New Page 1
دردشات عيد الاضحى / فراس ياغي
23/11/2010 09:39:00
ياغ
ليست هذه سوى دردشات حين يجتمع الاحباء بمختلف مشاربهم في عيد الاضحى، هي مجرد بعض ما يمكن ان نسميه افكار قد تكون مفيده، ولا يوجد بها اجوبة قطعية عن أي شيء، فهي في نهاية الامر مجرد أفكار..وما يدفعني للكتابة نوع من الغيرة على ماضٍ لن يعود..وكان مليئاً بالاحلام التي نظرت لمجتمعٍ يسوده إحترام مستند لقوانين تعبر عن تعددية طبيعية دائمة تميز البشر ومجتمعاتهم، ومرتبطه بمفاهيم قادرة على إستيعاب الجميع وبما يسمح لهم بالتعبير عن آراءهم جهراً بدون تجريح او شتائم أو مَسَبّات..مجتمع يسوده نوعا من العدل الاجتماعي يوفر للجميع تعليما صِحياً وصَحيحاً، ورعاية وجَودة صِحية لا تميز بين غني وفقير بالمفهوم العام..مجتمع قادر على أن يحتفظ بأبناءه ويحضنهم وفقا لمفهوم الحقوق والواجبات..مجتمع يركز على العناية بالمرأة ولا يميز ضدها، فهي نصف المجتمع من جهة، وكل المجتمع من جهة أخرى، فهي عددا تصل للنصف، ولكنها هي التي تربي النصف الآخر، وهنا فهي الكل الذي إذا صلح، فأساساتنا تكون متينة قادرة على الفهم المجرد وإستيعاب الآخر الذي هو ليس أنا.
الدردشة الاولى: كتبت قبل سنتين مقال بعنوان "الوعي الناقص"، ومرة أخرى أجد نفسي في عيد الاضحى أمام معضلة مرتبطه بشكل عضوي بمفهوم الوعي..فالوعي الانساني المتراكم عبر تراث وطني أو إنساني تطور بشكل بطيء أحيانا، في عصر ما سُميَ الظلمات عِندهم، والنهضةُ عندنا "العصور الوسطى"، أو بشكل سريع بسبب تطور وسائل الاتصال، في عصر النهضةِ عندهم ، والنكوص والتغني ومحاولة العودة للماضي عندنا "العصر الحديث"..المسألة هنا مرتبطة بمفهوم التعددية وقبول الآخر، فقد جمعني عيد الاضحى المبارك بما يدفعني لهذه الدردشة التي تستصرخ أصحاب الايديولوجيات ليكفوا عن بعث أحقادهم في نفوس الشباب المتعطش للافكار المتطرفه في ظل واقع سياسي يسمح بتقبل هذه الافكار بشكل سريع..دردشتنا كانت حول النظره للديمقراطية، قريبي الذي يَتبنى فكراً شموليا ولكنه يعيش على أطرافه، بمعنى ليس منضويا لحزب سياسي ديني، يرى مفهوم الحرية والتعبير عن الرأي مشروطه بما لا يمس فكره الديني الذي يتوزع على كل مناحي الحياة بحيث أن شموليته لا تسمح لك بالتفكير بدون مساعدة فتوى من هذا الشيخ او تلك الشيخه..وحين جادلته بأن مفهوم الديمقراطية والتعددية يسمح بطرح كل شيء للنقاش ما عدا المُطْلَقَين، وهما الروح، فهي "من أمر ربي"، ويوم القيامه كإرادة إلهية فقط، أجابني بدون أن أكمل حتى فكرتي، أنت بذلك تخالف شرع الله..ذكرني قريبي بمصير الخليفه الراشدي "عثمان بن عفان"، عندما جاءه مصائر المسلمين وطلبوا منه التنحي عن الخلافه، فاجاب أنا خليفة الله فكيف أتنحى؟! وكان مصيره القتل بطريقه وحشية، رد القتيل كان فيه طرح مطلق، وتصرف القاتلين كان أيضا حكما مطلق، الاثنان هنا، القاتل والمقتول عبروا عن وعي ناقص، إرتبط في ذاك العهد بمدى الوعي الاجتماعي والسياسي السائد كمفهوم قبلي اولاَ وكفتاوى من البعض الذي وضع نفسه قيما على الاسلام في ذاك العهد..