New Page 1
محكمة سالم العسكرية والذكريات المؤلمة/ أماني حسام خضر
13/11/2011 22:50:00
مازالت تلك الرعشة تجتاحني, تسير في داخلي ببطء مميت يقتلني فأقتله...والنيران تشتعل هنا بسرعة هائلة ...كثيرة تناقضاتي, ولكن أكتر منها هي الأسئلة...
لماذا؟ماذا فعل ؟بل ماذا فعلنا.؟.. تغلبني حيرتي, تضعف عزيمتي... ثم أعود لألغي أسئلتي واضعة تحتها إجابة واحدة وحيدة بخط عريض واضح.... إنها ضريبة الحق...وما كانت ضريبة الحق يوماً هينة.
لم أره في تلك اللحظات..لم ألمح وجهه , كان يبعد عني بضعة أمتار...وضعوه في غرفة مغلقة معزولة لم يدخلوه إلى المحكمة, ولم يدخلوني...لكن بعض النسمات المحملة بعبق الشوق الممزوجة بطعم العزة ورائحة الأمل تسللت من تلك الغرفة إلى روحي, (لتعيد ملء رئتي) بذلك العزم الفلسطيني الذي لا يلين منقطع.
بدأ اليوم... انطلقنا صباحاً... مرت ساعة ...وما إن اقتربت من محكمة سالم (بالقرب من جنين)حتى أخذت تلك الذكريات الأليمة تعيد تجسيد ذاتها دفعة واحدة أمامي بطريقة تدفع بي إلى الجنون...نعم لقد تذكرت عندما أتيت إلى هنا أول مرة.. قبل ثماني سنوات...لم أستطع أن أمنع تلك الذكريات من إزالة ستائر النسيان التي لم تكن قد غطتها بالكامل...
كان كل شيء يوحي لك أنك صغير...أصغر من نملة...كانت الجدران شاهقة العلو, وتعلوها أسلاك شائكة كغربتي... كان الهواء مليئاً بحزن غريب لم افهمه...كان الصمت هو سيد الموقف... كان إذلالنا هدفهم وتحطيم معنوياتنا غايتهم...
دخلنا عبر بوابات المحكمة الشائكة الضخمة, كان الجنود منتشرين في كل مكان كمن يستعد للحرب بأفضل عدة...كانت الشمس متوهجة حارقة...والهواء كان جافاً ملتهباً يلفح الوجوه.
دخلنا عدة أبواب متتالية, ثم أدخلونا فرادى إلى غرفة ذات باب حديدي سميك ..جاء دوري...كنت كمن يدخل للمجهول, فُتح الباب, دخلت, كانت غرفة تخلو من الملامح, مربعة فارغة قاتمة الألوان... تتوسطها آلة تفتيش, وفي نهايتها البعيدة شبك يليه زجاج, يجلس خلفه جندي صغير, ويتحدث معك بلهجة فوقية مريرة, تحرك فيك كل الغضب الدفين...يصرخ, ينادي, ويدعك تمر من تحت ذلك الإطار المعدني ..إذا أضاء لك بالضوء الأخضر تتأهل للمرحلة القادمة, وتتجاوز هذه الغرفة وإلا .... فالإجابة معروفة.
تجاوزت هذه الغرفة, وانتقلت إلى ساحة لن أنسى ملامحها..هناك كثير من الكراسي الحديدية الصدئة, وكانت مسقوفة بحديد, ومحاطة بسور عالٍ تعلوه أسلاك شائكة ,بين الأسلاك والتقائها بالسقف هناك شق يدخل الضوء وقليلاً من الهواء وزقزقة العصافير...وهذا ما هون انتظاري.
كانت هناك وجوه كثيرة حفرت عليها ملامح الشقاء..معظمهم كبار في السن وأطفال "انتظرنا طويلاً" كل منا كان ينظر لوجوه الآخرين, وكأنه يقرأ قصتهم, أو يشعر بمعاناتهم عن بعد,مرت ساعات الانتظار ببطء رتيب يحطم الأعصاب, ثم جاء الجندي ليكسر بصوته صمت الانتظار, وبدأ يقرأ أسماء الأسرى, وعندما سمعنا اسم أبي بعد سماع عدد كبير من أسماء الأسرى, ذهبنا إلى غرفة جديدة نظروا إلى الهوية, وتأكدوا من صلة القرابة, وثم انتقلنا إلى غرفة جديدة, وهي غرفة التفتيش كانت مجندة صغيرة أيضاً, ربما كانت من عمري تمسك سلاحاً وتصرخ!! كان صوتها عالياًٍ مستفزاً دخلت غرفة صغيرة جداً ولها ستارة _لا باب لها_طلبت مني أن اخلع الحجاب عن راسي, وأخذت تفتش شعري, ثم طلبت مني أو بالأحرى أمرتني وأجبرتني أن أخلع ملابسي, قلت لها لا أريد, قالت بلهجة مكسرة_ممنوع!! اشلخ
قلت لها لكن الغرفة غير مغلقة جيداً فلا يفصلني عن الآخرين سوى هذه الستارة , قلت لها أن تمسكها بإحكام وفوجئت بأنها في النهاية أجبرتني على نزع ملابسي كلها وأخذت تلمسني بطريقة مذله وبعد ذلك خرجت...
ارتديت ملابسي, ثم خرجت من الغرفة,توجهت إلى درج "نزلت الدرج" وجدت عمي وأختي في انتظاري وكانت الدموع تملأ عيني عندها,لم احتمل كل هذا الذل...
كانت هناك ساحة أخرى انتظرنا...وانتظرنا إلى أن مل منا انتظارنا, وبعد أكثر من ساعتين نادانا المحامي قائلاً انأ آسف لن تتمكنوا من الدخول, فقد حكموا أبوكم غيابياً مع أنه كان يجلس في الغرفة المقابلة لنا..لم يدخلوه إلى قاعة المحكمة ولم يدخلونا!!
حُكم ستة أشهر(إداري)....وهكذا انتهت رحلتنا...عدنا من حيث أتينا نحمل في قلوبنا كثيراً من الألم ونروي أحاديث لاتنتهي عن الوطن والقهر والسجون..
محكمة سالم العسكرية
1)
عهد بني عودة |
قال الحق سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز : "إن مع العسر يسرا"
حسبناالله و نعم الوكيل .... |
|
2)
رجائي حجي |
الله ينتقم منهم والفرج قريب ان شاء الله |
|
|