New Page 1
الإستحالة في الواقع والممكن / فراس ياغي
17/10/2010 09:30:00
أخيراً، نَطَقَ المُناطِق..نَطَقَ من مَنطِقهِ كناطِق.. وفي منطقةِ المناطقِ بالنسبة لهذا الناطق..مُناطِقٌ ينطقُ عن الهوى، ما هو إلا ليس وحياً يوحى.. قال: "حدّدِوا لنا (يقصد نفسه) حُدود دولتكم لكي نعترف بها"..دولتكم "اليهودية"..نسيَ هذا المُناطِق أنه إعترف بها وفقا لرسائل تبادل الإعتراف المرفقة لاتفاق "أوسلو"..إعتراف بإسرائيل وفق قانونها الاساس الذي يُعَرِّفها ب "الدولة اليهودية"..وبقي فقط على هذه الدولة أن تحدد حدودها لا أكثر..فقد حصلت على هذا الاعتراف المتبادل والمنقوص..نحن إعترفنا بها كَ "دولة" وهي إعترفت بنا كَ "منظمة"..وهنا يتبادر للذهن فورا السؤال الذي لا بدَّ عنه: لماذا يُطلب منا مرةً أخرى الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية "ديمقراطية" الآن؟!! أيعقل أن هذه الدولة لم تكتفي بإعترافنا السابق واللاحق والقادم!! لا أعتقد أن المسألة تتعلق بذلك، بقدر ما هي إلا محاولات حميمه ومستمرة ومنذ بدء عملية السلام التي لا تنتهي بمفهوم الاستقرار والاحترام المتبادل، الموضوع ليس أكثر من عنوان آخر من عنواين مفهوم "إدارة الصراع" "Conflict Management".. "يهودية" إسرائيل غير مُعرّفة الحدود مسألة لا تعنينا نحن الفلسطينيين في اللحظة التي تم الاقرار فيها بمفهوم واقعية الحل وبرغماتيته..دولتين لشعبين، حتى حين وقّعَت مصر والاردن معاهدات سلام مع إسرائيل لم يُطلب من هاتين الدولتين "يهودية" الدولة كشرط مُسبق لاتفاق السلام..ولو كان ذلك ما يؤرق هذه الدولة ويُقلق منامها لكان شرط "اليهودية" العنوان الأبرز والدائم مع كل الجيران وليس مع الفلسطينيين فحسب.
كوابيس الحل التي تَقضُّ مضاجع اليمين ويمين اليمين ويمين اليسار ويمين المركز، مرتبطه بالاصل وبالاساس بعقدة نفسية قائمة لا حل لها في "علم النفس" سوى بالندم وإعطاء كلٍ ذي حقه، بالطلب من الضحية المُسامحة، بسنوات وأجيال من إثبات الذات الجديدة الخَجِلةُ من نفسها وبما قام به الاجداد تجاه أهلِ البلاد..لكن المطروح ليس كذلك..المطلوب من الضحية أن تُسامح الجلاد بالاعتراف بأنه كان على حق في كل شيء..والضحيةُ مارست كل الموبقات والمحرمات والارهاب ضد الجلاد المسكين الذي جاء للبلاد وفقا لحق تاريخي وإلهي..الضحية من "أهل البلاد" والسكان الاصليين ليسوا بأصليين أصلا..فهم طَبعة مزورة، طُبعت عبر مئات وآلأف السنين..والجلاد القادم من وسط أوروبا وغربها وشرقها هم الطبعةُ الأصلية المنقحه التي غُيّبَت قسراً وعادت لحقها بعد معاناة الشتات، ومارسته بماركتها المسجلة بإسمها وفقا لقانون "أصل الانواع" غير المزيف برأيهم ووفقا لقاموسهم ومفرداتهم التي إستقصوها من "توراتهم" لتشكيل مفهوم قومي جديد يختلف عن كل مفاهيم القوميات التي ظهرت في القرن الماضي بإرتباطه بالمفهوم الديني..هؤلاء ذوي الأصل الخزري "نسبة لقبائل الخزر، يهود وسط وشرق أوروبا الذين أصبحوا سكان البلاد"، يضعوا نظرية جديدة في علم النفس، هم فكروا ويفكروا بأن الإعتراف الفلسطيني ب "يهودية" إسرائيل توهمهم بإستمراريتها وديمومتها، قاسوا على ذلك وفقا لقول العالم النمساوي "فرويد" بأن "الجنس يوهمنا بمعنى الاستمرارية"، ووفقا للعالم الاسكتلندي "دويل" الذي قال "بأن العمل يوهمنا بمعنى الحياة".
