New Page 1
مخيمي ذكرياتي / المؤلف جودت مناع
14/02/2010 12:31:00
في ندوة اليوم السابع هذا المساء كتاب " مخيمي ذكرياتي " لجودت مناع،يقع الكتاب الذي صدر عام 2004 عن منشورات بالميديا انستيتوت للاعلام في رام الله في 104 صفحات من الحجم المتوسط .
جميل السلحوت قال:
يتحدث الكاتب المولود في مخيم الدهشة والذي تنحدر عائلته من قرية زكريا التي شرد اهلها في نكبة العام 1948 عند قيام دولة اسرائيل، مع من شردوا من ابناء الشعب الفلسطيني- والذين يقارب عددهم حوالي ثمانمائة وخمسين الفا يومذاك، في حين يزيد عددهم الان عن الاربعة ملايين شخص، يعيش غالبيتهم في مخيمات اللجوء في الدول العربية المجاورة، بينما تشرد الآخرون في مختلف أصقاع الأرض.
والكتاب عبارة عن مذكرات شخصية للكاتب جودت مناع، مذكرات مأساوية تروي جانبا من مأساة عاشها شعب تعرض للقتل والارهاب والترحيل والتهجير عن وطنه، لاحلال اناس آخرين مكانه، مأساة لم ينج من لهيب نارها احد، ضحاياها اطفال ونساء وشيوخ وكهول وشباب، مأساة لم ترحم احدا، والكاتب الذي عاش مرارة التشرد والجوع والحرمان وفقدان الأمن الغذائي والسكن، يدرك ذلك تماما، لذا فانه يستهل كتابه بالاهداء "لذكرى اطفال صغار ماتوا بعيدا عن قراهم، والى امي .. وجدي الذي مات قهرا بعد رحلة للقرية"، وهو بهذا الاهداء يسحب مأساة وفاة اخيه محمود طفلا في بداية الهجرة على بقية الاطفال الفلسطينيين الذين ماتوا في ظروف ماساوية مشابهة او اكثر قسوة، تماما مثلما يسحب مأساة ومعاناة والدته فاطمة وجده جبريل على كل الامهات والاباء والاجداد في توفير الحماية والغذاء لاطفال زغب الحواصل، تركت علائلاتهم كل ما تملك في قراها ومدنها التي اجبروا على الرحيل عنها، ليموت الجد قهرا بعد ان اتيحت له فرصة زيارة قريته والوقوف على اطلالها وعلى اطلال بيته اثر حرب حزيران 1967، ووقوع الضفة الغربية وقطاع غزه اضافة الى سيناء والجولان تحت الاحتلال الاسرائيلي، ولتبقى الام فاطمة تعاني ضنك الحياة ومرارة الجوع، وتوفير الحماية والماوى لاطفال حرموا من رؤية والدهم الذي غيبه السجن بحجة انتمائه للحركة الوطنية، وهي ليست وحيدة في هذه المعاناة، بل تشاركها نساء فلسطينيات اخريات عشن نفس التجربة القاسية ، تماما مثلما لم يكن الجد هو الوحيد الذي مات قهرا بعد ان رأى مسقط راسه وبيته وارضه واملاكه التي حرم من العودة اليها.
ومع ان الكاتب يستعيد ذكرياته الشخصية الا انه ينقل معلومات لا يعرفها كثيرون عن حياة اللاجئين في المخيمات، وعن مدى الاضرار الإجتماعية والاقتصادية التي لحقت بهم، فمثلا يورد في الصفحة 12 ان اللاجئين الذين حطت بهم الرحال في مخيمهم الدهيشة قرب بيت لحم شردوا من اثنتين واربعين قرية تقع في وسط فلسطين، وفي بداية اللجوء سكنوا في الخيم التي كانت تقتلعها الرياح شتاء " ليصبح افراد العائلة التي تسكنها بين السماء والطارق " وان بعض الخيام اشتعلت فيها النيران بسبب استخدام سكانها الحطب في تدفئة الخيمة او اشعال البريموس لطهي الطعام ".