الديمقراطية والتعددية لدى ذاك القريب عائليا مرتبطه فقط بنجاح أصحاب فكره بالانتخابات، وبعد ذلك فلا تعددية إلا في نطاق مفهومه الشرعي وفتاوى شيوخ الجماعه، فمثلا حين فازت "حماس" بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي، قلنا حينها دعوهم يحكمون السلطة فهذا حقهم، ولكنهم إعتقدوا أن فوزهم هذا يعطيهم الحق في الاستبدال الجذري لكل ما سبقهم، فهم لم يقوموا بعملية إصلاح كما وعدوا الناخبين، بقدر ما تعاملوا وهم في السلطة كمعارضة دائمة الشكوى من جهة، ومن جهة أخرى إستبدال الآخرين بحجة عدم الاستجابه والتعامل معهم، "حماس" لم تحصل على الأغلبية الشعبية من حيث عدد الناخبين، فالتيار الوطني والديمقراطي واليساري والليبرالي الذي يخالفهم حصل على أكثر من نصف مليون ناخب، في حين "حماس" حصدت أغلبية المقاعد بسبب طبيعة النظام الانتخابي..أقصد هنا أن أي تغيير مهما كانت طبيعة الفوز لا تؤهل الفائز لكي يقوم بعملية تمس مختلف شرائح المجتمع، فالتعددية لا تسمح بذلك، والنظام الديمقراطي يجب إحترامه من الفائز قبل الخاسر، وفي الوضع الطبيعي للدول، فإن أي قانون يمكن أن يمس جميع شرائح المجتمع، يسبقه إستفتاء شعبي على ذلك، إنظروا وتعلموا من تركيا "الاسلامية الديمقراطية الليبرالية اليساريه"..أختم دردشتي بدعوة أصحاب الفكر الشمولي لمراجعة أفكارهم، بما يخدم تصالحية المجتمع وإستمرار بناءه ونهوضه، والبحث دائما عما يجمع وليس عما يفرق، فالدستور والقانون يجب أن يكون إنسانيا قابل للتغيير والتطوير بإرادة شعبية مستندة لأخلاقيات وتراث محلي وإنساني عالمي وليس بأحكام مطلقة، فنحن جزء من العالم وقوانينه الدولية التي تتعلق بالمرأة والطفل والمعاق وحقوق الانسان..الخ وعلى الرغم من رفضنا للجائر منها والظالم بسبب توازن القوى السياسي والاقتصادي، لكن بالمجمل أغلبية قرارات الامم المتحدة مثلا في الموضوع الفلسطيني هي لمصلحتنا.
الدردشة الثانية: إنتقلنا لها لأن المسمى قريبي في الدم كاد أن يُكَفّر المجموع، فإستدرك البعض كعادة هروبية من المواجهة الضرورية فكريا، بالحديث عن المفاوضات، قلت لحظتها، المسألة واضحة، نحن الطرفين نعيش حالة من الازمة التي تصل لدرجة الاستحالة أحيانا، من ناحية، إسرائيل مأزومه في حكومة يمينية- إستيطانية- دينية، ويسار صهيوني يبحث زعيمه عن البقاء الشخصي، برنامج هذا الائتلاف النتنياهو-الليبرماني ليس فيه من السلام شيء، فأي مفاوضات ممكنة وواقعية إذا مع تشكيلة كهذه..من الناحية الاخرى نحن مأزومين في إنقسامنا، وتائهين بين ضِفتنا وغَزتنا، وبعيدين عن قدسنا، وتحيط بنا كدائرة مغلقة إسرائيل المأزومه، فأي مفاوضات كنتائج ممكنة ومهما تكن، مرحلية او مفروضه او لائمة (بدل دائمة) لا يوجد عليها إجماع فلسطيني، مما سيؤدي لفشلها وعدم إمكانية تطبيقها، ويبدو أن مُتطلب المفاوضات، هي مصلحة إقليمية أمريكية-عربية معتدلة، أكثر منها مصلحة إسرائيلية – فلسطينية..المفاوضات هنا ليست هي الاساس، وبدءها من عدمه سيان، فالمهم النتائج، وواقع الحال يؤكد أننا في وضع غير صحي لا تكتيكيا ولا إستراتيجيا، فمن يراهن على المفاوضات، لينظر لتجربة عشرين عاما مضت ومنذ مؤتمر "مدريد"..أما ما هي بدائلنا عن المفاوضات؟ فهذا سؤال ليس له إجابه، لأنه غير مطروح، فخيارنا الاستراتيجي هو السلام كمنظمة، بمفهوم دولتين لشعبين وعبر المفاوضات، مع السماح بالمقاومة الشعبية السلمية ضد الجدار والاستيطان في بلعين والمعصرة كمثال.
