New Page 1
لماذا الهجوم على مركز يافا الثقافي / أنور حمام
26/09/2010 09:15:00
غمرني الفرح عندما سمعت صباحاً احد أصدقاء مركز يافا الثقافي وهو يرد علي بعبارة عبر الهاتف" الضربة التي لا تميتنا تزيدنا قوة"، كلمات هذا الشاب الصغير أرجعتني سنوات وسنوات إلى الوراء، أعادت لذاكرتي محطات هامة مر بها المركز ومخاض التأسيس، والنقاشات الأولى حول جدوى وجود مركز في المخيم، وما هي الفئة المستهدفة وكيفية إيجاد ملاذ مختلف لأطفال المخيم غير الشارع والتسرب من المدارس، كيف يمكن خلق جيل جديد من أبناء المخيم قادر على الإبداع والفهم والمبادرة والإيمان بالحقوق، روح متحمسة لإيجاد شيء مختلف مؤمنة بان الأجيال الحالية والشابة لديها قدرات كامنة ويمكن إخراج كل هذه القدرات بوسائل مختلفة وإبداعية، اذكر كيف كان المركز في مقره الأول عبارة عن غرفة واحدة وكمبيوتر ولوحة إعلانات، وطاولة صغيرة احتضنت كل أحلامنا الكبيرة في إنشاء مركز كبير يخدم كل أبناء المخيم الذين لطالما عانوا من التهميش وضنك الحياة بين أزقة وجدران المخيم المكتظ.
تأسيس المركز,
تم تأسيس مركز يافا الثقافي في عام 1996، على يد مجموعة من شباب مخيم بلاطة، الذين عاشوا ألم الحياة داخل المخيم وكانوا ممن ساهموا وبفعالية في الانتفاضة الأولى، مجموعة مثقفة ومتميزة من نفس المنشأ الاجتماعي الذي إطاره المنفى واللجوء بهدف تنمية وتطوير الوعي الذاتي بحقوق وواقع اللاجئين. وكذلك إرساء مفاهيم المجتمع المدني على أساس احترام حرية الرأي والفكر والتعبير، وتنمية قدرات الأطفال والشباب فكريا وثقافيا واجتماعيا وتوعيتهم بحقوقهم وتأكيد تمسكهم بحقوق اللاجئين، والوصول إلى جيل قادر على المساهمة في بناء مؤسسات الدولة، جيل قادر على صيانة وحماية حق العودة وحقوق اللاجئين، جيل يؤمن بحقوق الأطفال والمرأة والمعوقين وذوي الاحتياجات.
على طريق النجاح
خلال السنوات الماضية استطاع مركز يافا الثقافي أن يحقق مجموعة لا بأس بها من النجاحات، فقد اختص المركز بالعمل مع فئة الأطفال والشباب داخل المخيمات وفي أوساط اللاجئين وأنجز برامج تتعلق بحقوق الطفل اللاجئ والتاريخ الشفوي وتنمية الناشئة وتنمية القدرات الإبداعية للطفل وبرامج رفع كفاءة الأطفال في مجالات المعلوماتية والفنون والإبداع، وقد تمكن القائمون على المركز وبفضل تظافر الجهود من تشييد مقر جديد عام 2004، بتمويل أولي من اوكسفام بلجيكا، وتطور المبنى ليشتمل على مجموعة من المرافق التي تضم مكتبة متخصصة للأطفال ومسرح ونادي سينما ونادي كمبيوتر وقاعات للأنشطة متعددة الإغراض، وأصبح المركز بفعل هذه الحركية المميزة المكان الأكثر استقطابا لفئات الأطفال والشباب، والذي يدخل المركز يلاحظ هذه الحيوية وهذا الحضور المميز لأبناء المخيم في كل فعالياته.
وفي ذات الإطار فقد تم تشكيل فرقة عائدون للفنون المسرحية والشعبية عام 2000، بهدف صقل المواهب لأعضاء المركز في مجال المسرح والفنون الشعبية، من خلال تأسيس فرقة "عائدون" المختصة بالتراث الشعبي، حيث شاركت في العديد من المهرجانات المحلية والعربية والدولية, وتم تطوير الفرقة باستحداث العزف الموسيقي( أطفال عازفون) بالإضافة إلى فرقة الكورال والدبكة الشعبية.
وخلال سنوات بسيطة تمكن المركز من إحداث شراكة حقيقة من العديد من المؤسسات الفاعلة في مجال الموسيقى والأطفال وحقوق الإنسان والمؤسسات التربوية ، واستطاع المركز أن يحظى بثقة الأهالي ومؤسسات المخيمات وكل الأطر الفاعلة في إطار المخيمات واللاجئين.
