New Page 1
الخيميائي/ المؤلف باولو كويلو
17/01/2010 17:04:00
الخيميائي رواية للكاتب باولو كويلهو. نشرت في البرازيل عام 1988. و هي الثانية للكاتب و تعتبر الأبرز بين رواياته. رواية تغوص في أعماق النفس البشرية، تدعو الرواية القارىء إلى ملاحقة أحلامه. وتدور أحداثها بين كل من أسبانيا و المغرب و مصر. تتلخص الفكرة لهذه الرواية في مقولة قالها أحد شخصياتها : " إذا رغبت في شئ ، فان العالم كله يطاوعك لتحقيق رغبتك ".
راع أندلسي اسمه " سانتياغو " ، مضى في البحث عن حلمه المتمثل بكنز مدفون قرب أهرامات مصر . بدأت رحلته من أسبانيا عندما التقى الملك "ملكي صادق" الذي أخبره عن الكنز. عبر مضيق جبل طارق ، مارا بالمغرب ، حتى بلغ مصر و كانت تواجهه طوال الرحلة إشارات غيبية. و في طريقه للعثور على كنزه الحلم، أحداث كثيرة تقع، كل حدث منها استحال عقبة تكاد تمنعه من متابعة رحلته، إلى أن يجد الوسيلة التي تساعده على تجاوز هذه العقبة. يسلب مرتين، يعمل في متجر للبلور، يرافق رجلا انجليزيا ( يريد أن يصبح خيميائياً ) ، يبحث عن أسطورته الشخصية، يشهد حروبا تدور رحاها بين القبائل ، إلى أن يلتقي " الخيميائي " عارف الأسرار العظيمة الذي يحثه على المضي نحو كنزه. في الوقت نفسه يلتقي " فاطمة " حبه الكبير. يقول سانتياغو إلى فاطمة وهى (إن كثبان الرمال في الصحراء تتغير بفعل الرياح أما الصحراء تبقى كما هى هكذا يكون حبنا(، فيعتمل في داخله صراع بين البقاء إلى جانب حبيبته، و متابعة الرحلة بحثا عن الكنز. أرى ان هذه الرواية بمثابة الدليل الروحي الذي يدل الانسان للوصول لمبتغاه في هذه الحياة ، فلا شيء يحدث في هذه الدنيا مصادفة انما هو دليل او إشارة كما اسماها الخيميائي اذا اخذها الانسان بجد وفعل فكره في سبب حدوثها فسوف تساعده على ايجاد دربه لتحقيق امنياته في الحياة ولكن الكثير منا تمر عليه هذه الاشارات مرور عابر على اساس انها صدفة ليس الا,كما ان الاصرار والتصميم على فعل امر ما يعتمد على المثابرة وعدم اليأس كلص الرواية الذي تعلم منه المتصوف حسن ، كما ان الرواية تعكس فكرة الحب من أول نظرة من خلال تخاطب لغة العيون "سانتياغو و فاطمة" .كما ان رواية الخيميائي تعطيك فرصة سياحية تجول من خلالها وتتعرف على بعض معالم وعادات وتقاليد شعوب اسبانيا والمغرب ومصر وبعض من أسرار وجمال وخطورة الصحراء.
عن الرواية:
سوف أستعرض في هذه المدونة – إن شاء الله – كل أعمال باولو كويلو, وبالرغم من أني كنت قد قررت أن يكون استعراضي لأعماله مرتباً حسب تاريخ نشرها, إلا أني قررت أيضاً أن يكون أول عمل أستعرضه له هو أكثر أعماله شهرة؛ رواية "الخيميائي".
"الخيميائي" رواية عن راعي أندلسي يسافر طلباً لكنز مدفون في مكان قريب من الأهرامات الفرعونية, يقابل الراعي العديد من الأشخاص الذين يساعدونه, أو يلهمونه, أو يقفون ضده, في طريقه للكنز. ويواجه الراعي أيضاً الكثير من المواقف الصعبة, والأفكار المحيرة, واللحظات التي تتطلب شجاعة, واللحظات التي تتطلب بصيرة.