الدردشة الثالثة: الحديث هنا كان حول الحوار الوطني، فأحدهم لم ألتفت أو أعي من هو جيدا بسبب تداخل الاطفال وتدافعهم فرحاً بالعيد، تسائل بشكل إستنكاري، إذاً لماذا لا يتوحدون في ظل هذا الوضع القاتم على الجميع؟!..قلت، دعوني أتحدث وبكل صراحه، رغم صعوبتها، ورغم أنها لا تتعدى سوى نظرة وفكرة شخصية، الحوار ككل وكمجمل، كذبٌ في كذب، فإذا كنا متفقين على الهدف والوسيلة، وإذا كنا متفقين على أننا لا زلنا لم نحقق أهدافنا الوطنية، بمعنى مرحلة التحرر الوطني التي لم تنتهي بعد، فعلى ماذا نختلف؟! المنظمة وحماس إتفقتا على الهدف المنظور، وهو دولة فلسطينية على جميع حدود الرابع من حزيران 1967 والقدس الشرقية عاصمة للدولة المنشوده، وحق اللاجئين في العودة وفق الشرائع الدولية وبالذات قرار 194، والوسيلة هي المقاومة كمفهوم شامل وليس حصري وبكل الاشكال المُشرّعة دوليا، المفاوضات جزء من المقاومة حين تكون حقيقية وجدية، والمظاهرات السلمية مقاومة، وما يسمى المقاومة العنيفه، فهي في ظرف ما جائزة ومقبولة وضرورية، وفي ظرف آخر تكون شكلاً من اشكال الارهاب، شئنا أم أبينا، وهنا الارهاب ليس بمفهوم أمير إمراءه، المضروب بأحذية العراقيين، السيد "بوش الإبن" الرئيس الامريكي السابق، ولا نقيضه وصنيعته الذي كان هارباً في "تارا بورا"، ولا سَيّده المُدان في حماية قاتلي الاطفال في مجزرة "صبرا وشاتيلا"، ولا غيرهم الكثر، وبصماتهم واضحة في "قانا" و "غزة"، إنه الذي يكون مردوده قاتلاً على مجموع الشعب، فقتل المدنيين ليس مقاومة، وإستخدامه يجب أن يكون ضمن إستراتيجية شاملة متفق عليها وليس بطريقة المزايدات الفردية التي عانينا منها في سبعينيات القرن الماضي وتسعينياته وفي العشرية الاولى من القرن الحالي..الحوار وفقا لذلك يجب ان يكون قد إنتهى قبل أن يبدأ، ولكن وكما يبدو فهناك عاملين يمنعان تحقيقه بطريقه تَسُرُّ هذا الشعب وتريحه، الأول، مرتبط بالمحاور الاقليمية التي أصبحنا كجزئين جزءاً منها، فهم مع الآخر هناك، وهم مع الآخر هنا، ولكلِّ هُم مبرراته، المشكلة أننا لسنا مع أنفسنا ولا مع محورنا، فآخَرَهم وآخَرَنا، مهمين لمحورنا، فالجميع بالنسبة للقضية الفلسطينية مهم، ويجب أن لا نكون جزءاً من الآخر بل علينا أن نستفيد منه لصالحنا كمحور منفصل عن كل المحاور، وتكون سياستنا مرتبطه بالعلاقة مع ذاك الآخر بقدر تأييده لنا او وقوفه معنا وبطريقة بعيده عن مفهوم التحالف الكلي الشامل، فتحالفنا يكون مع عمقنا العربي كأساس وكمحيط وكفضاء لا يمكن أن نعيش بدونه..