New Page 1
مشاهد الأمم المتحدة وضعف الوجود الصهيوني/ آمال أبو خديجة
28/09/2011 17:53:00
إنهما صورتان أو مشهدان تتابعا وظهرا من على منصة واحدة، ولكنهما متناقضان لا يستويان ولا يتشابهان، فصورة المشهد الفلسطيني التي انطلقت كلماته من القصة الحقيقية لمعاناة وألام هذا الشعب، فصورته مشاهد المعاناة الواقعية التي عاشها ويعيشها ذلك الشعب منذ لحظة الاحتلال الأولى لأكثر من 60 عاما، وما زالت المعاناة ذاتها ولكنها تعمقت بصور ومشاهد أكبر وأشد وبأدوات مستحدثة أبدعتها السياسة الصهيونية، فصدع صوت الحق فوق تلك المنصة ليدحر كلمات الباطل الذي كُشفت حقيقته عند الوقفة الأولى على تلك المنصة .
خفت صوت الكيان الصهيوني المتعجرف يتلو كلماته بألوان من الكذب والبعد عن الواقع والعيش مع الأوهام، يحاول جذب الاستعطاف من دول العالم وتصوير نفسه الضحية، يتباكى بعيون الحرباء المتلونة بخداعها ليتحدث عن قصة محرقتهم الكاذبة والظلم الواقع على اليهود منذ وجودهم، وليظهر أن وجود دولة فلسطينية إلى جوارهم يعني تهديد وجودهم وإحاطتهم بالخطر، كما يبرر سلبه للأراضي والممتلكات الفلسطينية والسطو عليها قهرا وعدواناً بأن الفلسطينيين لا يسمحون لهم بشراء أراض لهم في مناطقهم، يقف ليبحث عن حجج ودلائل واهية علها تجذب الشفقة عليه وعلى كيانه، ونسي أن العالم قد تغير ومل من أكاذيبهم وخداعهم، وما عاد يصدقهم إلا من هم مدفوعين بدعم اللوبي الصهيوني في بقايا أمريكا وأوربا .
إن من تتبع ما حدث في قاعة الأمم المتحدة وفي خطاب نتنياهو وما ظهر عليه الكيان الصهيوني لا يدلل إلا على صورة الضعف والخوف الشديد الذي أصاب ذلك الكيان، وكابوس الانهيار السريع لوجودهم في أي لحظة، والإحساس بالعزلة والوحدة السياسية بل واستحقار العالم لأفعالهم وأكاذيبهم، سوى من يدعمونهم ويتربون على أيديهم من رؤساء أمريكا وأوروبا الذين يدافعون عن وجودهم وباطلهم أكثر مما يدافعون عن أنفسهم وبلادهم، وما ذلك إلا للمصالح المشتركة والمدعومة من ذلك الكيان الصهيوني .
إن الدلائل تشير أن الدولة الصهيونية التي تعتبر نفسها من أقوى الدول عسكريا وتكنولوجيا وعلميا وصناعيا بل تعتبر من الدول المتقدمة باتت لا تقدر على الشعور بأمن البقاء والاستمرار، بل يهددها خطر الزوال وعدم تحقق الأمن في كل لحظة بل في كل ثانية، فهذا الكيان الذي يعيش على تلك المخاوف بقناعة قوية وخوف متولد مع كل جيل لا بد أن تحقق تلك النبوءة والتوقعات التي أصبحت كوابيسهم في الليل والنهار .
