New Page 1
هل نحن بألف خير لولا الممانعة الإسرائيلية؟ / حكم عبد الهادي
08/11/2010 10:56:00
حسن, صديق المدرسة القديم, يحتل رأس قائمة برنامج زياراتي القصيرة والمتكررة لجنين, مسقط رأسي والمدينة التي تعلمت فيها القراءة والكتابة ودروسا أخرى حتى غادرتها إلى ألمانيا في نهاية الخمسينات. وخلافا لي لم يغادر صديقي البلد إلى الخارج قط. منذ أكثر من ثلاثين عاما ظل الرجل الذي تجاوز قليلا السبعين يقبع بالقرب من دوّار جنين في شارعها الرئيس في مخزن لبيع مواد البناء, وما أكثر الزبائن الذين يترددون على المكان حيث يستقبلهم بحفاوة وبساطة. لم أسمعه أبدا يقول لأحدهم: "آسف الغرض غير موجود". تذكرت غزة المحاصرة وقلت لنفسي: كم سيسعد أهلها لو سُمح لهم بدخول هذا المخزن الذي يعج بمختلف مواد البناء.
استقبلني صديق الطفولة وهو يجلس بتواضع على طاولة أمام رفوف البراغي والمسامير وبراميل الدهان بالإستفسار عن حالي في ألمانيا وعن ماذا أود أن أشرب. وقبل أن أحتسي أول رشفة من فنجان القهوة المُرّة سألته عن اوضاع البلد. كنت أتوقع جوابا سوداويا من إبن صفّي المعروف بتشاؤمه المزمن: كان لا يتوقف في كل زيارة عن شتم حماس وفتح وأعضائهما الحرامية الذين لا يهمهم سوى حالهم وتعبئة جيوبهم بالدولارات. ياسر عرفات كان من وجهة نظره غوغائيا ومغامرا الخ الخ. بين الفترة والأخرى كان يتوقف قليلا عن الشتم ليقول لي: "حكم, مفيش فائدة. جماعتنا تعبانين . شو بدك بالحكي . ما فيناش خير!" وفي إحدى المرّات انضم الينا شقيقه الظريف الذي علق على تصريحات حسن الكالحة السواد بقوله : "لنختصر الموضوع. كل التقنية الألمانية لا تكفي لرفع معنويات أخي حسن سنتيمترا واحدا."
في خريف هذا العام اختلف الوضع تماما فقد انشرحت أساريره عندما سألته عن أحوال الناس في فلسطين. اتضح من بداية كلامة أن الحظ حالفهم هذه المرة, فقد أكد أن البلاد تدار من زعيمين ممتازين, من الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء سلام فياض. وأضاف: " إن أداءهما رائع للغاية وهما يختلفان تماما عن الرئيس الراحل ياسر عرفات الذي خرّب الدنيا. القيادة الجديدة تتصرف بحكمة وجدية ودقة, وفياض استطاع أن يكسب ثقة الناس وثقة أوروبا وأمريكا في نفس الوقت". ومضى حسن قائلا:
"عباس وفيّاض يستطيعان أن يحققا السلام والرخاء للشعب الفلسطيني ... ولكن هناك مشكلة كبيرة: إسرائيل بدهاش."
في اللقاء الثاني ( في رام الله ) أوضح الدكتور محمد شتيّة, عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ووزير الأشغال السابق, ما كان يقصده صديقي حسن حين قال "إسرائيل بدهاش". طرحنا السؤال التقليدي على الدكتور الذي جاء ليسلّم على زميلي وصديقنا المشترك عبد الرحمن عثمان القادم أيضا من ألمانيا حيث يعمل صحافيا في "إذاعة ألدويتشي فيلي", سألناه : ماذا تتوقع من المفاوضات؟
كنا نتوقع منه في هذا اللقاء الخاص أن يكشف النقاب عن بعض الأسرار وهو العضو في الوفد الفلسطيني المفاوض, ولكننا فوجئنا حين طلب من سائقه الذي كان ينتظره خارج البيت أن يحضر جريدة القدس التي صدرت صباح يوم لقائنا في 1 /11 / 2010 ليقرأ منها معظم ما جاء في الحديث الذي كان أدلى به لأكبر صحيفة فلسطينية. باختصار علمنا من تصريحاته هذه ان رئيس الوفد الاسرائيلي اسحق مولخو رفض استلام الورقة الفلسطينية معللاً ذلك بأنه يخشى ان يتسرب نبأ الورقة الى وسائل الاعلام، وأن يعلم اعضاء الإئتلاف الحاكم في اسرائيل بها ويخلقون أزمة لرئيس الحكومة بنيامين نتانياهو. وأوضح اشتية أنه لا يرى وجود واحد في المئة من الفرصة لنجاح المفاوضات الراهنة مع نتانياهو، مضيفاً: «إذا رفض الاسرائيليون مجرد استلام ورقة منا، فكيف سيستجيبون لحقوقنا». ورأى ان المفاوضات الراهنة هي آخر امتحان لحل الدولتين، وأن الاسرائيليين يقضون بالاستيطان على هذا الخيار. وتابع: «اذا كان الاسرائيليون يعتبرون ان المستوطنة الإسرائيلية آرئيل في الضفة الغربية، تساوي تل ابيب، فإننا سنعتبر يافا مساوية تماماً لنابلس». وأضاف: «عندها لن يكون الصراع على الدولتين، وإنما على انهاء نظام الفصل العنصري».