رواية مغرقة في البساطة والحكمة .. كعادة كل روايات باولو كويلو ..
باولو كويلو أديب برازيلي ولِد في مدينة ريّّو دي جانيرو عام 1947, له روايات عديدة ناجحة, وقبل أن يكون روائياً, كان مخرجاً مسرحياً, وممثلاً, وكاتب أغاني, وكاتب صحفي؛ لكنه قرر في النهاية أن يكرّس حياته للأدب.
واجهت رواية "الخيميائي" فشلاً في البداية؛ فلم يوزع منها في أول الأمر سوى 900 نسخة, بل إن الناشر اعتبرها عملاً فاشلاً لدرجة أنه أعاد لكويلو حقوق النشر, بعد ذلك نشر كويلو الرواية عند ناشر أخر لتصبح الرواية حينها الرواية الأكثر مبيعاً في الأدب البرازيلي في القرن العشرين, وتتصدر قائمة الأكثر مبيعات في ثمانية عشرة دولة, ويباع منها فوق الأربعين مليون نسخة في مئة وخمسون دولة, وتترجم لأكثر من ست وخمسون لغة, حتى أنه في عام 2003 ( بعد خمسة عشر عام من نشر الرواية ) كان ترتيب الرواية السادس على العالم في مستوى المبيعات.
ورغم أنه عادة يشار لرواية "الخيميائي" بأنها ثاني أعمال باولو كويلو بعد "حاج كومبوستيلا", إلا أنها في الحقيقة رابع عمل له؛ فالعمل الأول له كان (أرشيف الجحيم)؛ وهو العمل الذي نفذت طبعته الأولى ولم تعاد طباعته حتى الآن, وقد قال كويلو في أحد المقابلات أنه فخور جداً بهذا العمل, وسوف يعيد طباعته في الوقت المناسب. أما بالنسبة للعمل الثاني ( الدليل العملي للفامبيرية ) فقد سُحب لأنه بدا لكويلو أن العمل لم ينجح في إيصال الفكرة المنشودة.
المكان الذي تبدأ منه رواية "الخيميائي" هو في جنوب أسبانيا, في سهول الأندلس, بالقرب من مدينة "طريفا" الواقعة عند مضيق جبل طارق, والتي لا يفصلها عن مدينة "طنجة" المغربية سوى 14 كيلو متر, والوقت, الذي تأخذ الرواية فيه مجراها, هو في أوائل القرن العشرين, أو أواخر القرن التاسع عشر؛ ورغم أن زمن رواية, عموماً, غير واضح فيها, إلا أننا نستطيع القطع بهذا الوقت؛ لأننا في بداية الرواية نرى خيميائياً يقرأ قصة " التابع" ( The Disciple ) للأديب الأيرلندي "أوسكار وايلد".
وقصة وايلد هذه عبارة عن تعديل على أسطورة نرسيس (نرجس) الشهيرة؛ فالأسطورة تقول أن نرسيس أٌخذ بجماله, وكان يتأمل نفسه في البحيرة كل يوم, حتى سقط في البحيرة ومات غرقا. لكن أوسكار وايلد يستطرد بعد هذه النهاية, ويقول بأنه بعد وفاة نرسيس تنزل ربات الغابات لتسأل البحيرة عن جماله, لكن البحيرة تقول أنها لا تعلم عن جماله شيئاً؛ فهي كانت تنظر لجمالها هي في عينيه. في الحقيقة أنه اقتباس رائع جداً من كويلو, وقد ألقى هذا الاقتباس بظلاله على فكرة الرواية, حتى أن أحد دور النشر قد جعلت لوحة "نرسيس" للرسام الإيطالي "كارافاغو" غلافاً لرواية الخيميائي.
وفكرة الرواية هي كالتالي:
فكرة الرواية تقوم على مبدأ ( الوحدانية ), فكل الأشياء هي تجليات لشيء واحد؛ وكل الكون خلقته ذات الذات, وبالمثل, فإن كل ما نقوم به في حياتنا هو للقيام بشيء واحد, ولإنجاز مهمة واحدة, وتضيف الرواية, أن أيضاً ما نتمناه ونرغب به هو جزء أصيل من هذا الكون ووحدته.
