New Page 1
القدس أولاً.. والأسرى قبل كل شيء..!! / أ.عدنان السمان
16/07/2011 10:34:00
إلى أولئك الذين يظهرون الحرص على حل القضية الفلسطينية، أو القضايا الفلسطينية حلاًّ عادلاً، وإلى أولئك الذين يُبدون الرغبة في صنع مجتمع دَولي آمنٍ مستقرٍ تسوده شريعة العدل والحق، وإلى كل أولئك الذين يتحدثون كثيرًا أو قليلاً في القيم الإنسانية، والمثل العليا للبشرية، ويَتَباكَوْنَ على حقوق الإنسان والحيوان المهدورة في كثيرٍ من أقطار هذا الكون.. إلى كل هؤلاء، وإلى كثير غيرهم في هذا الكون الذي يرى ما لا نرى، ويسمع غير ما نسمع نقول إن هذه المدينةَ المقدسةَ التي احتلت عام سبعةٍ وستين هي جزءٌ لا يتجزأ من الضفة الغربية التي من المفترض أن تقوم عليها الدولة الفلسطينية التي يجري الحديث عن إقامتها منذ عشرين عامًا!! فلماذا تتخذ بحقها كل هذه الإجراءات الباطلة؟ ولماذا يجري على أرضها، وفي محيطها كل ما يجري من استيطان، ومن تهويد، ومن عدوان على الناس، وإقصاء لهم عن بيوتهم، وإحلال للغرباء في هذه البيوت، ومن تمزيق، ومعابر وبوابات، ومن عزل للمقدسيين، وإبعاد لهم عنها، ومن إغلاق لهذه المدينة في وجوه كل أبنائها من أهل الضفة الغربية؟ ولماذا يمعنون في عزل هذه المدينة عن محيطها العربي؟ ولماذا يتخذون كل هذه الإجراءات الظالمة بحق أبناء هذه المدينة من العرب المسيحيين والمسلمين؟ ولماذا يصادرون من أرضها ما يصادرون، ويهدمون من بيوتها ما يهدمون؟ ولماذا يضعون أيديهم على كثير من بيوتها في كل يوم، ويبعدون أصحابها الشرعيين عنها، ولماذا يعبَثون بالمدينة القديمة كلَّ هذا العبث؟ ولماذا يغيرون معالمها، وينشرون فيها مستوطنيهم، ولماذا يَعتدون في كل يوم على حرمة الموتى الذين دفنوا في أحيائها منذ أيام الفتح، ومنذ أن عمَّ نور الهداية هذه الديار؟ ولماذا وهي جزءٌ من عقيدة المسلمين في كل أرجاء الأرض يفعلون بها كل هذه الأفاعيل، ولماذا وهي رمزٌ من رموز العروبة يرتكبون بحقها كل هذه الأباطيل؟ والغرب بشقيه يعرف هذا كله، ويشاهد هذا كله، ولكنه لا يفعل شيئًا، ولا يحرك ساكنًا، ولا يتخذ من المواقف والإجراءات ما من شأنه أن يعيد حقًّا لأصحابه، وما يفعله المتضامنون (مع كل الاحترام) لا يكفي لنصرة الحق، ولا يعيد حقًّا لأصحابه.
الدنيا كلها تعرف هذا كله، والدنيا كلها قالت كلمتها في هذه المدينة الخالدة، والدنيا كلها قالت إنها جزءٌ لا يمكن أن ينفصل عن دولة الفلسطينيين التي آن لها أن تقوم على أرض الضفة الغربية، فلماذا يتهددون الفلسطينيين ويتوعدونهم إن هم لجأوا إلى المنظمة الدولية لاستصدار القرار الحاسم بإقامة هذه الدولة؟ ولماذا يصرون على استئناف مفاوضات عبثية لم تثبت عقمها فحسب، وإنما أثبتت أنها وسيلتهم في المراوغة والمماطلة، وأنها فرصتهم في فرض حقائق جديدة، ووقائع جديدة على الأرض في كل يوم، وأنها غطاؤهم في التهويد والتهديد وتكثيف الاستيطان، وحصار المقدسيين، وتجريدهم من كثير من حقوقهم فيها في كل يوم، لماذا كل هذا الإصرار على استئناف مفاوضات لا يمكن أن تحق حقًّا، أو تزهق باطلاً، أو تقيم دولة، أو تنصف شعبًا، أو ترد أدنى اعتبار لأمة ترى في القدس هويتها، وترى فيها ثقافتها، وترى فيها إرثًا تاريخيًّا لا يقبل جدلاً، ولا يرضخ لابتزاز، ولا ينحني أمام ضغوط مهما كانت شِدَّتها وحِدَّتها، ولا يخضع لتهديد ووعيد حتى لو تعلق الأمر بالموت جوعًا وعطشًا بعد قطع آخر ما تبقى لهذا الشعب العربي الفلسطيني من دخل يُبقي عليه حيًّا، ويوفر له الحد الأدنى من ضرورات العيش.. وإذا كان فتات الموائد الذي يقدمه المانحون ثمنًا لصمت هذا الشعب عن حقوقه في أرضه ووطنه، وثمنًا لصمته عن تقرير مصيره، وإقامة دولته، ووسيلة من وسائل هؤلاء لفرض سيطرتهم على هذه الأرض حتى لا يبقى في نهاية المطاف ما يتفاوض عليه المتفاوضون، فبئس هذا الفتات، وبئس ما يقدمه أولئك المانحون، وبئست نفسًا ترضى أن يكون هذا الفتات ثمنًا لحريتها، وثمنًا لتنازلها عن حقها في العيش الكريم الآمن فوق تراب وطنها الذي توارثه الخلف عن السلف جيلاً بعد جيل.