كما يتحدث عن الاطفال – وهو واحد منهم- كيف كانوا يمشون على الثلج حفاة ، ويتحدث ايضا كيف تعلموا في الخيام دون توفر أدنى شروط تساعدهم على التعليم، وكذلك عدم توفر مياه الشرب، حتى ان النساء ومنهم والدة الكاتب كن يمشين اربعة كيلومتر من اجل احضار صفيحة ماء من عين ارطاس ، تلك القرية المجاورة للمخيم ، وايضا انتشار الاوبئة والامراض وقلة الرعاية الصحية ، " كثيرة تلك الامراض التي اصابت سكان المخيم ، بعضهم مات دون ان يعرف ذووه اسباب وفاته" ص 14 .
وحتى عندما قامت وكالة الغوث ببناء غرف للاجئين من الطوب كان سقفها يدلف على ساكنيها، اضافة الى ضيق المساحة .
ولتمسك اللاجئين بحقهم الذي اقرته القوانين والقرارات الدولية، فانهم دائمو الحديث لابنائهم عن قراهم ومدنهم التي هجروا منها مكرهين، فجودت عندما زار قرية زكريا التي ينحدر منها اباؤه واجداده، وكان يعرف جغرافية المنطقة، ومواقع القرى المحيطة بها من خلال احاديث جده.
كما يتحدث عن اعتقاله وشقيقه مع والدهم بعد الاحتلال عام 1967 والمعاناة التي عانتها الأسرة بكاملها.
ملاحظة : يلاحظ ان الكاتب تحدث عن نفسه بضمير الغائب ، لكنه عاد في الربع الأخير من الكاتب يتحدث عن نفسه بلغة المتكلم والغائب معا، ومع انه ذكر في الصفحة 10 انه من مواليد ايلول 1952 الا انه عاد وفي نهاية الكتاب يتحدث عن نفسه بعد حرب عام 1967، وفي جنازة الرئيس عبد الناصر عام 1970 ويقول بانه كان في الرابعة عشرة من عمره.
وماذا بعد :
الكتاب عبارة عن وجهة نظر لصاحبه، تسجل مرارة عيش اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات من خلال تجربته الشخصية، وهي تقرع من جديد اجراس العودة للاجئين الفلسطينيين، وهي تاكيد جديد على ضرورة ايجاد حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، كشرط أساسي لحل قضية الصراع العربي الاسرائيلي. لكن الكاتب لم يطرح هذه المأساة في عمل ابداعي قصصي او روائي او حتى تقرير محض، بل طرحها بطريقة اقرب الى السرد الحكائي لحكواتي مشتت الافكار ضعيف الذاكرة
موسى ابو دويح قال :
قصة كتبها جودت مناع الذي هجر ابوه وطرد من قرية زكريا، التي كانت تتبع أما الى لواء القدس، واما الى لواء الخليل، واما الى لواء الرملة حسب الحكم الذي توالى على فلسطين بين العهد العثماني الى الان .
يقول الكاتب جودت مناع في قصته: " مخيمي ذكرياتي قصة طفل عاش في الخيمة، وتعلم فيها، وامضى غالبية فترة حياته في المخيم حيث الاوضاع الاقتصادية القاسية، وام ارتفع ضغطها حزنا على زوجها وابنائها وكل من عرفتهم والتقتهم في حياتها، ام اعتقل زوجها وابناؤها الثلاثة فتوفيت في المخيم .
