New Page 1
نتنياهو يتحدى يهود العالم / غازي السعدي
11/11/2010 10:52:00
الأوساط اليهودية في الولايات المتحدة وأوروبا، وحتى في إسرائيل تشهد أجواء انقسامات، فهناك تململ وغضب من الرياح العنصرية التي تهب في إسرائيل، وطُرح على رجال الفكر في إسرائيل وخارجها سؤال: هل تتجه إسرائيل نحو الفاشية الدينية؟ فالمبرر الذي يتبناه الوسط الفكري في معهد الإستراتيجية الصهيونية يقول: إذا كانت الصهيونية تعني القومية العمياء المفصولة عن كل سياق تاريخي وعالمي وإنساني، فلسنا نحن صهاينة"، ويقولون: لقد ضقنا بكم ذرعاً أيها الصهاينة، وصحيفة "نيويورك تايمز" تقول: كفى ألاعيب، وحمّلت رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" مسؤولية الجمود السياسي، "يديعوت احرونوت 15/10/2010".
في ضوء هذا التململ، ومن أجل إنقاذ الكيان الإسرائيلي، عقد ممثلو كبرى المنظمات اليهودية من الولايات المتحدة وكندا ودول أوروبية، وبمشاركة شخصيات اعتبارية يهودية أميركية - تبوأت مناصب رفيعة في الإدارات الأميركية السابقة-وبمشاركة وزراء بينهم "شمعون بيرس" و"بنيامين نتنياهو" وشخصيات إسرائيلية أخرى، مؤتمراً طارئاً في مدينة القدس في نهاية الشهر الماضي، للتداول الإستراتيجي في مستقبل اليهود في العالم، إضافة إلى بحث التطورات السياسية المتعلقة بالمفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، وما يجري من اتصالات لمواصلة تجميد البناء في المستوطنات، وما يُمارس من ضغط أميركي للتوصل لاتفاق خلال عام، مما أدخل زعماء اليهود في العالم إلى حالة تأهب استدعى عقد هذا المؤتمر.
لقد كان من أهداف انعقاد هذا المؤتمر، وهو الأول من نوعه، إنشاء جبهة يهودية موحدة موازية لجامعة الدول العربية، فمعهد تخطيط سياسات الشعب اليهودي، كان هو المبادر لعقد هذا المؤتمر، ويطالب زعماء يهود العالم الحكومة الإسرائيلية، مشاركتهم في اتخاذ القرارات، مؤكدين أنهم ليسوا على استعداد للاكتفاء بجمع التبرعات وتقديم المساعدات والنصائح لإسرائيل، أو الضغط من خلال اللوبيات في أميركا وأوروبا وغيرهما لصالح إسرائيل، ويتساءلون: ألا يجدر بإسرائيل إتاحة الفرصة ليهود العالم للإعراب عن آرائهم وسماعها وأخذها بعين الاعتبار؟ وهذا الموقف يجب أن يكون رسالة موجهة إلى العالمين العربي والإٍسلامي، فإسرائيل تعتبر نفسها المسؤولة والمدافعة عن اليهود أينما كانوا، ونحن نتساءل: هل مثل هذا الاهتمام قائم لدى الدول العربية؟ وعلى سبيل المثال وليس الحصر، فهل مسألة القدس هي مسألة فلسطينية فقط، أم أنها مسألة عربية وإسلامية، وأين العرب والمسلمين منها؟
لقد صدر عن هذا المؤتمر وثيقة تشتمل على بعض الإيجابيات، وبعض السلبيات، ولا نعرف إذا كانت هذه الوثيقة ستُلزم الحكومة الإسرائيلية، والتي تم رفعها إلى "نتنياهو"، فالوثيقة تتعلق بخطة لتسوية الصراع العربي-الإسرائيلي، يتضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة منزوعة السلاح، وإطلاق سراح كافة الأسرى الفلسطينيين وانسحاب إسرائيل إلى حدود عام 1967 مع إجراء بعض التعديلات الطفيفة، مقابل اتفاق سلام مع جميع الدول العربية والإسلامية، وهذا يعني الاستجابة لمبادرة السلام العربية التي رفضتها إسرائيل، إلا أن البيان كغيره من البيانات، لم يحدد حدود الدولة الفلسطينية، أما ما هو غير إيجابي في هذه الوثيقة فهو ما يتعلق بأن يجري تطبيق خطة التسوية على مراحل تصل إلى (15) سنة، أما بالنسبة للأماكن المقدسة، فإن الوثيقة تقترح تقاسم المسؤولية، وتسليم مسؤولية الأماكن المقدسة الإسلامية إلى هيئة إسلامية تعترف بها الدول العربية، وليس إلى السلطة الفلسطينية، كما تشير الوثيقة إلى تقسيم التواجد السكاني اليهودي-العربي إلى سيادة مشتركة، وتدعو الوثيقة الحكومة الإسرائيلية إلى التعبير عن أسفها لدورها في التسبب بمعاناة اللاجئين الفلسطينيين، دون التوصية بعودتهم وتعويضهم بل توطين أجزاء منهم في دول الشرق الأوسط، بما فيها إسرائيل، فيما يتم توطين آخرين في أوروبا وأميركا وآسيا.
