New Page 1
رحلة من التّأمّل/ نادين ياغي - مدرسة شميدت-الصف العشر
20/07/2010 19:41:00
الوجود كلمة تنمو على سطور الوحدة بآحاديّتها ولكنّها بعزلتها عبارةٌ عن سؤال واستفهام فرديّ إجابته جماعيّة شاملة، إستنبطته الحياة من شتّى الأحكام ونسجته بخيوطٍ تفتقر إلى معنى الكلام ثمّ شرّعته بحقيقةٍ لا نستطيع فهمها إلّا بالأوهام...فالوجود هكذا عُرّف بدوره، والمسرحيّة ثابتة غير نامية، يشاهدها جمهورٌ من العبقريّة البشريّة، يُصفّقوا للممثّلين بأيدي تتحرّك على إيقاعِ معزوفةٍ مجهولة، لا يُسمع سوى صداها...ويبقى الجمهور يركض وراء أثر الأصوات بسذاجة أنامله الّتي تُطرق كطبلة عازفٍ إمتزج شغفه للموسيقى بهوس تملّك ما لا يُملك، مُحاولاً الاندماج والإختباء بين أخطاء الغير بتمرّد أطرافهِ الّتي باءت تقاوم في كلّ ضربةٍ إحتمال الإنزلاق بسبب موجةٍ من العرق، ظانّاَ أنّ خطأهُ مستورٌ وأنّ الصّورة الأكبر هي الأعظم...يتناسى بسطحيّته هذه أن الصّورةَ الأكبر تنتجُ عن جزيئاتٍ من الرّسومات الصّغيرةِ الّتي بتميّزها تعكس أهمّيّة التّكوّن وبجوفها يكمن مصداقيّة التّحوّل، فإذا انصاغ الدّمارُ من جبن حامل هذه الجزيئة فلا بدّ للصّورة الأكبر أن تغدو شاحبةً مملّة تقليدية، تكاد تهمسُ بنوباتٍ من التّعقّل والمحدوديّة، وترفض أن تزجي ألواناً صاخبةً حتّى لا تُلفت إنتباه المشتري ويتمّ نقل اللّوحة إلى مرحلةٍ أخرى من الفنّ السّرمديّ.
يحين الوقت لحاكم الحياة ليتفقّد ما أبدعهُ الإنسان وكم باباً إستطاع أن يخترق من أبواب كنوزه الموصودة بمفتاح التّطوّر والتّقدّم، يتجاهل حامل الجزيئةِ الإنذار المسموع ويُطمئنُ قلبهُ بأنّة ليس سوى موسيقى كابوس، فهوَ باستنكارهِ لذاتهِ أوداها بدوّامةِ السّواسيّة العقليّة وأصبح لا يتميّزُ عن غيره باطناً ولا ظاهراً، بريشةٍ مُحكمةٍ بعبثيّةٍ ذات سلطة ونفوذٍ مُطلق ترسمُ الحياة جبالاً من الأسئلة على مرأى أعين حامل الجزيئة، واهبةً إيّاه فرصةً للتّحرّر من عبوديّة كيانه الجماعيّ، مُهديةً إيّاهُ إمكانيّة لإفلال جيوش القهقرى الإنسانيّ... الجزيئةُ رابها حالةٌ من جنونٍ مؤقّت وراحت تتحبّطُ بإصرار روحٍ تصارع ثيران الموت الإسبانيّ الأحمر، أهتزّت سكينةُ حامل الجزيئة الّتي باءت الآن مصروعة وفقد السّيطرة على ركود أفكاره، رنا بطرفٍ من الهول إلى كومة العقبات المتحدّية واغتالت وديعته مشاعرٌ متشاحنة، أحسّ بقوّةٍ خفيّة تتسلّق ظلمات جهله الآسن بتدرّج لتصل إلى نفقٍ من العدم، بدأ يتقدّم بخطواتٍ متجلّدة مُحصّنا شجاعته برغبةٍ لإيتان المعرفة و التّنوّر بمرأى الحقيقة...حقيقة وجوده.
تكاثرت خطاه وازدادت حكمته عند تخطّي كلّ مرحلة، بدأ من ريعان الطّفولة إلى تهوّر الشّباب إلى تعقّل الكهولة حتّى وضعه قطار التّجارب في مقطورة صورته الأعظم، إلى كفن مورّد بأجوبة لتساؤولاته، خاف وتسارعت نبضات قلبه بعجلة حمى الجزيئة، اقترب من شفافيّة البياض النّاصع وعرف أن المنون قد حان، ولكن ليس هلاكه بل موت الجزيئة... رمى الجزيئة في أحضان إختبار الحياة ناجحاً بجدارة...صفّقت له الحياة بأيدي السّماحة وكان الصّوت مسموعاٌ فريداً من نوعه، خالياً من شوائب التّصنّع وشذوذ التّكلّف الانصياعيّ، صوت تصفيقه، صوت كيانه الفرديّ... وكما قال الشّاعر أبو قاسم الشّابيّ " ومن لا يحبّ صعود الجبال... يعش أبد الدّهر بين الحفر".
|