ويشرح فيها بايجاز قسوة العيش في المخيمات الفلسطينية، حيث كانت اول امرها خياما لا تقي من حر الشمس ولا تحمي من برد الشتاء، ولا تثبت امام الريح العاتية، بل كثيرا ما كانت تقتلعها الريح فيصبح اللاجئون تحت رحمة السماء,
يشرح فيها نكبة 1948 بايجاز شديد، ونكبة 1967 ببعض التفصيل، ويتوجه فيها الى النظام الاردني باستحياء، والنظام الذي سجن اباه ثلاث سنين في سجن القشلة لمجرد انه حاول ان يفكر في كيفية مقاومة اليهود وتخليص البلاد منهم، وفي سنة 1967 سيطر الصهاينة على فلسطين كلها، ووقعت البلاد تحت الاحتلال ، وكلنا يعرف ما جرى للفلسطينيين في الضفة الغربية، وخاصة مخيم الدهيشة في منطقة بيت لحم حيث يسكن كاتب القصة.
وقصة مخيمي ذكرياتي " هي في الواقع مجموعة من القصص بعناوين كثيرة مثل : المبيت في الخيمة، الثلج الابيض، غرفة الوكالة، الاب، الموقد، الحمام، المدرسة، الخارطة، مركز التغذية، التفتيش الصباحي نزهة، اطلاق سراح حسن، احتلال جديد، المرحلة للقرية، النزوح القسري، دار جاسر، العمر.
الرابط القوي بينها جميعا هو الكاتب في بعض العبارات التي استعملها كقوله:
" لم يجد حذاء يرتديه للسفر الى رام الله " وقوله : " قبل ابتلاج الفجر " ، وقوله : " كما ووعد بالمساعدة " ، وقوله : " الا ان انبلاج الفجر .
واخطا في قوله : " بنيانا وبناتا والصحيح بنين وبنات
وفي قوله :" بينما كانا يتمشيان " والصحيح كانا يمشيان او يسيران
وفي قوله : لعدم توافر اجرة الحافلة " والصحيح توفر
وفي قوله : ومن بين الاصدقاء التي ربطته بهم ، والصحيح الذين
وفي قوله : يجمعهم شيئا واحدا والصحيح شيء واحد .
وفي قوله : عند حصولها منعطف يبعد كيلو مترين عن المخيم والصحيح : وصولها منعطفا وهناك اخطاء كثيره في وصفه صخور مخيم الدهيشة بقوله : تحولت الى لون ازرق واه يحمل دلالة على انه من النوع الصلب " مزي " وفي ايام الربيع تشبع تلك الصخور بمياه الشتاء، فتغطيها الطحالب والاعشاب وحجر الصليب لونه ثابت لا يتحول، وهو غير واه لان كلمة واه تعني ضغيفا وهو يقول عنها انها من النوع الصلب المزي، والحجر المزي لا يشرب الماء ولا يتشبع بالماء ، ولا يتغير لونه ولا تنمو عليه الطحالب.
واستعمل كلمة " تماهي " حوالي عشر مرات، لم استطع ان اعرف لها معنى ورجعت الى القاموس المحيط فلم اجدها.
واستعمل الولاية العثمانية بدل الدولة العثمانية
ولم يوفق في قوله : وقرأ الفاتحة على ارواح من هم في ترابها
محمد موسى سويلم قال :
هل لي الى مهد السلام سبيل الليل داج والطريق طويل ،عصفت بي الاشواق عاتية اللظى واحر قلب بالدموع يسيل، بدأ الكاتب في سرد وقائع الرحيل القسري والهيام والضياع في طريق وعر غير معروف مجهول الوجه تارة ، مجهول المعبر تارة اخرى ... ثم بدأ يتحدث عن ما نقل وروى الاباء والاجداد، وما قصة الامهات من اللوعة والاهات عن رغد العيش وطيبة في بلاد كتب عليها ان تعيش الالم في الغربة وشظف العيش وقلة الحيلة والهوان، فنقل ما عاشه الاباء والاجداد عن ماض سعيد وعن مستقبل غريب .
