New Page 1
نتنياهو انتصر للمرة الألف! / عبد الرحيم جاموس
26/08/2010 13:34:00
غازي السعدي
رضخت الإدارة الأميركية، واللجنة الرباعية الدولية، وبالتالي القيادة الفلسطينية، للبدء في المفاوضات المباشرة، في مطلع شهر أيلول القادم، تجاوباً مع الموقف الإسرائيلي الثابت، والذي لم يتزحزح قيد أنملة، بأن تكون هذه المفاوضات مباشرة دون شروط، ودون إلزام إسرائيل بتجميد البناء في المستوطنات، ودون مرجعيات، بل استئنافها من نقطة الصفر.
إن رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" وحكومته، يلعبون بأوراق مكشوفة، ومواقفهم وتطلعاتهم واضحة، بل لا يخفون أهدافهم الرافضة للعودة إلى حدود عام 1967، وإصرارهم على أن القدس الموحدة إسرائيلية، ولا عودة للاجئين الفلسطينيين، ولا توقف لمشروعهم الاستيطاني، فقد تأجل صدور بيان الرباعية الذي كان مقرراً أن يصدر يوم الأحد "15/8/2010"، إلى يوم الجمعة "20/8/2010"، وسبب التأخير كان إعلان إسرائيل رفض البيان حتى قبل صدوره، لأن بيان الرباعية كان من المتوقع أن يكون مطابقاً للبيان الذي صدر عن الرباعية في اجتماعها بموسكو بتاريخ "19/3/2010"، والذي دعا لإقامة الدولة الفلسطينية خلال (24) شهراً مع التزام الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني بالقانون الدولي، وبالاتفاقيات السابقة الموقعة بين الجانبين، وبخارطة الطريق، التي تنص على وقف الإجراءات على الأرض من جانب واحد، كذلك تجميد جميع الأنشطة الاستيطانية بما فيها ما يسمى بالنمو الطبيعي، وتفكيك البؤر الاستيطانية التي أقيمت منذ آذار 2001، ووقف أعمال الهدم والإخلاء في القدس الشرقية، وذكر بيان الرباعية آنف الذكر، بأن المجتمع الدولي لا يعترف بضم القدس الشرقية لإسرائيل، مؤكداً أن مرجعية المفاوضات يجب أن تستند إلى قرارات مجلس الأمن الدولي (242) و(338) و(1937) و (1850)، ومبادئ مؤتمر مدريد، للانطلاق نحو تحقيق السلام، وإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل.
لقد انتصر "نتيناهو" بتعنته وتمسكه بمواقفه، مما أدى إلى تراجع الرباعية عن دعوتها للمفاوضات المباشرة على أسس بيانها السابق الذي صدر في موسكو، فتراجع الرئيس "باراك أوباما" عن المبادئ التي سبق وأعلن عنها لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، وإقامة الدولة الفلسطينية، ليس فقط بسبب الانتخابات البرلمانية الأميركية النصفية فحسب، بل أن من أهم عوامل خضوع أوباما للمواقف الإسرائيلية وتراجعه حصوله على تعهد من "نتنياهو"، بامتناع إسرائيل عن مهاجمة إيران دون موافقة أميركية، فالرئيس الأميركي - المتورط في قضايا أميركية داخلية وخارجية- آخر ما يريده هو وقوع حرب جديدة في المنطقة، إذ أن مثل هذه الحرب، ستعرض المنطقة بل العالم إلى مزيد من الدمار، وإلى المزيد من اهتزاز الاقتصاد العالمي، إضافة إلى قيامه بالإخلال بالأمن العالمي، وقد تؤدي إلى تغلغل عناصر القاعدة، في الوقت الذي يعمل "أوباما" على إخراج قواته من العراق في محاولة يائسة لاحتواء الوضع في أفغانستان.
