New Page 1
فضل اللّه: الاجتهاد أولاً ثم الجهاد./حسن البطل
07/07/2010 22:04:00
"لا يمكن لإنسان يؤمن بفلسطين أن يكون ملحداً". هل هذا كلام إنشاء يُؤخذ على عواهنه؟ لكنه صدر عن العلاّمة السيد محمد حسين فضل اللّه، بعدما أثار بعض "الإسلامويّين" طعناً في قصيدة لمحمود درويش، غنّاها مرسيل خليفة، وفيها "أنا يوسف يا أبي".
قد أُلخّص سيرة هذا العلاّمة المغاير، وموضوعاته ومؤلّفاته وفتاواه بجملة تحتمل التأويل، وهي: الاجتهاد أولاً ثم الجهاد. ألم يُنقل عن النبي العربي قوله: أنا أفقهكم بشؤون دينكم.. وأما دنياكم فأنتم الأدرى بها.
إنه "يفتي" أيضاً في النقد الفني والشعري (هو ينظم الشعر العمودي).. لكن هو القائل: محمود درويش ينفتح على حداثة مميزة "ليست حداثة الغموض ولكنها حداثة الوضوح الذي يتحرّك في عمق الفن، لأن هناك وضوحاً لا فن فيه، وهناك فن لا وضوح فيه".
ما سبق، ليس اقتباساً من الذاكرة، لكن من مقابلة صحافية أجراها الزميل نصري الحجّاج مع العلاّمة فضل اللّه، ونشرتها "الأيام" في 30 آب 2008، بينما كان هؤلاء "التكفيريون" يُطاولون شاعر الشعب الفلسطيني. مفسّر الإسلام أولاً، والمذهب الشيعي ثانياً، هو مفسّر في ما يربط السياسة بالفن، وما يربطهما بالحياة.. ما يربط الحياة بالاجتهاد ثم بالجهاد.
لذا، فخسارة الشعب الفلسطيني بالشاعر محمود درويش - يقول - كانت بحجم خسارة ياسر عرفات كرمز نضالي "وربما أكثر فداحة لدور هذا الشاعر في تشكيل الوعي الوطني".
رفض هذا العلاّمة، أبداً، أن يتحدث عن ياسر عرفات بشكل سلبي "لأنه كان مخلصاً للقضية الفلسطينية كما لم يخلص لها أحد".. لكنه عاش في عالم عربي عبث بالقضية الفلسطينية "وانهزم بها، مع أن القضية الفلسطينية لا توحي بالانهزام، بل هي توحي بالتقدم والانتصار".
من يؤمن بالقضية، وقائدها وشاعرها، يؤمن بمناضليها، والسيد العلاّمة تواضع وقال: كان الفدائيون هم الأساتذة وجنود "حزب اللّه" هم التلاميذ النجباء (حديث سابق لـ "الأيام" لا أذكر تاريخه).
قيل له: ولكن محمود درويش كان شيوعياً في شبابه. قال: "لا نستطيع أن نفصل بين قابليته الفكرية وتجربته الفنية.. علينا أن ننظر إلى العمق ولا ننظر إلى السطح"، وأيضاً، "عندما تنقد إسلامياً في تجربته فأنت لا تنقد الإسلام، لأنه لا يمثل الإسلام في المقام".
باختصار: لا شاعر عربياً يُشاكل درويش في واقعنا الأدبي "هُويّة إنسانية منفتحة على الكون كله وعلى الإنسان كله"، وما فعله الشاعر في أمسية حيفا الشهيرة (كل ما كان منفى يعتذر إلى كل ما لم يكن منفى) هو أن يهزّ فلسطينية الفلسطينيين في إسرائيل، وهذا موقف شجاع يسجل له لا عليه.
من نصري الحجّاج، كانت تصلني النشرة التي يُشرف عليها العلاّمة فضل اللّه، مع "ترويسة" تقول: "العلماء ورثة الأنبياء"، وهو في المرتبة الاجتهادية أوّل من أدرك من شيعة لبنان رتبة الاجتهاد الكبيرة "آية اللّه العظمى".
ما سبب الخلاف بين العلاّمة فضل اللّه وبين "حزب اللّه" الذي دفعه للانزواء، مع أنه كان المرشد الروحي للحزب.. وبقي كذلك؟ يُنقل عن الإمام الخميني ضيقه بانغماس بعض علماء الحوزة العلمية في "قم" بتفاصيل طهارة الأنثى بعد مخاض الولادة.. لكن العلاّمة فضل اللّه ذهب بعيداً، وأفتى بتحريم "جرائم الشرف" وتحريم "ختان البنات".. ثم أفتى باعتماد علم الفلك والأرصاد في إثبات بداية شهر رمضان الكريم.
هذه فتاوى للاجتهاد، لكن ما ليس اجتهاداً بل موقفاً سياسياً ــ فكرياً، فهو يقدم نفسه كعربي أوّلاً، وأن آل البيت هم عرب أوّلاً، ومن ثم فإن هذا العالِم المولود في النجف الأشرف بالعراق يقدم مرجعية علماء النجف على مرجعية علماء قم.. ومن ثم، فلماذا لا تكون هناك مرجعية ثالثة للشيعة في جبل عامل بلبنان؟
ثمة جانب آخر من الاتفاق مع الحزب ويتعلق برأيه أن الدولة الإسلامية ممكنة.. ولكن غير ممكنة في المرحلة الراهنة في لبنان.. هو قد لا يعارض مبدأ "ولاية الفقيه" لكنه يخالف البعض في تبعية الشيعة العرب، واللبنانيين بخاصة، إلى هذه الولاية، أي يميل صراحة للاستقلال بشيعة لبنان (والعراق) عن إيران، لأن الظرف غير الظرف والموضوع لا خلاف عليه.
خرج ياسر عرفات ورجاله من لبنان، بعدما أرسى بداية علاقة نضالية مع خلايا "حزب اللّه"، الذي برز لاحقاً في عمليات استشهادية ضد القوات الفرنسية والأميركية في لبنان، وكان القائد العسكري الأخير للحزب، عماد مغنية، من بين خرّيجي العلاقة النضالية الفلسطينية ــ الشيعية، بل ويُقال إنه كان ضمن حراسات أبو عمّار.
من يحترم خصائص لبنان أحرى به أن يخدم خصائص النضال الفلسطيني.. وهذا ما فعله فضل اللّه: ".. أنتم أدرى بشؤون دنياكم" قال الرسول الكريم.
جريدة الأيام الفلسطينية.
تاريخ نشر المقال 06 تموز 2010
|