ثم استعادة ذاكرته الموجعة للقلب والمحزنة في ظل وضع اقتصادي مترد، واصبح يحاكي الزمان الصعب على لسان الطفل جودت، وكأن جودت ليس المؤلف بعينه، مع انه كان يستطيع محاكاة التجربة على لسانه مثل " عندما بلغ الخامسة من عمره سجله جده لينتظم في مدرسة الذكور ص 35
" كان جبريل جد جودت " ص 29
" اصطحب حسن طفله جودت " ص 26
بدات فاطمة وابنها جودت " ص 24
وغيرها الكثير فهو ( الكاتب ) كان عليه ان يصف الشيء لنفسه، لا يستغلون فقر هؤلاء الناس التي اسرتي منهم " ص 36 باي لغة ام زلة لسان .
وصف المخيم من خيم وقسم الخدمات التابع لوكالة الغوث ذلك الوصف الذي تندى له جبين الانسانية، والطرق الهمجية التي رافقت تلك الرحلات المجهولة والمقموته والمذلة بسبب المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية، وبعدها توصف كشعب مهجر مقموع بالارهاب، ثم وصف وكالة الغوث بالكرماء لها لسخائها في تقديم العون للاجئين، والله شكرا على الطحين والسكر والسمنة، ان شاء الله نراه معكم في الافراح وانتوا لاجئين ومستنين قادر يا كريم، وعن الحرس الوطني اقلب الصفحة بلاش كلام يسم البدن، الموقد والحمام والمدرسة ثلاثية للكرم والسخاء والتعاون والتضحية، الشاي على الموقد بشكل دائم، وكاسة الشاي بتقعد المخ محله، والحمام تعاون في تقديم الخدمة والسعي الجاد في الاستمرار في الحياة والمدرسة، رغبة شديدة في التعليم والتربية والاستعداد لمواجهة الايام بسلاح العلم ووسائل التعليم مثل الخارطة والرحلة الى ربوع الوطن وانت مكانك .
ثم طرق الكاتب ابوابا كانت في عرف الغيب، ولم تكن في الحسبان من مراكز للتغذية والمركز الصحي والطبيب والحليب والفيتامين وزيت السمك والتصنيع، وكل المستجدات ثم استحداثها بعد الهجر القسري، وبعد الرحيل عن البيارة والحاكورة والمارس والوادي والمزرعة، ثم اعاد الكاتب المعاناة مرة اخرى بعد نكسة نكبة هزيمة حزيران المشؤوم واحتلال ما تبقى من الوطن الذي تم اهداؤه من بلفور الى ... بعد ذلك تعود الاحزان من جديد رحيل قسري وحافلات اسرائيلية تنقل المهاجرين الى الاردن، ليعيش هذا الشعب النزوح الثاني، وفي المقابل يعود من بقي لزيارة القرى التي هجروا منها، كي يعيشوا ذكريات جميلة .
وحتى يعيش من عاش ايام البيدر والحصيدة ولم الغلال والتغني بايام كانت جميلة، فالبعض رأى البيوت والحقول والسهول، والبعض رأى النحل والمواشي كيف تكاثرت، وكيف نما الصبار والسرو والزيتون والتين والرمان، والبعض راى ويا ريته ما راى راى اليهود اقاموا المتسعمرات على انقاض الذكريات واصبح الحال يقول
احرام على بلابله الدوح حلال على الطير من كل جنس
لقد ابدع الكاتب في نقل صورة مجسمة لواقع عاشه ابناء هذا الشعب في مخيمات اللجوء والشتات، وكلهم يحمل مفاتيح البيت وكوشان الارض وحلم العودة ، ولكن لسان حالهم يقول
وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
حذام العربي قالت :
تصفحت الكتاب بداية ، ثم استوقفتني الخرائط والصور المبعثرة فيه ، ثم قرأته على مرحلتين . ولاحقا تصفحته مرة اخرى واخيرة ليتسنى لي الاستيعاب والربط بين ما جاء على الغلاف الامامي للكتاب " قصة من فلسطين " ، وبين مضمون النص في الكتاب ، اذ تعذر على ذلك للوهلة الاولى .
