New Page 1
لا يا نتنياهو .. ليس الفلسطينيون من يُفشل المفاوضات / غازي السعدي
09/02/2011 11:22:00
غازي السعدي
وقاحة وكذب وخداع يتجاوز جميع حدود الاستبداد السياسي، كل هذا يستشف من تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" بتحميله للفلسطينيين مسؤولية فشل المفاوضات، بل ويتهمهم بأنهم لا يريدون ولا يرغبون بالسلام، "فنتنياهو" الذي كان يتحدث أمام المراسلين الأجانب، اتهم الفلسطينيين بأنهم يفوتون الفرص، ويقومون بكل ما بوسعهم لعدم التوصل إلى السلام، مما لا يُعطي الكثير من الأمل باستئناف محادثات السلام، رغم الجهود الأميركية، ويضيف بأن الطريق الوحيدة للتوصل إلى السلام، هي التفاوض بشأن السلام، أما الوقاحة والمخادعة الأخرى، فتأتي من الجانب الأميركي، فالولايات المتحدة تُعارض المساعي الجارية في مجلس الأمن، والهادفة لإدانة الاستيطان الإسرائيلي والمطالبة بوقفه، كذلك تُعارض تمرير قرار لإقامة الدولة الفلسطينية على الأراضي التي احتلت عام 1967، حيث أنها تعتبر أن كافة القضايا بما فيها الاستيطان، يجب بحثها عبر المفاوضات المباشرة في مرحلة المفاوضات النهائية.
المتابع لتطورات الأحداث في المعركة الإسرائيلية مع الإدارة الأميركية، يُسجل انتصاراً "لنتنياهو" في هذه المعركة، إن نقطة البداية في شبكة العلاقات الإسرائيلية مع إدارة الرئيس "باراك اوباما" كانت متوترة ومنخفضة جداً، فاللقاء الأول "لنتنياهو" مع الرئيس "أوباما" في شهر أيار من عام (2009)، وخطاب أوباما في جامعة القاهرة، في حزيران (2009)، كادت أن تودي بشبكة العلاقات الإسرائيلية-الأميركية، إلى الدرك الأسفل، فمطالبة الرئيس الأميركي بوقف تام للبناء في المستوطنات، يقف على نقيض تام مع الأساس الأيديولوجي لحزب "نتنياهو" وبرنامجه السياسي، مما أدى إلى السير في مسار الصدام مع الإدارة الأميركية، حين كان أوباما في ذروة قوته وشعبيته، وكان قبول نتنياهو لمطلب "أوباما" بوقف الاستيطان، سيقود إلى انهيار الائتلاف الحكومي وسقوط حكومته، بل وربما إجراء انتخابات جديدة للكنيست، ورغم الظروف الصعبة التي واجهها "نتنياهو"، فقد نجح في توجيه مطالب الرئيس "أوباما" إلى حوار متواصل مع مبعوثيه، وفي نهاية الحوار ثبت أن قواعد اللعبة، كانت مريحة جداً لإسرائيل، تختلف بقدر كبير عن تلك التي سعت إليها الإدارة الأميركية، فالإدارة الأميركية اعترفت بوجود تفاهمات سابقة مع إسرائيل في مسألة المستوطنات، وقبلت الموقف الإسرائيلي بأن تبحث القضايا النهائية المعروفة في نهاية المفاوضات، بل أنها رضخت لجدول الأعمال الإسرائيلي، وإذا كان الوضع على هذا الحال، فكيف تستطيع الولايات المتحدة الموافقة، أو على الأقل عدم اللجوء إلى حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن، على المشروع الفلسطيني بإدانة العمليات الاستيطانية، وإقامة الدولة الفلسطينية في الأراضي المحتلة منذ عام 1967؟
إن الحديث عن استئناف المفاوضات والاتصالات السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين لا معنى لها، بعد أن اتضحت الصورة وأسلوب الخداع الأميركي-الإسرائيلي للفلسطينيين، بل للعرب وكل العرب، فإن إرسال مبعوثي المفاوضات "اسحاق مولخو" الإسرائيلي، وصائب عريقات الفلسطيني، كل على حدى لواشنطن، واجتماع "نتنياهو" بالرئيس "حسني مبارك"، هذا التحرك جاء لذر الرماد في العيون، وكأن العملية السياسية ما زالت مستمرة، في الوقت الذي تستمر فيه إسرائيل، بفرض الوقائع على الأرض وخاصة في القدس الشرقية، وحتى أن وقاحة "نتنياهو" تعدت كل ذلك بالطلب من الرئيس المصري – أثناء لقائهما الأخير في شرم الشيخ- بممارسة ضغوط على رئيس السلطة الفلسطينية، لاستئناف المفاوضات وهذا حقاً مضحك، ويندرج في محاولة خداع الرأي العام الإسرائيلي والعربي، وكأن إسرائيل ناضجة لتحقيق السلام، وأن التعطيل يأتي من الجانب الفلسطيني، مع أن شروط السلام التي يتهرب منها "نتنياهو" معروفة جداً، فالشعب الفلسطيني من أكثر شعوب العالم يحتاج ويعمل من أجل السلام، في المقابل فإن حكومة "نتنياهو" لا تؤمن بالسلام، بل تعمل على عرقلته، وعرقلة كافة الجهود والمساعي لتحقيقه.