دلالات الهجوم على مركز يافا الثقافي:
يحمل الهجوم على مركز يافا الثقافي جملة من الدلالات والرسائل الظاهرة والباطنة، وقد لا يختلف اثنان أن من قام بالهجوم فعلاً هو أداة وسواءً كان يدرك حجم ما قام به أو لم يدرك فان ما تم يأتي في سياق ضرب المؤسسة الفلسطينية، ومحاولة لزعزعة الأمن والاستقرار وتشويه صورة المخيم:
(1) محاولة لإسكات صوت اللاجئين
لا يمكن تفسير ما حدث من إطلاق نار بشكل عشوائي على المركز إلا كمحاولة لإسكات صوت هذا المركز، فمطلق النار كان يقصد إسكات صوت اللاجئين وإسكات صوت الدفاع عن حقوق اللاجئين وكذلك التشويش على محاولة المركز لخلق جيل جديد داخل المخيمات مؤمن بقضيته ولديه اهتمامات إبداعية وإنسانية، الهجوم كذلك محاولة بائسة لوقف مسيرة التطور التي يعيشها المخيم، ويشكل الهجوم محاولة لدفع الأهالي لوقف إرسال أطفالهم إلى المركز.
الهجوم على مركز يافا هو تأكيد لأصحاب نظرية أن المخيم هو مكان للفوضى، وهو محاولة لتشويه تاريخ كامل من المعاناة والألم والنضال والالتزام الذي رافق تجربة المخيم طوال 62 عاما من المنفى.
(2) دعوة لعودة الفلتان الأمني:
بقصد أو بغير قصد فان الهجوم على مركز يافا الثقافي هو دعوة صريحة لعودة الفلتان الأمني، فكما يعرف الجميع فان المخيم كان دوما عنوانا بارزا من عناوين النضال والتضحية والانتفاضة ومن يقف وراء الهجوم يدعو بما لا يدع مجالا للشك لان يكون المخيم هو الحالة المتمردة والقائدة لحالة الفلتان بعد الاستقرار والهدوء الذي تعيشه المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية منذ ثلاث سنوات.
والسؤال الكبير هنا من المستفيد من عودة الفلتان الأمني، من الذي يحاول القول صباح مساء أن هناك فلتان امني في فلسطين وأننا شعب لا نستطيع حكم أنفسنا وأننا لا نحترم القانون والنظام.
(3) الهجوم دعوة للتخلف وضد الإبداع والتميز:
وفي نفس السياق يجب النظر للهجوم على مركز يافا كمحاولة لطمس محاولات الإبداع التي بدأت تبرز داخل أوساط اللاجئين وداخل مراكزه المختلفة، فالهجوم على مركز يافا هو هجوم على كل القيم الايجابية التي يحملها المركز والقائمون عليه ورواده، وهو هجوم على الفن والموسيقى والكتابة الإبداعية والدبكة، ولسان حال المهاجم تقول " نحن نريد جيلا لا يؤمن لا بالفن ولا بالإبداع ولا بالقيم الايجابية، نريد جيلا لا يعلم شيئا، جيلا يعيش على الهامش ولا يبادر".
(4) الهجوم على مركز يافا لخلط الأوراق داخل المخيم
منذ سنوات تعيش المخيمات الفلسطينية وتحديدا مخيم بلاطة حالة من الاستقرار النسبي على الصعيد الاجتماعي الداخلي، وبدأت تظهر شراكة حقيقة بين مؤسسات المخيم بعيداً عن العائلية والفصائلية والعشائرية، وبدأ التنافس بين مؤسسات المخيم يأخذ منحى ايجابيا، وفي هذه الأجواء نمت داخل المخيم مجموعة من المؤسسات والمراكز المتخصصة في مجال الطفولة والإرشاد والرياضة والثقافة والمعوقين والمرأة، وبدأنا نعيش حالة من التنسيق والتشبيك والشراكة الحقيقية بين جميع المكونات المؤسسية، وهنا يأتي الهجوم على مركز يافا كهجوم على كل مؤسسات المخيم ومحاولة لضرب الانسجام الحاصل.
الاستنكار لما حدث:
حالة الاستنكار الواسعة من قبل الفصائل وأهالي المخيم ومن قبل مؤسساته تؤشر بما لا يدع مجالا للشك بان ما حدث زاد من حالة التضامن بين الناس لا العكس، وزاد من حالة التنسيق داخل مؤسسات المخيم، فالكل يدرك أن المستهدف هو المخيم بكل ما فيه، والمستهدف حالة الأمن والاستقرار التي يعيشها المخيم.
وهنا نسجل بفخر الاهتمام والحزم الكبيرين اللذان أبداهما محافظ نابلس، وحرصه على أن يلقى الفاعلين مهما كانوا الجزاء الذي يستحقوه، والوقوف على دوافع الأمر ومعالجة الأسباب بكل قوة وحزم في إطار القانون.
إننا مع القانون والنظام ولذا فلا بد أن نثق تماما بأجهزتنا الأمنية وقدرتها على العمل للوصول للفاعلين ومعالجة الأمر في إطار القانون، مؤكدين انه لن يستطيع احد مهما كان اخذ القانون بيده أو إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.
|