لقد بات واضحاً التراجع في الموقف الفلسطيني من المفاوضات، وذلك في أعقاب تراجع الإدارة الأميركية عن مواقفها السابقة، وبدلاً من توجيه الضغط على إسرائيل، تضغط أكثر فأكثر على الفلسطينيين، وتتخلى عن مرجعية وحتى عن جدول أعمال لهذه المفاوضات، فدعوة وزيرة الخارجية "هيلاري كلينتون" إلى البدء في هذه المفاوضات بتاريخ "2/9/2010"، بحضور الرئيس الأميركي، ورئيس السلطة الفلسطينية، ورئيس الحكومة الإسرائيلية، إضافة إلى دعوة كل من الرئيس المصري "حسني مبارك" والملك الأردني "عبد الله الثاني"، وكأن هذه المفاوضات ستؤدي إلى إقامة الدولة الفلسطينية وأن عدم مشاركة الفلسطينيين في هذه المفاوضات، ستمنع ما يسمى بحل الدولتين، فمنذ اتفاق اوسلو عام 1994، تداولت السلطة في إسرائيل ثمانية حكومات، وفي كل حكومة جديدة تبدأ مفاوضاتها مع الفلسطينيين من نقطة الصفر، إضافة إلى تراجع في المرجعيات، فأثناء المفاوضات الفلسطينية مع حكومة "اولمرت" السابقة، كان هناك شبه اتفاق، على إبقاء 1.9% من مساحة الضفة للمستوطنات الكبيرة، مقابل تبادل أراضٍ داخل الخط الأخضر، كذلك عودة (150) ألف لاجئ فلسطيني، بمعدل (15) ألف سنوياً إلى داخل الخط الأخضر، وحق العودة إلى الدولة الفلسطينية العتيدة، إلى غير ذلك من الطروحات، فحكومة نتنياهو تنصلت من جميع هذه التفاهمات، خاصة ما يتعلق بالقدس الشرقية، فإن الرئيس الفلسطيني في وضع لا يحسد عليه، بعد أن تخلى العرب عن مسؤولياتهم، وعدم قول نعم أو لا للمفاوضات المباشرة، تركوه ليقرر بنفسه وأن يتحمل مسؤولية القرار، فقد جاء في تحليل للصحفي "عكيفا الدار"، "هآرتس 10/8/2010"، بأنه لم يبق أمام الرئيس "محمود عباس" سوى الاختيار ما بين الطاعون وبين الكوليرا، وحسب الكاتب، فإن الطاعون الرضوخ لطلب الأميركيين بالدخول إلى المفاوضات دون التزامات، وأما الكوليرا فإن زعيماً بلا دولة لا يستطيع رفض طلب أكبر قوة في العالم، ومثل هذا الرفض سيصب في خدمة "نتنياهو".
هناك خطة أعدها كل من "نتنياهو" و"ليبرمان" لنسف حل الدولتين، بإشغال العالم في أمور أخرى، فهما يبحثان في جميع الإستراتيجيات التي تؤدي إلى تشتيت انتباه العالم لمدة كافية، لترسيخ العملية الاستيطانية أكثر فأكثر، بشكل لا يمكن الرجعة عنه، واستمرار إشغال العالم بتحركات "جورج ميتشيل" واللجنة الرباعية لأعوام طويلة، أما بالنسبة لقطاع غزة، فإن إسرائيل لا تمانع بإقامة دولة حمساوية مستقلة مع التزامها بعدم مهاجمة إسرائيل.
إن هذه المفاوضات التي ستبدأ في مطلع الشهر القادم لن تصمد طويلاً، وسرعان ما ستنهار، فالخلافات واسعة ولا يمكن التجسير بينها، وإسرائيل تريد اقتطاع نصف الضفة الغربية، إضافة إلى القدس الكبرى، والتواجد على "ظهر الجبل" والترتيبات الأمنية على الحدود، والسيطرة على المجال الجوي، ومصادر المياه، كل ذلك وغيره سيؤدي إلى تفجير المفاوضات، فالتيارات اليمينية والدينية التي وضعت بصماتها على القرار الإسرائيلي، تنادي علناً وتبيح قتل كل من هو غير يهودي، معتمدين على نصوص في الشريعة اليهودية، التي تعتمد على "التوراة" - كتابهم المقدس- فهم يعلنون بصوت عال أن ما يطلقون عليه بأرض إسرائيل، أي فلسطين، هي ملك بلا منازع، وعائد للشعب اليهودي، ويطالبون حكومتهم بعدم الانسحاب ولا من انش واحد من ما يدّعون بأنه أرضهم، فهل بعد كل ذلك من جدوى من هذه المفاوضات؟
|