هناك تطور هام، فممثلو الدول الأوروبية المعتمدون في القدس، رفعوا مؤخراً رسالة حادة إلى الاتحاد الأوروبي، تطالب الاتحاد بتشديد خطوات الاحتجاج تجاه إسرائيل، والتعامل مع شرقي القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية، ويوصون بعدم قيام المسؤولين والسياسيين الأوروبيين بالوصول إلى الوزارات الإسرائيلية خلف الخط الأخضر، وأن يرفضوا تلقي خدمات الحراسة الإسرائيلية في القدس الشرقية، "هآرتس 10/1/2011" فنحن لا نعرف تأثير هذه الرسالة عملياً، ومع أن الموقف الأوروبي متقدماً، إلا أنه يسير بصورة متواصلة تحت المظلة الأميركية.
إن الموقف الفلسطيني الرسمي يرفض استئناف المفاوضات طالما تواصل إسرائيل البناء في المستوطنات، ولنفترض أنها بعد هذه الهجمة الاستيطانية الكبيرة وافقت على تجميد البناء لفترة ما، فماذا سيكون مصير آلاف الوحدات السكنية التي بدأت إسرائيل في بنائها في الأشهر الأخيرة؟ الموقف الفلسطيني هذا لا يكفي، فإسرائيل مرتاحة جداً، وهي في الأساس لا تريد مفاوضات حقيقية جادة، ولا تريد سلاماً، والمطلوب فلسطينياً البدء بتنفيذ الخيارات الفلسطينية التي سبق وأعلن عنها الرئيس الفلسطيني.
هناك (14) دولة من الدول الـ (15) الأعضاء في مجلس الأمن الدولي تؤيد استصدار قرار بشأن الاستيطان، باستثناء الولايات المتحدة التي تعارض حتى اللجوء إلى مجلس الأمن، وإسرائيل التي تحاول التقليل من أهمية الاعترافات المتتالية بدولة فلسطين، إلا أنها تبذل جهوداً غير عادية، في حملة غير مسبوقة، لحمل هذه الدول للامتناع عن الاعتراف بدولة فلسطين، فإذا كان لا أهمية لهذه الاعترافات، حسب التصريحات الإسرائيلية، فلماذا يقومون بهذه المحاولات للتأثير على الدول ومنعها من الاعتراف؟
مع جمود العملية السياسية، فإن خبراء ومحللين إسرائيليين يحذرون من خطر نشوب حرب جديدة في المنطقة، القابلة للانفجار، فالحكومة الإسرائيلية قد تلجأ للخروج من مأزقها، ومن توقف العملية السياسية، عبر اللجوء إلى افتعال حرب جديدة، فإن احتمال سقوط صاروخ من قطاع غزة على تجمع سكاني أو مدرسة إسرائيلية، يسفر عنه قتلى وجرحى، أو أسر جنود، سيؤدي إلى إشعال الحرب، فرئاسة الأركان العسكرية الإسرائيلية تتسابق مع الزمن لإعداد الجيش الإسرائيلي على جميع الجبهات، كما أن هناك خشية من ارتكاب إسرائيل لحماقة ضد إيران، أو استهداف حزب الله بعد سقوط الحكومة اللبنانية، ومع أن إسرائيل تعتبر أن ما يجري في لبنان شأن داخلي، إلا أنها تكتفي بمراقبة الأوضاع اللبنانية، فالوضع قابل للانفجار، وإسرائيل تميل إلى المغامرة وتحلم باستعادة هيبتها وقوة ردعها المفقودة، في ظل المعنويات التي تراجعت لدى الإسرائيليين من جهة، والمشاكل الداخلية السياسية من الجهة الأخرى، إضافة إلى الصراع داخل المؤسسة العسكرية، والعودة إلى ما يُسمى بحرب الجنرالات، في الوقت الذي تراجع فيه الشرق الأوسط من جدول الاهتمامات الأميركية.
إن السلام الذي يريده "نتنياهو" ممكن إذا وافق الفلسطينيون على التنازل عن نصف مساحة الضفة الغربية، والتنازل عن القدس الشرقية، والقبول بدولة متقطعة الأوصال، والتنازل عن الثوابت الفلسطينية المعروفة، فإسرائيل المحمية أميركياً، تعيش في وضع سياسي مريح، في ظل انقسام فلسطيني، وضعف عربي غير مسبوق، وانشغال كل دولة عربية بمشاكلها الداخلية، وإذا لم يكن للعرب تأثير يُذكر في الحلبة السياسية، فإن هذا التأثير قد تآكل وافتقدنا إليه كلياً في الوقت الحاضر، ولم يبق للفلسطينيين إلا رحمة الله.
|