الكون كائن حي, له روح, وفيه حياة, هذه الروح تتغذى على سعادة البشر ( وأحياناً على تعاستهم ), ومن ( روح الكون ) يتولّد ما تسميه الرواية ( ألأسطورة الشخصية ).
الأسطورة الشخصية هي الواجب الوحيد المفروض على كل شخص, أي مهمته في الحياة, ودائما ما تصير هذه المهمة هي حلم وطموح الإنسان, ودائما ما تراود الإنسان رغبة عارمة وقوية لتأدية هذه المهمة التي جاء من اجلها, وعندما تتملك الإنسان رغبة قوية لتحقيق هذه الأسطورة الشخصية فإن الكون كله يطاوعه لتحقيقها؛ ذلك لأن الكون يتغذى على سعادة البشر, وأيضاً لأن هذه المهمة هي جزء أساسي من الكون, انبعثت من روحه.
ومن أهم أشكال مطاوعة الكون للإنسان في تحقيقه أسطورته الشخصية هي ( المبدأ الملائم)؛ فلأن الكون يريدنا أن نحقق أسطورتنا الشخصية فهو يعمد لأن يجعل (الحظ) بجانبنا في أول الأمر.
كي نعرف ما هي المهمة التي جئنا من أجلها, وكيف نؤديها, يجب أن نصغي للغة الكون, والكون يتحدث بالإشارات, والإشارات هذه تحدث أمامنا على هيئة ما اعتدنا أن نسميه (حظ) أو ( مصادفة), هذه الإشارات هي طريقة الله – حسب وصف الرواية – في إخبارنا بالطريق الذي يجب أن نسلكه, حتى تتعلم لغة الإشارات الكونية يجب أن تتطور حدسك وتثق فيه, وكي تتطور حدسك يجب أن لا تخاف من ارتكاب الأخطاء, ويجب أن تعرف أن لكل شيء معنى ومقصد.
أيضا تقدم الرواية بعض الأفكار الخيميائية القريبة من الأفكار السابقة, ففي علم الخيمياء هناك مصطلح ( روح العالم ), ويقصد به المبدأ الذي يحرك كل شيء, وهو قائم على تحول الأشياء وتغيرها من شكل لأخر, وهو دائماً ما يعمل لصالح الإنسان, ويقترب الإنسان من روح العالم كلما تزايدت رغبته بشيء ما, ونستطيع إدراك روح العالم من خلال لغة الإشارات أيضاً, وهي هنا تسمى (لغة العالم), اكتشاف مبدأ (روح العالم) سمي بــ ( الإنجاز العظيم ) وهو اكتشاف خيميائي مكون من جزأين, أحدهم سائل وهو ( إكسير الحياة), والأخر صلب وهو ( حجر الفلاسفة).
دائما ما نجد نزعة روحية, وصوفية, وأحيانا باراسيكولوجية, في روايات كويلو, وهذا هو طبع كتابات كويلو, وهذا أحد أسرار نجاحه, فأحيانا يحتاج القراء من يعيد المعنى لوجودهم, ويخبرهم أن لحياتهم هدف, وأن عبثية وبرود الحضارة الحالية ليست نهاية المطاف. أيضاً يشتهر كويلو ببساطة أسلوبه الشديدة وببساطة مفرداته, تلك البساطة التي يرافقها دائماً عمق غير عادي في الطرح, ومن ما يتصف به أسلوب كويلو, هو انه لا يصف كثيراً البيئة البرازيلية, وربما يعود ذلك لكونه رجل يحب السفر؛ لذلك يهتم بوصف المكان الذي ذهب إليه أكثر من اهتمامه بوصف المكان الذي جاء منه, ويذكر أنه من أهم أسباب شهرة رواية "الخيميائي" عالميا هو سحر الشرق الموجود في الرواية, وعزز كويلو هذا السحر باستعراضه بعض أوجه التراث العربي والثقافة الإسلامية في الرواية.