فعندما يبني ذلك الكيان قوته الوهمية على حماية خارجية من أمريكيا و أوروبا، ولا يمتلك القوة الحقيقية التي يتمتع بها الشعب الفلسطيني لأنه صاحب الحق والوجود، فلا بد لذلك الكيان أن ينهار بسرعة في اللحظة الحاسمة، لأن تاريخ الاحتلال والاستعمار للأمم السابقة تثبت أن الدول التي يطول ظلمها وفسادها لا بد أن تتدرج نحو الانهيار، فأمريكا راعية الكيان الصهيوني وطفلها المدلل، والإتحاد الأوربي الذي يساند ويدعم سياسات أمريكيا ويقدم الدعم الكبير لذلك الكيان، فيقف في صف الصهيونية مغمضاً عينية عن الحقيقة التي يعلمها ويعلم تاريخها ويعلم الأسباب الحقيقية من وراء وقوع النكبة وتأسيس ذلك الكيان، لأنه الشاهد الأكبر على ذلك التاريخ بل هو صانعه ومؤسسه منذ أن وضعت الوعود للصهاينة بإقامة الوطن القومي لهم على أرض فلسطين، فلا بد أن تسقط تلك القوى العظمي وتنهار، عندها لن يبقى للكيان الصهيوني قوة تدافع عن وجوده وتصد عنه الأزمات من ورائه، فهل سيبحث عن قوى أخرى صاعدة ليحمي كيانه ووجوده ، أم ستكون اللحظة التي ستُسرع زواله وتمحي أثار وجوده عن أرض فلسطين .
إن الكيان الصهيوني يستشعر في داخل ذاته وكيانه أنه كيان غريب عن المنطقة التي زرع فيها، ويعلم أنه يعيش على عقائد بنيت على التزوير والكذب والخداع، ويعلم أنه لن يستمر وجوده إن فقد القوى العظمى التي تدعمه، ويعلم أن المحيط العربي الذي يطوق عنقه سيفيض يوما ما ليغرق وجوده وأثاره، لذا يعاني ذلك الكيان من عدم الأمن والاستقرار والثبات، فيعيش في دوامة البحث الدائم عن أمنه الذي لن يتحقق ما دام طفل مسلم يرضع على هذه الأرض، فيحاول الكيان الصهيوني أن يعزز نظرية حقه بالوجود على أرض فلسطين بتضليل العالم بالأكاذيب وقلب الحقائق وتزوير الوقائع وزيادة السيطرة على الأرض والممتلكات وتفريغها من أصحابها والسعي للتهجير والطرد ومسح هويته ووجوده، وزيادة الاستيطان وزراعة المستوطنين ودعم هيمنتهم وعدوانهم وإرهابهم للشعب الفلسطيني، ولكن ما بني على كذب لا يمكن أن يكون كمن بني على حق وصدق، فالكذب إلى زوال وبطلان والصدق إلى بقاء وثبات .
وفي ظل ما يحدث من تغيرات في العالم العربي ومن تطورات في الأنظمة السياسة والاتجاه نحو الحرية والديمقراطية واسترداد الحقوق، وفي ظل ما يعيشه الكيان الصهيوني من مخاوف وتهديد وضعف داخلي وهشاشة وجودية ، وفي ظل ما تعانيه القوى العظمى من انهيارات اقتصادية واجتماعية وضعف للعدالة، فنحن كفلسطينيين يجب علينا أن نستغل لحظات التاريخ وأن نعمل على الاهتمام بأنفسنا ومداواة جراحاتنا واستغلال استعطاف العالم معنا ودعمهم لقضيتنا ونبذهم لأفعال الصهاينة وما تعانيه من عزلة ووحدة سياسية، فنسارع نحو إصلاح ذات البين في نزاعاتنا، وأن نلملم تشتتنا وتشرذمنا ونعمر بيتنا الداخلي الواحد بوحدة أهدافنا ومخططاتنا، وأن نحدد رؤيتنا السياسة والنضالية الواحدة، ونهيأ أجيالنا للمقاومة الحقيقية التي سترد الحقوق، وستزيد من احترام العالم لوجودنا .