العامل الثاني، مرتبط بمصالح أفراد وشرائح منتفعه في أحزاب، الوحدة الوطنية أصبحت لا تلبيها، بل تكاد تكون نقيضها، فيعمل هؤلاء على تعميق وتجذير الانقسام ليصل لدرجة الكذب والكذب وفي كل شيء، إنظروا مثلا، إتفقنا في القاهرة، وإختلفنا على صياغة بعض ما ورد في الورقة المصريه، ثم إتفقنا لوضع ورقة إستدراكية ملزمة وتطبق بالتوازي مع الورقة المصرية، ثم إتفقنا على مجمل نقاط الاستدراك، وبقيت نقطه واحده، هي الأمن، لا زلنا نخوض ونجادل لنصل لاتفاق بشأنها، وشخصيا أعتقد أن مفهوم الامن لديهم كعقيدة وكقيادة وكإحتراف، يختلف جذريا عن مفهومنا، فالأمن في غزة له حيثيات تميزها عن حيثيات أمن الضفة..هناك لديهم ما يعرف بإسم أمن المقاومة المزعومة كمفهوم نظري، في حين هدفه الاساسي تثبيت حكم شرعية "أمير المؤمنيين" المأمول توسيع سيطرته للضفة من خلال شراكة مع الأمن عندنا ورفض عودة ما يسمونهم بالامن "البائد" عندهم، والامن عندنا مرتبط باتفاقيات لا تزال قائمة وملزمة للمستوى السياسي، بل تكاد تكون السبب الرئيسي في بقاءه وإستمراره حتى لو كنا غير راضين او مُتهمين، المسألة معقدة جدا وبحاجة كما قلت اولا للعودة لمفهوم الهدف والوسيلة المتفق عليه لكي نُعَرّف كل شيء وفقا لمصلحتنا وإحتياجاتنا، وبغير ذلك فلا وحدة ولا أمل قائم او ممكن، وكما قال الشاعر "إيليا أبو ماضي": "إني اراك كسائح في القفر ضل الطريق..يرجو صديقا في الفلاة، وأين في القفر الطريق، يهوى البروق وضوءها، ويخاف تخدعه البروق، بل أنت أعظم حيرة من فارسٍ تحت القتام، لا يستطيع الانتصار، ولا يطيق الانكسار".
إستدراك: إكتئب الفَرِحين بالعيد من الدردشة الثالثه، بل بعضهم بدأ يتساءل إن كان هناك بريق امل، نقطة ضوء ما ممكنة للوصول لوحدة تعيد البهجة والطمأنينة بالمستقبل المنشود، وقد جاء ذلك بعد أن تأزم الحضور مما سمعوا في الدردشة الثانية بسبب قتامة الوضع السياسي والتفاوضي، أكثر من الدردشة الاولى حين غضبوا بسبب عدم الفهم وإستيعاب الخلاف النظري.
إستدراك على الاستدراك: عبارة أكتبها كتعبير عن إكتئاب حضور الدردشة الثالثه فالحوار يعني بالنسبة لهم العائلة الواحدة والمستقبل الواحد، في حين المفاوضات تمس حياتهم اليومية وبالتالي شعروا بعمق الازمة، أما الديمقراطية والتعددية في الدردشة الاولى فهي سابقة لأوانها هنا في الضفة، فالاحتلال والاستيطان والجدار يغطي على كل شيء، بينما في غزة المسألة مطروحة رغم الحصار الظالم، لذلك غضبوا وأنهو النقاش.
Firas94@yahoo.com
|