من الشخصيات التي جاءت في الرواية هي شخصية "ملكي صادق" وهو رجل عجوز يقول أنه ملك منطقة أسمها "سالم", يتضح من الأحداث أنه كائن فوق طبيعي, فهو يعرف الأسرار والسرائر, لكن كينونته لا تتضح تماما في الرواية, مهمة "ملكي صادق" هي مساعدة الناس الذين يكونون على وشك العدول عن الجِد خلف أسطورتهم الشخصية, وهو يظهر للكل في هيئات وصور مختلفة. في الحقيقة "ملكي صادق" هو اسم ملك ورد ذكره في التوراة وذكر أيضاً بأنه " ملك سالم ", و"سالم" اسم قديم للقدس, وقد كان "ملكي صادق" ملك لها في عهد النبي إبراهيم عليه السلام. في الحقيقة لم أجد أي ارتباط بين الشخصية التاريخية والشخصية الموجودة في الرواية.
أن أكثر ما يميز رواية "الخيميائي" هو بساطة المواقف التي ترافقها دلالات عميقة, وهو ما يجعلني أبالغ نوعا ما, وأعتقد أن رواية "الخيميائي" كتبت بفكرتها, أعنى أن الرواية نفسها التي قدمت فكرة الإشارات الكونية, تحمل نفسها إشارات - تظهر في مواقف أو شخصيات أو جُمّّل - قد تبدو للبعض هامشية, وطفولية, وبلا أي معنى, وقد تبدو للبعض الأخر أنها دلالات مهمة, ومعاني عميقة, وإضاءات ضرورية, تماماً مثل الإشارات الكونية التي تحدثت عنها الرواية, وكأن باولو كويلو مبرمج قرر أن يكتب كتاب عن التشفير فكتب الكتاب مشفراً؛ فيكون الكتاب بهذه الطريقة كتب بفكرته.
***
هذه المرة الأولى التي اكتب فيها عن رواية قرأتها وأعجبتني إلى درجة أني أتمنى لو أجد الوقت المناسب لقراءتها من جديد أو ان استطيع توزيعها لكل الناس منتظرة آرائهم .
رغم عشقي للروايات الرومانسية إلا أنني وجدت في هذه الرواية طعم آخر حملني معه إلى احلامي التي قطعت الامل من تحقيقها بشكل نهائي .
بعد انتهائك من هذه الرواية ستحس بأنك أقل درجة من هذا الراعي البسيط الذي قطع الطرق واجتاز الصحراء في سبيل تحقيق أسطورته الشخصية كما سماها الشيخ العجوز .
التقى خلال رحلته بثلاث أشخاص اثروا به كما أثروا بي………….
الشخصية الأولى : الشيخ عندما يصمم المرء على تحقيق شيء ما، فإن العالم كله يتضافر في صالحه .
الشخصية الثانية :فاطمة ولسوف ترسل له قبلاتها عبر الأثير آملة أن تلامس وجهه وتخبره بأنها على قيد الحياة، وأنها بانتظاره، كامرأة تنتظر رجلاً جسوراً يتابع طريقه بحثاً عن الكنوز والأحلام .
الشخصية الثالثة : الخيميائي إن الخوف من العذاب أسوأ من العذاب نفسه، وليس هناك من قلب يتعّذب عندما يتبع أحلامه، لأن كل لحظة من البحث هي لحظة لقاء مع الله و الخلود .
وأخيرا اتبع قلبك اتبع العلامات فكل شيء في هذا الكون خلق لخدمتك أنت، ولا تنس أن كل إنسان خلق مع أسطورته الشخصية التي عليه أن يسعى لتحقيقها.
لم يكن الشاب يعرف ماكان العجوز يقصد بقوله: " أسطورة شخصية " .
