New Page 1
حفريات في جسد عربي
04/07/2009 10:13:00
حفريات في جسد عربي
مختار اللغماني
- 1
لا تهدر حلمي باسم الله
وباسم الدين
وباسم القانون
ولا تذبح قلمي
" كلماتك حمرا " قال..
فما لون دمي؟ !
إنّي أشهد بحمام العالم
بالزيتون المطعون
وبالبحر المسجون
وبالدنيا
وأنا أعرف ليس على الدنيا أحلى أو أغلى من هذي الدنيا
أشهد أنّي عربيّ حتّى آخر نبض في عرقي
عربيّ صوتي
عربيّ عشقي
عربي ضحكي وبكائي
عربي في رغباتي الممنوعة في أهوائي
عربي فيما أشعر
عربي فيما أكتب
لكن العالم أرحب
لكن العالم أرحب!
-2-
عربيّ وأبو ذرّ جدّي
حين يطول اللّيل ويدهمني حزني
وأنا طفل معلول
يبسم لي ويقول:
" يا ابني
وسّد قلق اللّيل إلى حضني ! "
أتدثّر بين عباءته
أتدفّأ عند سماحته
أتوسّده
يتوسّدني
ويهدهدني
وأقول له:
" علّمني الفرحة يا جدّي
أمنح إسمك من عندي ! "
فيعلّمني ويعلّمني ويعلّمني
ويصير لقانا في " الرّبذة " (1)
أجمل من كلّ كراسي العفن!!
- 3-
عربي والحلاّج أبي
في يوم مجروح بالأمطار
كان الجلاّدون يقودونه موثوقا نحو النّار
كم كان جميلا في جبّته
كم كان عظيما في هيبته
كنت أنا في الساحة صحت :
" لمن تتركني يا حلاّج "
والمطر الغاضب لم يفلح في تحريك الأمواج
والبحر سيبقى بعدك مسجونا محزونا ! "
نظر إليّ بغضب الواله . كان غضبه حنونا
قال :
" أتبكي
هل علّمتك أن تبكي
إنّي يا ولدي أدفع روحي والجبّة حطبا آخر للنّار المشتعلة
روحي والجبّة بين يديك
لا تبك ولا تهرب وافتح في ناري عينيك
وتعلّم أنّ النّار تعيش على حطب الفقراء
حتّى تترعرع يوما تتغذّى فيه بحطب القتلة ! "
صحت به :
" معك الله سيأمرها كوني بردا وسلاما ! "
قال :
" يا ولدي : لا يخدعك الأمل الكاذب لا تحمل
من أجل العشق سلاحك أوهاما
تعرف يا ولدي أنّ الجبّة آخر حصن للرّبّ
تدفّأ فيها أعواما .
تعرف يا ولدي أنّ الرّبّ الآن سيحرق في الجبّة..
أو فانظر..انظر فوق الغصن هناك إلى الرّكن
الأيسر في الساحة
ذاك العصفور المقرور تساقط منه الريش وكسّر
صيّاد في البرد جناحه
بعد قليل يذبحه جنديّ حرّاسه
خذه يا ولدي واطعمه حبّة قمح وامسح بالزيت
على رأسه وأطلقه نهار تعود الشمس وتورق
أغصان الأشجار فذاك هو الرّبّ وإنّي
أسمع في الروح نواحه ! !
- 4 -
عربيّ وأبو نوّاس الملعون المغبون نديمي
في أيّام الغربة ندخل كلّ مساء بارا شعبيّا
نشرب نشرب نشرب حتّى يصبح " رأس الدّيك حمارا
وحشيّا "
نتسكّع في ماخور مدينتنا و" تزقّ " علينا الأطيار
بباب البحر
ونغافل شرطيّا في نهج الحرّيّة
لنبول على الأرصفة الحجريّة
ونغنّي أغنية شعبيّة
ونقول الشّعر
وندين الكتب الصفراء وشعر التحنيط ومن يقفون
على الأطلال بكاء لا يمنح خبزا لرعيّة
كان أبو نوّاس يقول :
" ما أكذب هذا التاريخ
يبقى منه الوجه الزائف والوجه الآخر للتفسيخ ! "
قلت له يوما :
" لكن على عهد خليفتكم هارون فما وجه العالم
ولقد كان الخلف الصالح والسّيف العادل
والحاكم ونهار يسير من القصر إلى السوق على
فرس أبجر كان الجمهور يصيح ليحيا هارون ! "
قال :
" ما كان يصيح سوى تجّار السّوق
والمحترف مغازلة البوق
وخليفتنا لم يفتح شبرا من أرض الله ولكن
الفاتح جيش الفقراء
وخليفتنا لم يفتح غير دكّان الخمر صباح مساء
وخليفتنا لم يفتح غير سجون !
تسألني عن هارون :
هارون هو القصر وحرس القصر وخصيان القصر
وجواريه والمدّاحون
هارون هو السيف المشرع في يد جلاّد يدعى
" مسرور"
فالضاحك في الشّارع دمه مهدور
والهامس في الشّارع دمه مهدور ! ! "
في الفجر أبو نوّاس يودّعني وهو يغنّي وغنائه
دوما محزون
" لئن عمرت دور بمن لا أحبّهم
لقد عمرت ممّن أحبّ السجون "
- 5-
عربي فاجأني يوما غيفارا
لم يطرق بابي لم يستأذن حرّاس حدود في حمل العشق
المستورد
كالطائر يرحل عبر فصول العام وحيث يرى الشمس يغرّد
غيفارا عصفور شمسي المولد
غيفارا عصفور كسّر بيضته ومدّ جناحيه نحو الشمس
غيفارا عصفور يسقط كلّ الأنساب الدينيّة أو أنساب الجنس
غيفارا عصفور يحمل غصن الزّيتون بمنقاره وعلى الجبهة
نسب العشّاق
غيفارا عصفور يعرف حزن النفط العربي ووجع الصحراء
غيفارا عصفور حين يجوع معي في الرّبع الخالي ألقاه
عربي الأمعاء
غيفارا عصفور يبحث في الرّبع الخالي عن قطرة ماء
غيفارا علّمني ذات مساء :
" كن عربيّا فيما تشعر
كن عربيّا فيما تكتب
|