الواقعية والممكن والمستحيل كتعبيرات دائمة الاستخدام في السياسة الفلسطينية وفي البحث عن حلول برغماتية أصبحت غيرُ ذي فائدة بعد أن وِضِعَ شرط "يهودية الدولة"، فالواقعية كحل تكمن بإستمرار مفهوم الدولتين لشعبين، والمُمْكن يكون بإحداث تسوية سياسية شاملة لهذا الواقع بحيث تُرضي الطرف الفلسطيني قبل الطرف المُحتَل ولا تؤثر بشكل كبير في ميزان القوى الديمغرافي المُمْكن آنياً والمُتَغَيّر إستراتيجيا بفعل طبيعة البشر المختلفة من شعبٍ لآخر..أما المستحيل فهي طلبات غير واقعية وغير ممكنة يتم إشتراطها كتعبير عن "الفوبيسطينيا" المسيطرة على العقل الاسرائيلي كتجلي نفسي لما حدث منذ أكثر من ستين عاما، وكإستباق لما يمكن أن يحدث في الزمن القادم من تغيرات ديمغرافية مؤكدة تؤشر لها مؤشرات نمو السكان الحالي..وبين الواقعية والممكن يتم وضع عقبات وشروط تُحيلها لمفهوم الاستحالة وبما يعزز مفهوم سيطرة القوة كأساس للتعامل والصراع.
الرد الفلسطيني لا يكون أبداً بالمطالبة بمعرفة حدود الدولة التي تشكلت كنتيجة لمعطيات دولية في زمنٍ ليس ثابتا وأثبته مؤسس "النظرية النسبية" آينشتاين "اليهودي" الديانه..فالمُتغير دائما هو المُسيطر بالسلبي والايجابي..والثابت في السياسة يكون بالبحث الدائم عن التعاون والجيرة الحسنة وتحقيق مصالح مختلف الاطراف والتنافس الشريف، والتكامل وبناء المشاريع المشتركة التي تمنع أي إمكانيات للتراجع للخلف ولو خطوة واحدة، إعتماد الطريقة "الاوروبية" التي تُثبت كل يوم أن التعاون والتكامل هو البديل للصراع..ردّنا يجب أن لا يجاري مَطالبهم ولا يُعيرها أي إهتمام..فالواقع الدولي يُؤيد مفهوم الدولتين لشعبين، يؤيد مفهوم التسوية المُمْكنة، يدعم إستمرار التمسك بهذا الحل بشكل سلمي وبتعبيرات إحتجاجية سلمية وشعبية لا تؤدي لعنف جديد يعيق ويُثقل كاهل الجميع..ردّنا لا يأتي ولا يكون بِمطلب أمريكي لنا..فالولايات المتحدة تًعلم جيدا مدى مُرونة القيادة الفلسطينية وإستعدادها للتسوية، وأن المشكلة لدى الطرف صاحب فكرة المفاوضات والسيطرة على الارض..مفاوضات وتهويد للقدس الشرقية..سلام وأمن وفقا لمتطلبات الاحزاب اليمينية والائتلاف الحاكم أكثر من كونها حتى مصلحة إسرائيلية إستراتيجية.
الواقع والممكن أصبح مستحيلا في ظلِّ متطلبات إئتلاف حكومة اليمين الاسرائيلية، وفي خِضَمِّ ذلك فليس أمامنا من خيارات سوى الالتفات جيدا للوضع الداخلي..للمصالحة إن أمكن..ولترتيب المنظمة حتى بدون مصالحة..فشرط المصالحة لترتيب الوضع الداخلي سقط بشكلٍ مُدَوي بعد كلِّ ما حدث من حوارات منذ "الحسم العسكري" بلغتهم و"الانقلاب" بلغتنا..منظمة التحرير هي مِلكٌ للشعب الفلسطيني ككل ويجب ترتيبها وفق الحدود الدنيا وبطريقة تُؤدي لإعادة الاعتبار لها وإبرازها كقائد وليس كهوية فقط..فالهوية إعترف بها العالم أجمع و"أوسلو" على مساؤه كان أحد أهم الاسباب في ذلك..نحن بحاجة سريعة وماسة لاجراء الانتخابات الآن كعنوان أولي لترتيب الوضع الداخلي، ولتكن هذه الانتخابات في المناطق التي نستطيع إجراؤها فيها، والقرار التاريخي يكون بإتخاذ خطوة كهذه وبمفهوم الواقعية والممكن، وعدم ربطها بالمصالحة التي ستحولها لمفهوم الاستحالة كنتيجة واقعية لطبيعة المحاور الموجودة..الترتيب الجزئي للوضع الداخلي أفضل بكثير من اللا ترتيب، وحين تَحدث مُعجزة المصالحة المنشودة من جديد ، نقوم بعملية ترتيب كلية..أما بقاء الوضع على ما هو عليه..فهو طريق الانتحار والتسليم والاستسلام.
Firas94@yahoo.com
|