New Page 1
رواية(في بلاد الرجال)
07/05/2010 14:40:00
رواية(في بلاد الرجال)
في ندوة اليوم السابع
القدس:6-5-2010 من:جميل السلحوت- ناقشت ندوة اليوم السابع الأسبوعية الدورية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس رواية (في بلاد الرجال) للأديب الليبي هشام مطر، صدرت باللغة الانجليزية عام 2006 عن دار فايكينغ في لندن، وصدرت عام 2007 بترجمة سكينة ابراهيم عن دار المنى في ستوكهولم في السويد،وتقع في 252صفحة من الحجم المتوسط.
بدأ النقاش جميل السلحوت فقال:
وهذه الرواية التي ترجمت الى أكثر من عشرين لغة أوروبية اضافة الى اللغة العربية هي باكورة الانتاج الروائي للأديب الليبي هشام مطر، وقد حازت على عدة جوائز من عدة دول، وكانت واحدة من الروايات الست من القائمة النهائية التي رشحت للفوز بجائزة البوكر الأدبية عام 2006 .
وهذا الأديب مولود في نيويورك عام 1970 ووالده رجل أعمال ليبي يبدو أنه من الموالين للملك الليبي المخلوع المرحوم محمد ادريس السنوسي، ومن المعارضين لحكم العقيد القذافي، لذا فإنه لم يعد الى ليبيا بعد الانقلاب في الفاتح من سبتمبر عام 1969 .
عاش الاديب هشام مطر في القاهرة حتى سن الخامسة عشرة، ثم انتقل الى لندن حيث درس الهندسة، ويعمل الآن مصمما معماريا في لندن، وفي العام 1990 اختطف والده من القاهرة ونقل الى ليبيا، حيث هرّب من السجن عدة رسائل ثم ما لبث ان انقطعت اخباره منذ العام 1994 وحتى الآن؟
في بلاد الرجال:
يتمركز مضمون الرواية على قمع الحريات في ليبيا، والحكم الديكتاتوري، وسياسة الاعتقالات والاعدامات والتعذيب لمعارضي النظام، كما ان هناك تركيزا (على الديمقراطية) المغيبة في تلك البلاد.
وفي احدى المقابلات على الشبكة العنكبوتية ينفي مؤلف الرواية وبشدة ان تكون روايته مذكرات شخصية، والقارئ لقصة حياته سيجد أن قوله صحيح، لأنه لم يعش في ليبيا أصلا، وبما أنه من معارضي النظام بالتوارث، فإنه وكما يبدو على اطلاع كامل على انتهاكات حقوق الانسان في بلده، وغير راض عن النظام، وعن سلوكيات اللجان الثورية.
وبطل الرواية الرئيس والسارد لأحداث الرواية طفل وحيد والديه في التاسعة من عمره، ولد من أب رجل أعمال، ومن أمّ سكيرة، ويعتقل والده ويفرج عنه بوساطة أحد الجيران العاملين مع المخابرات، بعد اعترافه وقبوله للعمل مع المخابرات، يفرج عنه بجسم مشوه ورائحة نتنة لما تعرض له من تعذيب وحشي، في حين أن جاره وزميله "رشيد" أعدم في ملعب كرة القدم، وبثت عملية الاعدام على شاشة التلفزة، ويقوم الوالدان بتسفير الطفل(سليمان) الى القاهرة، حيث يدرس على نفقة أحد الأصدقاء المصريين، وينهي المدرسة ويتعلم الصيدلة، ويموت والده في ليبيا، في حين يستطيع رؤية والدته وهي في طريقها الى الديار الحجازية لآداء فريضة الحج، ويلاحظ من خلال الرواية أن فرج والد سليمان، الذي اعتقل وعذب، وجارهم رشيد الذي اعتقل وأعدم، وجارهم الثالث الذي اعتقل ايضا، كانت معارضتهم للنظام معارضة سلمية، لم يستعملوا العنف مطلقا، ولم يحاولوا الانقلاب على النظام .