وإذا كان للقدس كل هذه المكانة في قلوب المسلمين، وفي قلوب العرب مسلمين ومسيحيين، وإذا كان لهذه المدينة كل هذه القدسية التي يصِرُّ معها الفلسطينيون والعرب والمسلمون على أنها تأتي أولاً عند الحديث في تفصيلات هذه القضية الفلسطينية، وعند الحديث عن أولوياتها فإن قضية الأسرى تأتي مرادفةً لذلك، منسجمةً معه، متماهيةً فيه، مكملةً له، موضحةً لمعناه ومبناه، وكأن الفلسطينيين، ومعهم كل العرب، وكل المسلمين يصرُّون (إلى جانب إصرارهم على عروبة القدس، وعلى حرية أرضها) أيضًا وفي الوقت نفسه على حرية الإنسان، ويعتبرون تحريره من الأغلال والقيود التي يرسف فيها تحريرًا للقدس، وتجسيدًا لقولنا جميعًا إن القدس أولاً، وإن الأسرى قبل كل شيء، وإنهم مفتاح الحل، ولعمري فإن هذا القول صحيح: القدس أولاً.. والأسرى قبل كل شيء.
قد يقول غربيٌّ أو شرقي إن بعض الأسرى قد ارتكبوا ما تقشعر لهوله الأبدان، وإنهم.. وإنهم.. وإنهم بالتالي لا يستحقون كل هذا التعاطف الذي يبديه الناس تجاههم، ونحن نقول: إذا كان هذا صحيحًا فما الذي يقوله هؤلاء في كل ما ارتكبوه هم بحقنا؟ ولماذا لا يكون هنالك قانون ثابت واحد موحد يحكم هذه المعادلة؟ وما ذنب الأطفال الذين يولدون في السجون والمعتقلات؟ وما ذنب كل هذه الآلاف من المعتقلين والمعتقلات ممن لم تثبت إدانتهم، وممن أمضَوا في السجون وحياة الأسر سنين عددًا في الوقت الذي لا يحكم على غيرهم (ممن ارتكب أكثر مما ارتكبوه) أكثر من غرامة ضئيلة لا تكاد تساوي ثمن الرصاصة التي أطلقها على هذا العربي أو ذاك، وأكثر من تخفيض رتبة، أو حبسٍ مع وقف التنفيذ مدة شهرٍ أو شهرين، أو توبيخ لا يلبث أن تذروه الرياح!.
وإذا كان للقدس كل هذه المكانة في قلوبنا فإن للأسرى مثل هذه المكانة أيضًا.. وإن الحل لهذه القضية الفلسطينية، أو لهذه القضايا الفلسطينية الكثيرة التي أفرزتها كل هذه العقود، وكل هذا الشتات، وكل هذا العذاب، وكل هذه القرارات والممارسات، وكل هذه المعارك والحروب التي واكبت النكبة وتلتها، وأسفرت عنها وأعقبتها، وكل هذا الظلم التاريخي الذي حاق بالفلسطينيين ولحق بهم.. الحل في قيام دولة الفلسطينيين الحرة المستقلة على كامل التراب المحتل منذ عام سبعة وستين على أن تكون القدس أولاً، وعلى أن يكون الأسرى قبل كل شيء، وقبل كل تحرك لوضع هذا الحل موضع التنفيذ، وعلى أن يكون من حق كل عربي فلسطيني أن يعود إلى بيته الذي هُجِّر منه، وعلى أن يكون من حق كل عربي فلسطيني أن يعود إلى أرضه التي أرغم على مغادرتها، وعلى أن يكون من حق كل أهل هذه الديار أن يعيشوا بأمن وأمان ووئام وسلام بعيدًا عن كل أسباب التوتر والحروب.
إن عودة الحقوق كل الحقوق إلى أصحابها هي الحل، وإن المحبةَ والتسامحَ والتصالحَ هي الأسس التي يجب أن يقوم عليها الحل، وإن السلام العادل الدائم المتكافئ الذي لا غالب فيه ولا مغلوب هو هدف الناس جميعًا في هذه المنطقة من العالم، فهل يتحقق للناس هذا الهدف؟ نرجو ذلك.
أ.عدنان السمان
www.samman.co.nr
9/7/2011
|