New Page 1
كيف نمنع الانتفاضة الثالثة؟ رون بن يشاي – يديعوت احرنوت
04/02/2010 13:17:00
عملية المحادثات السياسية مع الفلسطينيين عالقة، حيث نشهد مكانها صراعاً عقيماً ومخجلاً بين أبو مازن، نتنياهو، وأوباما، إذ يحاول كل واحد منهم إلقاء ملف نسف المفاوضات على الآخرين، من أجل أن يحصل على نقاط لصالحه أمام الرأي العام الدولي. لكن الحقيقة هي أنه لا أحد من هؤلاء الثلاثة يتحمل مسؤولية الطريق المسدود الذي وصلت اليه العملية.
السبب الرئيس لغياب المفاوضات والاتفاق هو أن الشعب الفلسطيني منقسم اليوم إلى كيانين منفصلين: كيان في غزة تسيطر عليه "حماس"، وآخر في الضفة الغربية تسيطر عليه السلطة الفلسطينية وحركة "فتح". ويتعلق الأمر بكيانين يتمتعان ببرنامجين سياسيين وإجرائيين مختلفين، مع إيديولوجيا وأجندة سياسيتين متناقضتين.
ثمة لإسرائيل مجال للمحادثات مع حركة "فتح" برئاسة ابو مازن ومع رئيس الحكومة سلام فياض، بينما لا يوجد لإسرائيل ما يمكن أن تتحدث حوله مع حركة "حماس"، باستثناء الحديث حول استمرار فترة الهدوء مقابل الانسحاب من كامل الأراضي التي احتُلت سنة 1967. ونتيجة لذلك، حتى وإن أجرت إسرائيل مفاوضات مع ابو مازن وتوصلت معه إلى اتفاق، فلن يكون ممكناً تطبيق هذا الاتفاق ولن يشمل كل الشعب الفلسطيني.
هكذا على سبيل المثال موضوع الأراضي التي ستكون إسرائيل مستعدة وقادرة على التنازل عنها لصالح الفلسطينيين مقابل موافقة ابو مازن على ضم الكتل الاستيطانية الكبيرة في الضفة الغربية. فغالبية هذه الأراضي ملاصقة لقطاع غزة، ولذلك طالما بقيت "حماس" تسيطر على القطاع وطالما لم تغير "حماس" جوهرياً ايديولوجيتها، لن يكون في مقدور إسرائيل نقلها إلى السيطرة الفلسطينية، لأنه في هذه الحال سيكون في وسع "حماس"، التي ستحصل على هذه المناطق، أن تستخدمها لإطلاق الصواريخ على مناطق أوسع من السابق.
بصور مشابهة، حتى لو طرح أبو مازن، الاتفاق الذي سيتم التوصل إليه مع إسرائيل، للاستفتاء عليه من قبل الشعب الفلسطيني، وحتى لو حصل على أغلبية ساحقة في الضفة، فستهتم "حماس" بأن يُعرب سكان غزة عن معارضتهم الجارفة له، الأمر الذي سيتيح للحركة الادعاء أن الاتفاق لم يحصل على الشرعية المطلوبة التي تتيح تنفيذه وتطبيقه على الأرض.
وعليه، حتى لو تم التوصل إلى اتفاق، ستواصل "حماس" الكفاح المسلح من قطاع غزة وستواصل محاولة تقويض الاستقرار في الضفة بواسطة العمليات والمناورات السياسية من أجل أن تتمكن في نهاية المطاف من السيطرة على منظمة التحرير، ومن ثم على الضفة الغربية. من جهتها ستعيق إسرائيل تنفيذ الاتفاق إلى أن يتبين ان السلطة الفلسطينية تنجح في التغلب على معارضة "حماس".
لكن في هذه الأثناء، وبسبب عدم تحقق توقعات الشعب الفلسطيني، سيؤدي عدم تطبيق الاتفاق إلى غليان في الضفة، إلى ارتفاع قوة "حماس" وغيرها من الجهات "المتطرفة"، وربما يؤدي ايضا إلى اندلاع انتفاضة ثالثة.
هذا ليس كل شيء. في ظل هذا الوضع الفلسطيني المنقسم، لن يكون في وسع ابو مازن الادعاء أنه الممثل الوحيد وصاحب الصلاحية المطلقة (مثل عرفات في أيامه) للشعب الفلسطيني. كل تنازل أو تسوية يقوم بها ابو مازن في إطار المفاوضات مع إسرائيل ستؤدي إلى الإعلان الفوري عنها كـ "خيانة غير شرعية للحقوق الفلسطينية" من قبل "حماس"، "حزب الله"، منظمات "الجهاد العالمي"، إيران، وسورية. نتيجة لذلك سيتحول أبو مازن حتى خلال المفاوضات إلى شخص محكوم عليه بالموت، وستتقوض سلطة "فتح" في الضفة.