يصر الكيان الصهيوني وأمريكا والرباعية على العودة للمفاوضات والبدء بها سريعا، ورفض حقيقة وجود دولة فلسطينية اعترف بها العالم واحترمها، بل وقع التهديد والوعيد الشديد على الفلسطينيين لتحذيرهم بعدم القيام بفعل لا يتناسب مع تطلعات الكيان الصهيوني وأحلامه في الوجود، تجهمت وجوه الصهاينة وأعوانهم عندما صفق العالم احتراما لكلمات الحق وللقضية العادلة، غضب الكيان الصهيوني وأظهر خفاياه وأحقاده التي بُطنت منذ سنوات عديدة بدعاوى وأوهام كاذبة لم تأتي للشعب الفلسطيني إلا بمزيد من العدوان والتهويد والاستيطان، إن ما سلطته ألسنة الصهاينة الحاقدة اتجاه الشعب الفلسطيني و قيادته يدلل على أن هذا الكيان ليس شريك لأحد ولا يحترم مواثيق ولا اتفاقيات ولا مفاوضات، فهو لا يريد إلا شريكا مفاوضا حسب ما يمليه هو من قرارات ومطالب، وما على الشريك الفلسطيني إلا أن يستمع وينفذ دون معارضة ولا نقاش، يريد شريك مفاوض يقوم بمهمة عسكرية أمنية تحقق له مصالحه وأمنه نيابة عنه، وتسلط يدها على أبناء الشعب الذين يجب أن يغلقوا أفواههم وأعينهم ولا ينطقوا بكلمة حق ولا عدل، يريد شريك يبني وجوده وكيانه على أراضي محددة محاطة بالمعسكرات والحواجز الصهيونية وأبنية الاستيطان، يريد شريك يطلب الإذن من سلطة الصهاينة في كل قراراته ومصالحه، يريد شريك لا يستقل اقتصاديا ولا سياسيا ولا حدوديا فلا استقلال في شيء، يريد شريك في حالة عصيانه لأمره يستطيع أن يؤدبه من خلال التحكم في حاجاته اليومية من مياه أو كهرباء ودخول وعبور أو غيرها، وهذا من الاستحالة نيله من أبناء شعب فلسطين، لذا مهما أصر الكيان الصهيوني وأعوانه على العودة للمفاوضات يجب عدم العودة والوثوق بهم من جديد، فهم يدعون للتفاوض تحت وعود وهمية وادعاءات وقف الاستيطان أو تجميده ، فالكيان الصهيوني لا يحمل في نواياه أي مصلحة للشعب الفلسطيني ، ولن يسعى على طاولته لإعطاء أي حق من حقوقه المسلوبة، فلماذا الإصرار على المفاوضات، وأي مفاوضات يريدون، وبماذا ستختلف عما سبقها طوال عشرون عام مضت، وماذا بقي ليفاوض عليه والحقوق واضحة بائنة .
إن الهلع الصهيوني وخوفه من وجود دولة فلسطينية تقبع على بعد أمتار قليلة من مساكنهم، وخوفهم أن يحقق الفلسطينيين وجودهم بين الأمم ويصبح لهم سلطة مستقلة حقيقية تقوم على ما تقوم عليه دول العالم وليست سلطة محتلة يلقي عليها الاحتلال سطوته وهيمنته، جعلت ذلك الكيان يسارع ويصر على العودة للمفاوضات ليس إلا لكسب الوقت وإعادة الوضع إلى الاضطراب والتيه، ومحاولة تنفيذ مشاريعهم ومخططاتهم دون رادع دولي ولا إنساني، محاولة ليهدأ الثوران الفلسطيني والغليان لأجل الانفجار ضد ذلك الكيان، محاولة لإحباط وتيئيس الشعب الفلسطيني بعدم وجود شيء له، محاولة لاختراع أو البحث عن طرق حديثة لاختراق الشعب الفلسطيني وتدمير بنيته كما نجح في تدمير وحدته، محاولة للتسريع في التهويد لكل شيء لتختفي باقي المعالم الفلسطينية، لذا فنحن في مرحلة سياسية حرجة، فرحنا كثيرا للدعم الدولي لنا والتصفيق المتكرر لقضيتنا رغم أن المطالبة كانت ناقصة عن الحقوق الحقيقية لتاريخ فلسطين، لكننا يجب أن نخاف ونحذر مما يمكن أن يُكاد بنا ويمرر علينا تحت أوهام المفاوضات ووعودها والتي لن يتحقق منها إلا ما يخالفها وضد مصلحة القضية والشعب الفلسطيني، فما حدث بالأمم المتحدة أثبت أن موقف القوة والحق هما ما يحققان الوجود والاحترام، فعندما نقاوم بكل الأشكال لأجل قضيتنا وحقوقنا، عندها ستزداد قوتنا واحترام وتصفيق العالم لنا ولقضيتنا .
آمال أبو خديجة .
|