أنا ما تشاء: أنا الحقير
|
صبّاغ أحذية الغزاة , وبائع الدم والضمير
|
للظالمين . أنا الغراب
|
يقتات من جثث الفراخ . أنا الدمار, أنا الخراب؟
|
شفة البغيّ أعفّ من قلبي, وأجنحة الذباب
|
أنقى و أدفأ من يدي. كما تشاء... أنا الحقير
|
لكن لي من مقلتي - إذا تتبعتا خطاك
|
وتقرتا قسمات وجهك وارتعاشك - إبرتين
|
ستنسجان لك الشراك
|
وحواشي الكفن الملطخ بالدماء, وجمرتين
|
تروعان رؤاك إن لم تحرقاك
|
وتحول دونهما ودونك بين كفيّ الجريدة
|
فتندّ آهتك المديدة
|
وتقول: "أصبح لا يراني"... بيد أن دمي يراك
|
إني أحسّك في الهواء وفي عيون القارئين
|
لم يقرأون: لأن تونس تستفيق على النضال؟
|
ولأن ثوار الجزائر ينسجون من الرمال
|
ومن العواصف والسيول ومن لهاث الجائعين
|
كفن الطغاة ؟ وما تزال قذائف المتطوعين
|
يصفرن في غسق القنال؟
|
لم يقرأون وينظرون إليّ حينا بعد حين
|
كالشامتين ؟
|
سيعلمون من الذي هو في ضلال
|
...ولأيّنا صدأ القيود... لأينا صدأ القيود
|
...لأيّنا
***
|
نهض الحقير
|
.وسأقتفيه فما يفرّ, سأقتفيه إلى السعير
|
أنا ما تشاء : أنا اللئيم, أنا الغبيّ, أنا الحقود
|
.لكنّما أنا ما أريد : أنا القويّ, أنا القدير
|
أنا حامل الأغلال في نفسي, أقيد من أشاء
|
بمثلهنّ من الحديد, وأستبيح من الخدود
|
.ومن الجباه أعزهن. أنا المصير, أنا القضاء
|
الحقد كالتنور في : إذا تلهّب بالوقود
|
الحبر و القرطاس- أطفأ في وجوه الأمّهات-
|
.تنورهنّ, و أوقف الدم عن ثدي المرضعات
|
في البدء كان يطيف بي شبح يقال له: الضمير
|
.أنا منه مثل اللص يسمع وقع أقدام الخفير
|
شبح تنفّس ثمّ مات
|
.واللص عاد هو الخفير
|
في البدء لم أك في الصراع سوى أجير
|
كالبائعات حليبهنّ, كما تؤجّر- للبكاء
|
.ولندب موتى غير موتاهنّ- في الهند النساء
|
قد أمعن الباكي على مضض, فعاد هو البكاء
***
|
الخوف و الدم و الصغّار. فأي شيء أرتجيه؟
|
فعلى يديّ دم و في أذنيّ وهوهة الدماء
|
وبمقلتيّ دم, و للدم في فمي طعم كريه
|
أثقل ضميرك بالآثام فلا يحاسبك الضمير
|
.وانس الجريمة بالجريمة و الضحية بالضحايا
|
لا تمسح الدم عن يديك فلا تراه و تستطير
|
لفرط رعبك أو لفرط أساك .. و احتضن الخطايا
|
.بأشدّ ما وسع احتضان تنج من وخز الخطايا
***
|
قوتي و قوت بني لحم آدمي أو عظام
|
فليحقدن علي كالحمم المستعرة, الأنام
|
كي لا يكونوا إخوة لي آنذاك, ولا أكون
|
وريث قابيل اللعين, سيسألون
|
عن القتيل فلا أقول
|
أأنا الموكل, ويلكم بأخي؟" فإن المخبرين"
|
بالآخرين موكّلون
***
|
سحقا لهذا الكون أجمع و ليحلّ به الدمار
|
مالي وما للناس؟ لست أبا لكل الجائعين
|
وأريد أن أروى وأشيع من طوى كالآخرين
|
فلينزلوا بي ما استطاعوا من سباب و احتقار
|
لي حفنة القمح التي بيدي و دانية السنين
|
خمس و أكثر.. أو أقل- هي الربيع من الحياة-
|
فليحلموا هم بالغد الموهوم يبعث في الفلاة
|
روح النماء, وبالبيادر وانتصار الكادحين
|
.فليحملوا إن كانت الأحلام تشبع من يجوع
|
إني سأحيا رجاء ولا اشتياق ولا نزوع
|
لا شيء غير الرعب و القلق الممض على المصير
|
ساء المصير
|
ربّاه إن الموت أهون من ترقّبه المرير
|
:ساء المصير
|
لم كنت أحقر ما يكون عليه إنسان حقير؟
|