يشمل النص 22 عنوانا فرعيا كما جاء في الفهرس ، بما في ذلك الاهداء والمقدمة ، ويرصد حياة طفل فلسطيني " كاتب النص " وعائلتة في مخيم للاجئين ( الدهيشة ) بين الاعوام 1948-1967 وما بعدها .
لقد راقني الاهداء بتواضعه ، تشبثه ، دفئه وعرفانه ، كذلك تعرفت ولو بشكل سطحي الى بعض المفردات اليومية في حياة اللاجئ الفلسطيني في المخيم .
لقد قدم الكاتب للنص بقوله : " تبلورت فكرة هذا الكتاب سنة 2002 خلال عملية حائط الفصل العنصرى الذي اقامته اسرائيل .. ان الاضرار والماسي التي سببها نظام اسرائيل العنصري تحتاج الى وقت كي تتبدل ، وربما يساعد هذا الكتاب .. في فهم سبب ذلك لكن ورغم كل شيء ، فان اشخاصا كثيرين زرعوا بذور الامل ... والان على هؤلاء الاشخاص ان يعملوا بشكل متواصل لتنمو بذور السلام بشكل جيد على جانبي حائط الفصل العنصري الذي تسبب في سلب اراض اضافية ... انها نكبة جديدة ص 8
بينما ذيل لنصه، برسالة من المؤلف، يقول فيها : " .. بدأت اكتب القصص الاخبارية .. لكنني فكرت في قصة عشتها ارغب انا في قولها، قصة مخيمي ذكرياتي ، قصة طفل عاش في الخيمة .. وام ارتفع ضغطها حزنا.. اردت اظهار شجاعة الامهات اللواتي لم يسعفهن الوقت لزيارة ابنائهن في سجون اسرائيل بسبب .. " ص 96 .
ولكن بين المقدمة في البداية ورسالة المؤلف في النهاية لم اعثر على قصة بالمعنى المألوف او المتعارف عليه .
في هذا النص قرأت بعض المقاطع المشوشة من شريط ذكريات مهلهل ، يشوبه التخبط وكان التجربة لم تستقر بعد في الذاكرة ، على سبيل المثال : الرحلة للقرية ص 68 والنزوح القسري ص 79.
وعلى ما يبدو فان ما استقر من التجربة في الذاكرة لم يتم استيعابه ، التعامل معه وتخطيه بعد ، هل هذا ما اضطر الكاتب الى الكليشيهات والادبيات السياسية ؟ ام انها الحاجة لاقناع القارئ بان تجربته مع اللجوء وتجربة غيره مع اللجوء والنزوح هي ضرب من تحمل الاهوال؟ ، على سبيل المثال لا الحصر ، انظر ص 10 ، 12، 21، 66 ، حيث امتازت رصد هذه الفواصل الحياتية للاجئ بالالفاظ المنمقة والصياغات المطاطية ، عدم التطرق الى المشاعر وفي حالة التطرق اليها تم تشويهها بالمواقف السياسية وبالخطابية الرنانة ص 84.
ادهشتني بشكل خاص هذه الصياغة هشة المفردات ، لتجربة نفسية وجدانية وجسدية صاخبة كالنكسة، وما تلاها من زيارة للقرية المهجورة عام 1948 والتي " استوطنها المستقدمون اليهود من منطقة الاكراد في شمال العراق " ص 75. واتساءل هل المشكلة في اللغة العربية التي ترفض الترويض ومطاوعة النفس الفلسطينية المكلومة والمازومة، وهل يعقل ان هذه اللغة تعجز او لا تستطيع احتواء هول تجربة اللجوء والنزوح ؟ ام ان هذه النفس الفلسطينية لا زالت مبغوتة تحت تاثير وتخدير الصدمة تعتصم الصمت والكلام الباهت الاخرس ، رافضة ان تصدق ما حدث ؟ !