- هي ماكنت دائماً تتمنى أن تفعل، فكل واحد منا يعرف ماهي أسطورته الشخصية وهو في ريعان شبابه، في هذه الفترة من الحياة، يكون كل شيء واضحاً، كل شيء ممكناً، ولا يخاف المرء من أن يحلم أو يتمنى مايحب أن يفعله في حياته. وكلما جرى الوقت، فإن قوى خفيّة تنشط لإثبات استحالة تحقيق الأسطورة الشخصية.
لم يكن لقول العجوز أي معنى بالنسبة للراعي الشاب.
لكنه كان يريد معرفة ماهية هذه " القوى الخفية ". إن ابنة التاجر ستبقى فاغرة فاها !
- إنها قوى قد تبدو سيئة، ولكنها في الواقع هي تلك التي تعلّمك كيف تحقق أسطورتك الشخصية، إنها هي التي تعد عقلك، وإرادتك لأن هناك حقيقة كبرى في هذا العالم:
" فأياً كنت، وأيّ شيء فعلت، فإنك عندما تريد شيئاً بالفعل، فهذا يعني أن هذه الرغبة قد ولدت في " النفس الكليّة " ، وأنها رسالتك على الأرض . "
- حتى لو كانت الرغبة فقط هي رغبة في الترحال ؟ أو في الزواج من ابنة تاجر أقمشة؟
- أو البحث عن الكنز، فإن النفس الكليّة تتغذى من سعادة الناس أو من شقائهم، من الرغبة، من الغيرة، وإنجاز الأسطورة الشخصية هو الالتزام الأول والأوحد للناس، وكل شيء ليس إلا شيئاً واحداً.
" وعندما تريد شيئاً ما، فإن الكون بأسره يتضافر ليوفر لك تحقيق رغبتك " .
احتفظا بالصمت للحظة، راقبا فيها الساحة والمارّة، وكان العجوز هو المبادر في إعادة فتح الحديث:
- لماذا ترعى الغنم؟
- لأنني أحب الترحال.
أشار العجوز إلى بائع البوشار بعربته الحمراء في إحدى زوايا الساحة وقال:
- هذا الرجل أيضاً كان دائماً يريد الترحال عندما كان طفلاً، لكنّه فضّل شراء عربة صغيرة ليبيع البوشار ويجمع المال طيلة سنين عديدة، وعندما يصبح عجوزاً سيسافر ليمضي شهراً في إفريقية، إنه لم يدرك أبداً أن الانسان يمتلك القدرة لينفذ مايحلم به.
- كان عليه أن يكون راعياً ـ فكّر الشاب بصوتٍ عالٍ.
- لقد فكّر في ذلك ـ قال العجوز ـ لكن باعة البوشار ذوو شخصيات أكبرم ن تلك التي هم عليها الرعاة، فباعة البوشار لديهم بيوت تؤويهم، بينما الرعاة يناموت تحت النجوم، والناس يفضّلون تزويج بناتهم من باعة بوشار على تزويجهم من الرعاة.
شعر الراعي بغصّة في الصميم، وهو يفكّر بابنة التاجر، ففي المدينة حيث تعيش يوجد بالتأكيد بائع بوشار.
- وأخيراً ـ أردف العجوز ـ فإن مايفكّر به الناس عادة عن باعة البوشار وعن الرعاة يصبح لديهم أهم من الأسطورة الشخصية.
تصفّح العجوز الكتاب وتسلّى بقراءة صفحة منه، انتظر الراعي قليلاً ثم قاطعه بنفس الطريقة التي قوطع هو بها:
- لماذا قلت لي هذه الأشياء؟
- لأنك تحاول أن تعيش أسطورتك الشخصية، ولأنك على وشك العدول عنها.
- وأنت تظهر دائماً في هذه اللحظات؟
- ليس بهذا الشكل دائماً، لكنني لا أتخلّى عنه أبداً ... فمرة أظهر على شكل فكرة جديدة، أو كطريقة للتخلص من ورطة، ومرة اخرى أظهر في لحظة روحانية، أجعل فيها الاشياء سهلة المنال، وهكذا ... لكن أغلب الناس لا يلاحظون شيئاً.