الديمقراطية:
كان هناك تركيز غير مباشر في الرواية على مسألة الديمقراطية، فعندما اعتقل رشيد الجار، ولجأ الى شقة مستأجرة في ساحة الشهداء في طرابلس، لجأت زوجة فرج"نجوى" وصديقه المصري موسى الى احراق كتبه، بينما أخفى الابن الطفل سليمان كتاب (الديمقراطية) الذي سقط منهما، وأنقذه من الحريق، وخبأه تحت وسادته، وعلى سطح المنزل، وبقي محافظا عليه، وببراءة الأطفال فإن الابن سليمان، أراد أن يعطي الكتاب لرجل المخابرات الذي بقي يراقب البيوت في سيارته البيضاء، التي كانت تقف بالقرب منها، فحمل الطفل الكتاب ووضعه على الرصيف امام رجل المخابرات، لكن رجل المخابرات لم يلتفت الى الكتاب، وكأن في ذلك دعوة غير مباشرة من المؤلف ان الديمقراطية ستبقى مطلبا مستمرا ومتواصلا للشعب الليبي.
اللغة والاسلوب:
كتب المؤلف روايته باللغة الانجليزية التي يتقنها بطلاقة، في حين ان عربيته ضعيفة، ولا يستطيع الكتابة بها، الا كتابة بعض الرسائل لذويه بلغة ساذجة حسب قوله في احدى المقابلات الصحفية معه.
وترجمة سكينة ابراهيم الرواية الى العربية كانت ترجمة قوية جدا، وبلغة أدبية متميزة ولافتة، ويبدو أن قوة النص بالانجليزية قد ساعدتها على ذلك، والرواية المفعمة بالانسانية رغم ما تحمله من عذابات انسانية، والسرد الروائي فيها سلس ومشوق، رغم مرارة المضمون.
وقال داود ابراهيم الهالي:
كثيرة هي الكتابات التي ناقشت موضوع الاستبداد في تاريخنا الحديث والمعاصر، ولعل أشهرها كتاب طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد للكواكبي، وقد تلته الكتابات التي غلب عليها الطابع السردي أما في رواية "في بلاد الرجال" فالأمر مختلف، فقد صاغ هشام مطر روايته بأسلوب روائي جذاب اتخذ من ليبيا مسرحاً لمجرياته، وقد اختار المؤلف اسماً معبراً لروايته "في بلاد الرجال" كإشارة منه إلى السلطة والرجال ولا مكان لغير الرجال بقوله في "عالمٍ يزحمه الرجال وجشع الرجال" (ص4).
يصور المؤلف عبر روايته المكونة من 252 صفحة من القطع المتوسط الظلمَ والقهر الذي يتعرض له الإنسان العربي الليبي في ظل هيمنة حكم الفرد المتسلط المستبد في إحدى الدول العربية، التي تفوح منها رائحة الموت في بقعة جغرافية عرفها المؤلف بقوله:( كانت ليبيا شريطاً ساحلياً، على إحد جانبيه الصحراء الصفراء المتوغلة في إفريقيا، وعلى الآخر الزرقة الملكية لبحر طفولتي المتوسطي....) وهو بذلك يعطي وصفاً دقيقاً ليس لجغرافية ليبيا فحسب بل إلى ما آلت إليه أحوال البلاد من انحسار بين فضائين يتربع بينهما الحاكم الظالم.
اختار هشام مطر أن تكون روايته قصة تُروى في أغلب الأحيان على لسان طفل ليبي هو سليمان الديواني، الذي قضى طفولته الغريبة التي تحفها المخاطر في مدينة طرابلس، وسليمان هذا يعيش مع أمّه نجوى وأبيه الذي يقضي معظم وقته خارج المنزل بدعوى أنه يسافر للعمل في التجارة خارج ليبيا، في حين أبدت الأيام للطفل أن أباه لم يغادر ليبيا بل ينصرف للعمل مع أصدقائه ضد القائد.
تأتي الرواية مفعمةً بالتشبيهات من البيئة البسيطة، منسجمة في كثير من الأحيان مع عمر الطفل (9 سنوات) وخياله الطفولي(أما أعقاب السجائر فوقفت يستند بعضها على بعض في أكواب الشاي الفارغة كأنها صراصير ميتة)(ص74). وفي أحيان كثيرة يأتي على ربط مواقف يومية مع أشياء قد تبدو للقارئ- للوهلة الأولى- أنها غير موفقة، إلاّ أن التمعن الدقيق فيها يعطي صورة غاية في الجمال والتعبير، على سبيل المثال لا الحصر لا يغيب عن لسان الطفل شجرة التوت وثمارها الحمراء، فوفقاً لمحمد مستجاب فإن هذه الشجرة تورق الهدوء الأبوي، وتثمر الحنان الأمومي، تصد الأعاصير وتحيلها إلى نسيم رقيق يتسلل إلى الجوانح حباً ووداً... وأن البعد عن ظلال شجرة التوت يولد التوتر والاكتئاب والشراسة" (العربي، عدد 472، مارس 1998 ص118).