لقد مر اكثر من نصف قرن على هذه النكبة ، ثلاثة عقود ونيف على النكسة، ( ولا باس بالتذكير بمواجهة اخرى في وعلى ارض لبنان عام 1982 هل اطلق عليها لقب " وكسة" مثلاً ). ولا يزال الفلسطيني في هذا النص عازفا عن المواجهة والاعتراف ، وبالتالي جاء التعاطي مع الذاكرة مبتورا مشهوها ، يقفز من مكان الى آخر كمن يفتش عن موطئ قدم ، لنفسه المتعبة ، جسده المنهك ووجدانه الحائر على ، على الرصيف!
استغربت بشكل خاص استعمال الكاتب ضمير المفرد الغائب ( هو ) في سياق استعادته لشريط ذكرياته وهو بطل النص ، وفي بعض الاحيان اختلط الامر بين ضمير المفرد المتكلم ( انا ) وضمير المفرد الغائب ، بلغ جودت الرابعة عشرة من عمري ص 63 ، وعلى سبيل المثال ص 22، 36، 92. حتى انه في بعض الاماكن استعمل ضمير الجمع الغائب ( هم ) مثالا على ذلك " .. الجدة امينة .. تضعها على منصب ( البابور ) كما يسمونه .. " ص 30 هل هذا الفصل بين الكاتب وبين الشاهد الذي يحمل مخيمه وذكرياته في زوايا معتمة او جوارير مقفلة هو تحصيل حاصل لعجز الفلسطيني عن التصريح جهار نهارا بهزيمته وانكساره ؟ ام انه يندرج تحت المحاولات الحتيثة للفلسطيني باقناع نفسه ان اموره الذاتية على خير ما يرام ، وان المهزوم واللاجئ والنازح والمعتقل و .. و... هو ذاك الغائب البعيد ، وليس انا .
لا ارى مكانا لتحميل هذا النص اكثر مما يستطيع احتماله ، ومع ذلك كلما قرات نصوصا باقلام فلسطينية تعالج النكبة ، النكسة ، الوكسه ، وغيرها رحت افتش عن جزئيات الهوية الفلسطينية فاجدها مبعثرة هنا وهناك ، ص 23، 49، تفتقر الى الوعي الاساسي بوجودها اولا ، ثم بالتحديات والمخاطر التي تواجهها ثانيا. هل تراكم الضربات والمحن ادى بنا الى هذا الترنح، التخبط والبلبة ؟ لا ارى ادل على هذا التخبط مما جاء في المقدمة اولا، ثم ما جاء في الفصل الاخير رسالة من الكاتب ، والتي جاءت مبتورة ومبلبلة، ومن اختيار الخرائط وما تشمله من معطيات، لمرافقة نص " قصة من فلسطين – مخيمي ذكرياتي " وعرضها بعيدا عن اي منهجية تاريخية ص 97 –104.
توليفة بعض المفردات ادهشني اذ جاء غريبا بعيدا كل البعد عن دلالات يعيها كل فلسطيني كما انها ليست من الشاعرية بشيء كوصف بيته في المخيم " .. ردهة البيت .. " ص 78 . او " صرخات الرجال .. تصدح .. " ص 80 . او القول " .. في ليلة باردة .. بعد ايام من الاحتلال ( 1967) .. " ص 80 كذلك العديد من الجمل او حتى الفقرات ذات الصياغة التي تعذر علي فهمها ، على سبيل المثال لا الحصر الفقرة الاولى ص 21 ، الفقرة الثانية ص 59 ، الفقرة قبل الاخيرة ص 39، وغيرها . كذلك المفردات التي جاءت في سياق لا يناسب المعنى على سبيل المثال تتماهى ص 23، تتلاشى ص 24، تركلان 27 او ارتدى الجزمة ص 91 .
|