روى أنه في الاسبوع الماضي، كان مجبراً على الظهور لأحد المنقبين على شكل حجر، فقد كان هذا الرجل قد تخلّى عن كل شيء، ورحل سعياً للحصول على الزمرد.
خمس سنوات عمل خلالها بتكسير الاحجار على طول أحد الأنهار، كان قد كسر خلالها تسعمائة وتسعاً وتسعين ألفاً وتسعمائة وتسعاً وتسعين حجراً، محالاً أن يجد زمردة، في تلك الأثناء فكّر بالتراجع، ولم يكن ينقصه عندئذٍ إلا حجر واحدة، ليكتشف زمردته، وبما أنه كان رجلاً دأب في الجد خلف أسطورته الشخصية، فقد قرر العجوز التدخل، فتحول إلى حجر تدحرجت عند أقدامه، وتحت وطأة غضبه واحساسه باستلابه خلال خمس سنوات ضاعت من عمره، قذف بتلك الحجر إلى البعيد، ورماها بقوة كبيرة جعلتها ترتطم بحجر أخرى، فتفتت لتكشف عن أجمل زمردة في العالم.
قال العجوز وفي عينيه شيء من المرارة:
- إن الناس يتعلّمون مبكراً مبرر حياتهم، وربما لهذا السبب نفسه أيضاً، يتخلّون عن عاجلاً عن المتابعة، لكن هكذا هي الدنيا.
تذكر الشاب حينئذٍ أن نقطة البداية بالنسبة للمحادثة التي دارت بينهما كانت الكنز المخبأ.
- لقد نُبشت الكنوز بفعل السيل الجاري ـ قال العجوزـ ودُفنت نتيجة ارتفاع مياه السيل نفسها، وان كنت تريد معرفة المزيد عن كنزك، عليك أن تتنازل عن عشر قطيعك.
- أفلا يمكن لعشر الكنز أن يفي بالأمر؟
بدا الشيخ خائباً:
- إذا وعدت بشيء لا تملكه بعد، فإنك ستفقد الرغبة في الحصول عليه.
قال له الراعي بأنه كان قد وعد الغجرية بعشر الكنز.
تأوه العجوز وصرخ:
- محتالون، على أية حال، انه لجميل أن تتعلم أن لكل شيء في الحياة ثمناً، وهذه هي الفكرة التي حاول مجاهدو عهد الأنوار تعليمها.
ثم أعاد الكتاب إلى الشاب قائلاً:
- غداً وفي مثل هذه الساعة تصحب لي عشر قطيعك، وسوف أرشدك كيف تجد كنزك بنجاح، هيّا عمت مساءً.
واختفى عبر إحدى زوايا الساحة.
حاول الشاب الرجوع إلى قرائته، لكنه لم يتمكّن من التركيز، فقد كان مضطرباً ومتوتراً، لأنه أدرك أن العجوز يقول الحقيقة، ذهب للبحث عن البائع المتجول، واشترى منه كيساً من البوشار متسائلاً في قرارة نفسه هي عليه أن يخبره بما قال العجوز.
من الأفضل أحياناً، أن نترك الأشياء كما هي عليه ـ فكّر دون أن يقول شيئاً، فلو تكلم لأمضى بائع البوشار ثلاثة أيام بالتفكير ليقرر إن كان سيتخلّى عن كل شيء، لكنه كان قد اعتاد العربة الصغيرة.
كان يستطيع أن يوفر عليه هذا الارتياب المؤلم، أخذ يهيم في المدينة، ونزل حتى الميناء، حيث يوجد مبنى كبير، ذو نوافذ خاصة، كان الناس يأتون لشراء بطاقات السفر منها مصر ... إنها توجد في إفريقية.
وهذا رابط التحميل لمن يريد قراءة الرواية ومشاركتي رأيه
أعمال أخرى لنفس المؤلف:
1 – الشيطان والآنسة بريم
2 – فيرونيكا تقرر أن تموت
3 – أحدى عشرة دقيقة
4 – الزهير
5 – ساحرة بورتوبيلا
*باولو كويلهو روائي و قاص برازيلي مواليد عام 1947
|