New Page 1
الأونروا .. الهولوكست خداع وزيف لا تفرضوها علينا / صلاح الوادية
28/02/2011 22:19:00
حاول الاحتلال على مدار عقود تذويب الهوية الفلسطينية في إطار دولة الكيان الصهيوني وخلط الثقافة والعادات والتقاليد الفلسطينية بثقافة وعادات وتقاليد مبتدعة, وحاول مرارا وتكرارا سرقة التاريخ الفلسطيني وتزويره، عبر أقاويل وأكاذيب من وحي خيالهم الاستعماري، ولكنها كانت دوماً تموت قبل ولادتها فالأرض والسماء والهواء والشجر والماء والبحر يعرفون جيداً أصحاب وسكان هذه الأرض منذ الأزل, لذلك منذ أن قاموا اليهود باحتلال فلسطين لم تنجح مخططاتهم الرامية إلى تزوير تاريخنا ووأد حضارتنا العريقة الضاربة جذورها في الأرض أكثر من طبقات الأرض ذاتها.
كان دوماً مطلب اليهود الأساسي في كل محافل اللقاءات الفلسطينية الإسرائيلية الاعتراف بالمحرقة اليهودية أو ما يسموها بالهولوكست, طبعا لا يقتصر الطلب على الفلسطينيين فقط وإنما على العالم اجمع وتحديداً الأوروبيين لما في ذلك من منفعة لليهود من خلال التعويضات التي يحصلون عليها من ألمانيا، والتعاطف مع كيانهم الغاصب من قبل الأوروبيين، وصمت العالم عما يرتكبون من مجازر في حق الفلسطينيين, ومن لا يعترف بمحرقتهم المزعومة ولا يتعاطف معهم يسوقون ضده كل أشكال الحملات المعادية ويصبح معادياً للسامية وبالتالي إرهابياً, ولطالما عاند الشعب الفلسطيني وقيادته هذا المطلب المتكرر لليهود منذ بدء الاحتلال حتى الآن، ولم يعترف بمحرقتهم ولم يبدي تعاطفه معهم, فالفلسطينيون هم أدرى الناس بتاريخ أعدائهم وزيف ادعائهم وكذبهم اللامتناهي، فكذبهم لا يتوقف عند حدود ما يصدقه العقل وإنما يتمادى حتى يصبح شيئا غير منطقي ولا يصدقه العقل، فقط هم وحدهم يصدقون ما يكذبون, فكذبة الهيكل التي يسوقونها منذ دخولهم فلسطين وقبل ذلك أصبحت اليوم شاهدة على السلوك الصهيوني في سرد الحقائق, فمنذ أن بدأ الحفر تحت المسجد الأقصى على أمل أن يجدوا شيئاً من حضارتهم القديمة المزعومة، أو ما يدل على وجود هيكلهم، لم يظهر شيء بالمطلق له علاقة باليهود أو تاريخهم أو حتى حجراً واحداً يدل على وجود أي هيكل، وإنما وجدوا آثار إسلامية تعود إلى العصر الأموي (660 _750 م), وآثار رومانية وأخرى بيزنطية, واختلفوا علماء الحفريات الذين يستخدمهم الكيان الصهيوني حول وجود الهيكل من عدمه.
اليوم جميعنا نعلم ونقر بالدور الإنساني والأخلاقي المميز الذي تقوم به وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا", فهناك الآلاف من الأسر الفلسطينية تعيش على المساعدات العينية والنقدية التي توفرها لها الأونروا, أكثر من 200 ألف طالب فلسطيني يدرسون في مدارس تابعة للأونروا, وآلاف الموظفين الفلسطينيين يعملون لديها ويتلقوا رواتب تجعلهم يعيشون حياة كريمة, نشهد بذلك ونقدره أيما تقدير ونحترم هذا الدور الإنساني الشجاع الذي طالما أشادت به كل فئات المجتمع الفلسطيني, كما يُعامل موظفو الأونروا الأجانب المتواجدون في فلسطين بكل حب وود واحترام، ولا يتدخل أحد في شئونهم ولا يتدخل أحد في شئون الوكالة الخاصة أو كيفية إدارة برامجها, ولكن بتاريخ 10/12/2010 ورد خبر في جريدة الجارديان البريطانية بأن الأونروا قامت بترتيب رحلات طلابية للمتفوقين في مادة حقوق الإنسان, ولا سيما من طلبة الصف التاسع من بنين وبنات إلى الولايات المتحدة وأوروبا وجنوب أفريقيا, وخلال الرحلة تم اصطحاب الطلاب إلى متحف للهولوكست اليهودي, وقام الأساتذة المرافقون للطلاب من العاملين في الأونروا بتقديم شرح عن الهولوكست والتعبير عن تعاطفهم مع معاناة اليهود على أيدي القوات النازية، وفيما بعد ظهر فيديو قام بتصويره أحد الطلبة المشاركين في الرحلة حول زيارتهم لمتحف الهولوكست وهم بداخله, في حينها قام المستشار الإعلامي للأونروا الأخ عدنان أبو حسنة بنفي زيارة الطلبة إلى متحف الهولوكست ولكن الفيديو كان أصدق من هذا النفي, وقامت حركة حماس بانتقاد تنظيم الأونروا للرحلة وطالبتها بعدم تكرار ذلك, وبأن تطبق السياسة التي تتبعها في باقي المناطق الفلسطينية على قطاع غزة, ثم تبع ذلك خبر مفاده بأن الأونروا تقرر تدريس الهولوكست بالمنهاج الدراسي ضمن مادة حقوق الإنسان, ومرة أخرى تعلن هيئة حقوق اللاجئين التابعة لحماس وبعض الفصائل عن رفضها لذلك، ولكن هذا الرفض غير كافي، كما على السلطة الوطنية أيضاً التحرك لمنع ذلك.