وأكد: «لدينا خيارات عدة في حال فشل المفاوضات، آخرها ان نتوجه الى نتانياهو ونقول له: إما ان تقبل حل الدولتين او ان تتولى المسؤولية كاملة عن الاراضي الفلسطينية المحتلة». وقال إن السلطة الفلسطينية من دون اي سلطة، وانها تمارس خدمات شبيهة بخدمات البلديات. وأضاف: «لا توجد لدينا اي سلطة على المنطقةج (الواقعة مباشرة تحت الاحتلال) التي تساوي 60 في المئة من الضفة، ولا على القدس، ولا على المستوطنات، ولا على المنطقة أ (الخاضعة ادارياً وأمنياً للسلطة)، لذلك فالافضل لنا ان يتسلمها الاسرائيليون على ان نظل ندير سلطة بلدية».
قلنا له أن هذا الإقتراح ليس جديدا وليس قابلا للتحقيق لأن هناك كوادر فتحاوية متمكنة مستفيدة من الإحتلال والفساد والبيع والشراء في ظله. لم يوافق ولم ينف ولكنه أوضح أن الإحتلال هو المشكلة وإسرائيل لا تفكر في إنهائة لأنه "مربح جدا" فهي تستغل مياهنا وأراضينا. السلام بالنسبة للفلسطينيين هو الحل. رجل الإقتصاد شتية يعرف تماما أن الرخاء لا يتحقق في فلسطين إلّا من خلال تكثيف الأستثمارات التي لن تأتي , خاصة الخاص منها, إلّا إذا استتب الأمن والإستقرار.
عبرنا عن مخاوفنا من الضغوط الأمريكية التي تسعى إلى تمرير السياسة الإستيطانية, فقال إنهم حاولوا في المفاوضات الأخيرة في واشنطن الضغط علينا وهددونا فقلت لهم: "لدينا مثل قديم يقول: أكثر من القرد ما سخط الله." وقبل أن يودعنا قال: لا تخافوا, أبو مازن لن يتنازل عن الثوابت الفلسطينية وهذا ما فعله في كامب ديفيد عام 2000 . وكان الدكتور نبيل شعث , الذي شارك في تلك المفاوضات, أكد نفس المقولة في لقاء مع الإعلاميين عقد كما أذكر في رام الله في عام 2004.
بقي أن أنقل للقارئ ملاحظة هامة لشتية عما يتوقعه من أباما. إنه لا يتوقع بصورة عامة الكثير من الأمريكيين فهم يعرضون على الفلسطينيين ما تلقنهم إسرائيل, وفي هذا السياق استشهد بما قال له بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق: " إذا لم يتخذ الرئيس الأمريكي قرارا في السنة الأولى فإنه لن يفعل بعد ذلك شيئا, لأنه يبدأ بعد ذلك حملاته الإنتخابية."
بيد أن وسائل الإعلام الألمانية لا تستبعد أن ينشط أباما في الشرق الأوسط في هذا الوقت بالذات لأنه ليس بحاجة في هذا المضمار إلى دعم الجمهوريين ولأنه بحاجة ماسة إلى إنتصارات في الساحة الدولية في وقت يصعب فيه تحقيقها على الصعيد الإقتصادي.
لم نشعر بخيبة أمل أو بتفاؤل جارف بعد اللقاء الدافئ مع الدكتور محمد شتية, لأن المأزق أكبر منّا جميعا ولأنه ليس من الممكن إخراج الفلسطينيين من هذه الورطة التاريخية طالما أن إسرائيل تتحكم وحدها بأوراق اللعبة في غياب أي ضغوط دولية, فهل في جعبة رئيس الوزراء سلام فياض ما يواجه به إسرائيل ولو جزئيا؟
أبلغ فياض صحيفة "الحياة" اللندنية ان «وظيفة الحكومة الفلسطينية تقديم الخدمات للشعب الفلسطيني في الارض الفلسطينية المحتلة عام 1967، وهي الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة». وأضاف: «نحن لا نعترف بالتصنيف الاسرائيلي للارض الفلسطينية. كل الارض الفلسطينية هي ميدان عمل مؤسساتنا، وفي القلب منها القدس الشرقية التي نقول ويقول معنا العالم انها عاصمة فلسطين». وفي هذا الإطار خصصت حكومته خمسة ملايين دولار لترميم أربع عشرة مدرسة في القدس الشرقية التي تعاني من نقص كبير في المدارس يبلغ عشرة آلاف مقعد مدرسي. وفي ختام حديثه مع الحياة أعلن رئيس الوزراء ان المقاومة الشعبية والبناء المؤسسي يشكلان الاداة النضالية الاكثر فاعلية في مواجهة الاحتلال بعد اربعة عقود جرب فيها الفلسطينيون مختلف الوسائل، من الثورة الشعبية والكفاح المسلح الى الانتفاضة الشعبية والانتفاضة المسلحة وما بينهما من مفاوضات.
من الملاحظ أن لهجة فياض إزدادت قوة في الأشهر الأخيرة, فهل يصبو لوراثة الرئيس محمود عباس (75 عاما)؟
أثناء الزيارة القصيرة للضفة لاحظ المرء ارتفاع شعبيته. غني عن الذكر أن بناء المؤسسات وحده لن ينهي مصيبتنا مع إسرائيل, ولكن لا شك أن إصلاح البيت الداخلي في ظل الأوضاع الراهنة – كما كان يردد دائما المرحوم حيدر عبد الشافي – أضعف الإيمان , خاصة إذا ربطناه مع حركة مقاومة مدنية حقيقية. إصلاح البيت الداخلي أفضل من الشعارات الرنانة والمزايدات.
habdelhadi@gmx.net
من حكم عبد الهادي
(صحافي وكاتب فلسطيني يقيم في ألمانيا)
|