ولا يتوقف الأمر عند شجرة التوت بل يتعداها إلى رموز لأمر أكبر، من بينها تلك الأزهار الوردية التي تظهر على شاشة التلفزيون الرسمي كلما أراد القائد ذلك، كما فسر الطفل سلمان ذلك، فهي منظر يبعث على الأمل يستخدمه القائد لتغطية مشهد ما كتعذيب أستاذ رشيد، وكأن هشام مطر أراد من وراء هذا المشهد أن يقول: باتت عذاباتنا وآمالنا معلقة بيدك أيها القائد يا صاحب النظارات الشمسية المهيبة.
تظهر الأحداث في هذه الرواية كأمواج بحر ما زال هائجاً، لا يعرف الاستقرار ويطغى عليه حالة من الفوضى العارمة، ظهرت فيها شخصية الأم "أم سليمان" كثيرة الشرب إلى حد الثمالة علها تهرب من ذلك الحاضر المرير الذي بدأ بزواج قهري في سن الرابعة عشرة ، كأنه فعل اغتصاب، وفي حياة يظل الزوج فيها بعيداً عن البيت، حتى رأت في ابنها نصف روحها الآخر. وكأن هشام مطر يتخذ من شخصية أمّ سليمان تعبيراً عن حالة الفوضى التي يعيشها الشعب، وما يوصله إليه النظام من حالة الهلوسة والضياع.
لعل ما يلفت الانتباه في هذه الرواية شخصية بهلول الشحاذ الذي اختار لنفسه دور المشاهد المراقب لحال البلاد بقوله العبارة المعهودة: "شايفكم... شايفكم" (ص3) وكأنه أراد أن يقول ما من شيء يحدث هنا بعيد عن ناظري، وقد فضل هذا الأبله كما وصفه الطفل أن يقف متفرجاً على المعاناة بأسلوب ساذج، يدل على حالته المزرية التي لا توفر له الحماية من أفراد المجتمع، فتارةً يلاحقه سليمان ويحاول إغراقه في اليم وتارةً تدعي أم مسعود بأنه ثري وأنه اشترى قارباً... ولكن هذا القارب لم يلامس ماء البحر، بل ظل ملجأ بهلول من أهوال البلاد، وليخاطب الطفل قائلاً: "كل الأكاذيب تتضمن حقيقة ما، لكن والحمد لله ما من كذبة تتضمن حقيقة كاملة".
وأما شخصية أم مسعود فهي مثال لمن يغني للسلطة، ويمجّد أنيابها (فالواحد من رجال المخابرات كما تدعي أم مسعود قادر على إرسال الناس وراء الشمس). (ص35) وستشيع هذه المرأة وصف السلطة لكل من يتمرد عليها بوصفه بالخائن كما في حالة أستاذ رشيد، وأما شخصية موسى المصري فهي تجسيد لحالة الضياع والتخبط التي يعيشها الشباب العربي.
ولعل أكثر ما يلفت الانتباه في بلاد الرجال الصورة القاتمة للسلطة المستبدة في ليبيا، فهي تلك الرقابة المفروضة على كل ما يتحرك في تلك الديار، في الميادين والشوارع، في الحاضر والمستقبل، وبين الصالون والحمام في دار أبي سليمان، فهي السيارة البيضاء التي يقودها أصحاب الوجوه البشعة والأصوات الغرابية، وهي أيضاً تلك الصورة الكبيرة للقائد التي تغطي الجدار، وهي التي تستخدم التلفزيون لترهيب الناس فكما يقول نزار قباني: "لا صوت يعلو فوق صوت الطبلة"، وهي أيضاً شهريار الذي قضى مع شهرزاد ألف ليلة وليلة، فقد فضلت شهرزاد العبودية على الميتة الشريفة، واعتقد أن شهرزاد قد أنجبت ملايين البشر هم شعوبنا العربية.
بعدها جرى نقاش مطول حيث تحدث الناقد ابراهيم جوهر عن الرموز والدلالا في الرواية،وشارك في النقاش كل من حذام العربي وراتب حمد ونسب أديب حسين.
|