في المقابل، وضع نتنياهو لا يختلف كثيراً عن وضع أبو مازن. حتى لو افترضنا أنه مستعد للقيام بتنازلات مفرطة للفلسطينيين في مسألتي الحدود والقدس، كتلك التي اقترحها أولمرت على أبو مازن؛ وحتى لو كان مستعداً لإعادة عدد محدود (بضع عشرات آلاف) من اللاجئين إلى إسرائيل في إطار لم شمل العائلات؛ فهو لن يكون قادراً على المساومة في المطالب الأمنية وعلى رأسها: تجريد الضفة من السلاح بشكل شبه تام، السيطرة على مجالها الجوي والالكترومغناطيسي وعلى المعابر مع الاردن.
ففي هذه المواضيع ثمة اتفاق بينه وبين وزير الدفاع، كما يوجد اتفاق عليها أيضا بين وزراء المجلس الوزراي المصغر وبين أعضاء المنتدى الوزاري السباعي. لكن احتمالات موافقة الفلسطينيين على هذه المطالب تلامس الصفر. ذلك أن "حماس" وأبو مازن يعتبران هذه المطالب تقويضا غير مقبول وغير معقول للسيادة الفلسطينية على الأرض التي ستُقام عليها دولتهم. إضافة إلى ذلك، يقدرون في إسرائيل بأن إخلاء الجيش الإسرائيلي لمناطق واسعة في الضفة ونقلها إلى السيطرة الفلسطينية الأمنية والمدنية، سيتيح لـ "حماس" السيطرة عليها وإعادة بناء بنيتها السياسية و"الارهابية" فيها، كما فعلت "طالبان" في أفغانستان خلال السنوات الأخيرة.
فأجهزة الأمن الفلسطينية ليست على قدر كاف من القوة لمعالجة هذه المشكلة من دون مساعدة جوهرية من جانب الجيش الإسرائيلي و"الشاباك". وعلى الرغم من أنه ثمة من يقترح قوة متعددة الجنسيات لتحل مكان إسرائيل في تنفيذ مهام فرض الأمن والنظام في الضفة، إلا أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تشكك بقدرة قوة كهذه على مواجهة "حماس" في ملعبها الداخلي. ذلك أن التجربة من لبنان خلال السنوات الأخيرة غير مشجعة. فالقوة المتعددة الجنسيات الأوروبية، لم تنجح، رغم كبر حجمها، في احباط ترسيخ المنظومة العسكرية لـ "حزب الله" داخل القرى في جنوب لبنان، ولم تنجح في منع تهريب السلاح من سورية إلى "حزب الله".
في ضوء كل هذا، ثمة قناعة لدى اصحاب القرار داخل الحكومة الإسرائيلية بأن المفاوضات حول التسوية الدائمة محكومة سلفاً بالفشل في الوضع الحالي. وهذا الفشل لا ينبع من غياب الإرادة الحسنة لدى الطرفين ولا من ضعف الرئيس الأميركي وإدارته، بل بسبب "حماس" التي تسيطر على ثلث الشعب الفلسطيني، والتي تمثل تهديداً سياسياً وجسديا لأبو مازن، والتي تريد ايضا نسف كل اتفاق بينه وبين إسرائيل.
يمكن اختراق هذا الطريق المسدود الذي يمنع التقدم نحو التسوية، بواسطة ثلاثة طرق عمل اساسية:
أولا: إسقاط سلطة "حماس" في القطاع أو انهيارها تلقائيا؛ وهذا ما لا يبدو في الأفق الآن.
ثانيا: المصالحة بين "حماس" و"فتح" وإقامة حكم مشترك يعلن صراحة عن استعداده للاعتراف بإسرائيل وقبول التسوية معها. وهذا لا يبدو معقولاً، الآن.
ثالثا: تنفيذ خطة رئيس الحكومة الفلسطينية، سلام فياض، وبناء بنى تحتية ومؤسساتية للدولة الفلسطينية في الضفة، بصورة تدريجية وبالتعاون مع إسرائيل والمجتمع الدولي. وذلك إلى أن تنضج الظروف التي تسمح بحصول مفاوضات حول التسوية الدائمة التي تقام الدولة الفلسطينية في إطارها.
ثمة ميزة للخيار الثالث لأن تنفيذه لا يرتبط بـ "حماس" ولأنه سيمنح الفلسطينيين أفقاً سياسياً واقتصادياً سيتوسع تدريجياً وسيمنع الإحباط الذي من شأنه أن يفضي إلى اندلاع انتفاضة ثالثة.
|