينية، وتفهم متطلبات السلام العادل الدائم، وبعد أن يعترف الإسرائيليون بالحقوق الوطنية والتاريخية للفلسطينيين في بلادهم، وبعد أن يعترف الإسرائيليون بحق الفلسطينيين المطلق في السيادة المطلقة على كامل أرضهم التي احتلت عام سبعة وستين، وبعد أن يعترفوا أيضًا بحق كل فلسطيني بالعودة إلى بيته وممتلكاته بموجب القرار 194.
أغلب الظن أن كوشنير يعرف كل هذه الحقائق، وأغلب الظن أن كوشنير يعرف أنه يغالط، وأنه يثير جدلاً لا جدوى منه، دونه جدل القرون الوسطى، وأغلب الظن أن كوشنير يعلم أن إضاعة الوقت ليست في مصلحة شاليط، وليست في مصلحة كل الأطراف الراغبة في التهدئة، والراغبة في التوصل إلى السلام الحقيقي العادل الثابت الذي تطمح إليه الشعوب، وترنو إليه الأمم في هذا العالم، وأغلب الظن أن كوشنير (وغيره من سياسيي الغرب) قادر على ممارسة الضغط من أجل إنجاز صفقة التبادل التي يعود معها شاليط إلى أسرته، ويخرج بموجبها كثير من الأسرى الفلسطينيين من سجونهم ومعتقلاتهم الصغيرة إلى المعتقل الكبير الذي يعيش فيه آباؤهم وأمهاتهم وإخوانهم منذ أكثر من ثلاثة وأربعين عامًا!! فلماذا لا يمارس كوشنير مثل هذا الضغط؟ ولماذا لا يعمل من أجل إنجاز صفقة التبادل؟ أيعتقد كوشنير أن هذا ليس من حق الأسرى الفلسطينيين؟ وهل يعتقد كوشنير أن أسرانا وأسيراتنا ليس لهم آباء وأمهات، وليس لآبائهم وأمهاتهم قلوب، وليس لديهم مشاعر وعواطف وأحاسيس؟
إن الناس جميعًا في هذا العالم معنيون بالإفراج عن شاليط، ومعنيون بالإفراج عن كل الأسرى، ومعنيون بإغلاق هذا الملف، ومعنيون بأمن الشعوب وأمانها، ومعنيون بعودة الحقوق إلى أصحابها... أما كوشنير فيبدو أنه لا يريد خيرًا بشاليط، ويبدو أنه لا يريد لشاليط أن يخرج من الأسر، مع الأسف، ولا يريد للأسرى الفلسطينيين أن يتحرروا، ولا يريد للتهدئة أن تستمر، ولشبح الحرب أن يختفي، وللسلام العادل الدائم أن يكون سيد الموقف في النهاية!!
www.Samman.co.nr
|