من جهة أخرى، فإن الوثيقة تدعو الفلسطينيين إلى التعبير عن أسفهم لمعاناة الإسرائيليين، في سياق الدفاع عن أرضهم ووجودهم، وأن يعلن كلا الطرفين عن انتهاء المطالب المتبادلة، بما يعنيه ذلك من دعوة الفلسطينيين إلى عدم التطرف - حسب الوثيقة- ودعوة الطرف الإسرائيلي للاكتفاء بما انتزعه من الطرف الآخر، فهذه مطالب خطيرة وغير عادلة ومرفوضة، فالمؤتمر من خلال هذه الفقرة يتبنى المواقف السياسية الإسرائيلية، فالاحتلال وقواته العسكرية، وسوائب المستوطنين وعدوانهم على الشجر والحجر، هم الذين سببوا المعاناة للفلسطينيين في وطنهم، وعلى إسرائيل أن تتحمل المسؤولية الكاملة عن هذه المعاناة، وليس العكس، أما موضوع التطرف، فإن هذا التطرف من سمات اليمين الإسرائيلي، وهذا ما يُجمع عليه العالم، اما الفلسطينيون فإنهم يدافعون عن أنفسهم وعن أرضهم وحقوقهم المشروعة وهذا حق لهم وواجب عليهم.
وبينما اعتبر "شمعون بيرس" رئيس الدولة- في مداخلته في هذا المؤتمر- أنه ليس بمقدور إسرائيل العيش دون المساعدات الأميركية، وأن على إسرائيل المساعدة في أمن الولايات المتحدة، لبلورة ائتلاف ضد إيران، عبر ما وصفه بتسوية صراع إسرائيل الثانوي مع الفلسطينيين، معترفاً بحاجة إسرائيل للولايات المتحدة، مع أن مثل هذا الاعتراف عبارة عن رسالة للحكومة الإسرائيلية، بضرورة الاستجابة للمطلب الأميركي بتجميد البناء في المستوطنات، "فبيرس" يعترف بما يعرفه العالم بأن استمرار الوجود الإسرائيلي يحتاج إلى دعم أميركا والتجاوب معها، بينما ركز "نتنياهو" في مداخلته على "التهديدات" الإيرانية، وطالب الأسرة الدولية بأن ترفع صوتها وبصورة جلية، رافضة السماح لإيران بإنتاج أسلحة نووية، (ولكن ماذا مع أسلحة إسرائيل النووية)، ويعترف "نتنياهو" بأن إسرائيل تتعرض لضغوطات وتحديات لا تستطيع أن تقف أمامها أية دولة، داعياً لمواجهة ما أسماه بأهداف الإسلام الراديكالي، وعاد إلى تكرار مقولته بأن السلام قابل للتحقيق، وهذا يتطلب تقديم تنازلات من قبل الفلسطينيين، على حد قوله، وليس من قبل إسرائيل فقط- وهذه مغالطة كبرى- وجدد مطالبته الاعتراف بدولة إسرائيل كدولة يهودية، وأن معاداة السامية تحولت إلى عداء لإسرائيل، وإلى تشويه صورة اليهود من خلال تشويه صورة إسرائيل، وأن الرد على هذا التشويه هو بدولة يهودية قومية، وليس بتغيير النهج والسياسة الإسرائيلية.
إن من أهم ما جاء في الوثيقة، توصية لإسرائيل لتسوية قضية أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، بحيث يتم نزعها تدريجياً، وهذا مطلب عربي عمدت إسرائيل إلى رفضه، ومع أنه لم يكن هناك ردود فعل رسمية إسرائيلية على هذه الوثيقة فإن نتنياهو رفضها ووجه صفعة لزعماء يهود العالم ولمؤتمرهم، أما الغريب أنه لم يصدر تعقيب أو بيان عربي أو من الجامعة العربية، أو السلطة الفلسطينية رداً على هذه الوثيقة وربما أنهم لا يتابعون، أو لم يسمعوا عن هذا المؤتمر!
|