New Page 1
معارج الابداع .. ما لم ينشر من الكتابات الاولى للاديب الشهيد غسان كنفاني1951-1960/عدنان كنفاني
29/05/2010 10:18:00
على الرغم من أن غسّان كنفاني رحل في ريعان شبابه، وريعان إنتاجه الثقافي والوطني معاً، فإن ما خلّفه من التراث، في شقه الثقافي ــ على وجه الخصوص ــ حجز له مكاناً في الصف الأول من الخالدين في هذا الـمجال، على مدى الأجيال الفلسطينية كلّها. أمام هذا الـموقع: ما هي الجدوى التي يمكن أن تنتج عن نشر ما لـم ينشر من كتابات الشهيد الراحل، الذي تتوفر كتاباته الناضجة في كلّ اتجاه.
يمكن لـمن يطلع على هذا النشر، الذي أشرف عليه عدنان كنفاني، أن يجد مبرراً تقليدياً لـمثل هذا العمل، الذي تشير الجدية فيه إلى البعد عن التسويق، أو الاستفادة من شهرة الكاتب، لتركز على هدف واحد، هو استكمال أعماله بما أنتجه في شبابه، مما لـم يعرف لكثيرين، حتى تستكمل الصورة الثقافية للكاتب، منذ البدايات، حتى الأعمال التي لـم يسمح له الاغتيال الغادر بأن يستكملها.
في الكتاب قصص ومقالات، نعرف أن الكاتب الراحل كان يمارس نوعيها، إلى جانب ما مارسه بعد ذلك من روايات، افتتحها بروايته الشهيرة (رجال في الشمس)، التي استوحاها من تجربة العمل غير الطويلة في الكويت، كما استوحى غيرها من القصص والـمقالات أيضاً، حين كان كاتبا رئيسياً في الصحف التي سبقت رحيله من هناك، والتي توقفت بعد ذلك.
ما هو مخطوط من كتابات غسان كنفاني التي لـم تنشر هو عماد الكتاب، أما مصدره الثاني فهو ما نشر في الصحف، منذ مطلع خمسينيات القرن الـماضي، وهو فقط ما أتيح للناس الذين عاصروا الكاتب أن يقرأوا شيئاً منه، وأن يجيء هذا الكتاب ليذكرهم به، وبما كانوا يعرفونه منذ بداية التعرف إلى قلـمه: هو قلـم يبشر بموهبة كتابية وقومية عظيمة.
مع قراءة النصوص، التي يكتشف القارئ أنها تضمّ نسبة من الأشعار، لـم يعرف عن الكاتب أنه مارسها، سوف يتبين أمر لا بدّ أن يعيه كلّ ناقد، وكل كاتب شاب يبدأ الطريق الطويل إلى النضج الكتابي: هناك كثير من أخطاء الكتابة الأولى، لكن هناك كثيراً مما يوحي بوجود الـموهبة الأساسية التي تحتاج إلى مزيد من التجربة حتى تصل حدودها الـمقبولة، ومن الـموقف الفكري الذي يبشر بما سيكون عليه الكاتب، حين يصل مرحلة النضج التي تزعج أعداءه، فلا يترددون في القيام بعملهم الإرهابي ضده.
هناك أخطاء (قليلة) في اللغة، يكون مثلها في الواقع موضع حوار نقدي: هل يفترض إصلاحها قبل النشر، كما يحدث في العادة وكاتبها حي ومتقبل، أم تبقى على ما هي عليه، من أجل مزيد من الصدق في نقل الواقع؟ ولعلني أميل شخصياً إلى الإصلاح، لسببين بينين: الأول هو أن كلّ كتابة، في تقاليد العالـم الصحيحة، تحتاج إلى تحرير، والثاني، وهو الأكثر خطورة، هو أنه لا يجوز تثبيت الأخطاء، حتى تبدو كأنها صحيحة، حين تصل إلى القارئ مطبوعة، وتحت اسم لأديب كبير.
لكن الحكمة التي تستفاد من نشر البدايات التي لـم تنشر، لهذا الكاتب الذي أثّر في كلّ من كتب بعده، هي أن البداية لا تصل قمتها عند من سيكونون كباراً فيها، لأنها لا بدّ وأن تحمل بعض الأخطاء (أو حتى كثيراً منها)، كما تحمل شيئاً من الحماسة التي لا تناسب لغة القصّ، وبعض الأفكار الـمسبقة التي تقحم، وغير ذلك مما ينزلق إليه الشباب، ويتقلص مع التجربة.
كتابات غسان كنفاني التي نشرتها مؤسسة فلسطين للثقافة، مؤخراً، في كتاب (معارج الإبداع) تقدم نموذجاً لـما يمكن أن تكون عليه الكتابة في بداياتها الشابة، حتى تصل إلى ما ستكون عليه بعد ذلك، وهو نموذج من الحكمة أن يراه النقاد الذين يرعون أدب الشباب، بقدر ما يفعل الشباب أنفسهم أو أكثر.
الايام الفلسطينية
29/5/2010
|