تدور الآن في ذهني وفي ذهن كل فلسطيني مجموعة من التساؤلات أهمها, هذا التناقض الغريب في الدور الذي تقوم به الأونروا, ولماذا الآن تحديداً تقوم بتدريس الهولوكست لأبنائنا, وإن كان لابد من تدريس مادة حقوق الإنسان وأنا أقر بضرورتها فهناك مئات بل آلاف النماذج الحقيقية لا المزيفة التي تستحق أن تدرس لأبنائنا، فتاريخ القضية الفلسطينية والعنف في التعامل مع الفلسطينيين وارتكاب المجازر والحروب التي قامت بها إسرائيل لا تعد ولا تحصى وتُغلق عيون واضعي هذا المنهاج, وإن كنتم لا تعملون فسلوا أي طفل فلسطيني يدلكم على مئات المحارق الجدية التي مورست من قبل الكيان الصهيوني بحق الفلسطينيين.
نصفق لكم ونقف تحية لكم إن كان هدفكم خدمة حقوق الإنسان ونيله حرياته ولكن هو غير ذلك, لا يعقل أن تتركوا قرناً من انتهاك حقوق الإنسان بحق فلسطين وأبنائها ولا تُضمّنوا مادة حقوق الإنسان أي شيء قام به الاحتلال بحق الفلسطينيين وتقوموا بتدريس محرقة أكذوبة لطلابنا وأبنائنا وأجيالنا القادمة ، هذه المحرقة لا علاقة لنا بها ولسنا شهود عليها ولا نعترف بها أساساً, هذا غير مقبول ويتناقض كلياً مع الدور المنوط بوكالة غوث وتشغيل اللاجئين, والدور الإنساني الحقيقي الذي يوفر شرعية وجودكم على هذه الأرض الطيبة, والتي طالما رحبت بكم واحتضنتكم.
إن من أساسيات الأخلاق أن يُحترم تاريخ من يستضيفكم ويوفر لكم شرعية التواجد, وأن تقوموا بتدريس المواد التي تتماشى مع عادتنا وأخلاقنا وتاريخنا ومفاهيمنا, أنتم لستم احتلال لتفرضوا علينا ما لا نشاء ولا يتماشى مع عدالة قضيتنا, عودوا إلى دوركم الرشيد المرغوب فيه دوماً ولا تغلقوا أعينكم عن الحقيقة، ولا تقوموا بتطبيق أجندات صهيونية من خلال استغلال حاجة الفلسطيني البسيط لخدماتكم ومساعداتكم وتعليمكم, لا تفقدوا رابطكم مع الشعب الفلسطيني ولا تعتقدوا أنكم سوف تستطيعوا فرض ما لم يقدر عليه الاحتلال تحت بند إما الصمت أو نعلق أعمالنا، لا تستخدموا لقمة العيش لفرض رؤاكم علينا.
أما أنتم يا قادة العمل السياسي في الضفة والقطاع ومعكم الفصائل الفلسطينية عليكم مجابهة هذا التصرف والوقوف صفاً واحداً في وجه المؤامرات الصهيونية التي تريد أن تنال من تفكير أبنائنا وبناتنا وتزرع فيهم العطف على قاتلهم والتعود على تقبله بحجة أنه مضطهد, عليكم تنظيم اعتصامات ترفض تضمين المناهج الفلسطينية أي شيء له علاقة بتاريخ الكيان الصهيوني وتحديداً ما يتعلق بالهولوكست والتوجه للأمم المتحدة ومطالبتها بشطب ذلك من أجندتها.
هذا خطر ربما يوازي في ضرره تواجد الاحتلال ذاته على أرضنا, فهم احتلوا الأرض ولم يستطيعوا تغيير مفاهيمنا, ربما يكون هذا مدخل لاحتلال عقولنا.
|