New Page 1
انتهاكات إسرائيل لحق الفلسطينيين في الإقامة في القدس
08/03/2010 17:19:00
الائتلاف الأهلي للدفاع عن حقوق الفلسطينيين في القدس
التهجير القسري والتطهير العرقي
انتهاكات إسرائيل لحق الفلسطينيين في الإقامة في القدس
اعداد
د. نزار أيوب
مدخل:
تستهدف الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة الوجود الفلسطيني في سائر أنحاء فلسطين التاريخية، حيث قامت خلال أحداث عام 1948 بعملية تطهير عرقي واسعة النطاق، طالت حوالي 750 ألف من الفلسطينيين (السكان الأصليين) من المناطق التي أنشئت عليها دولة إسرائيل، وبضمنها الجزء الغربي من مدينة القدس، وهجرتهم إلى خارجها، واستولت على بيوتهم وممتلكاتهم، ووطنت فيها اليهود الذين تم استقدامهم من كافة أنحاء العالم، أو قامت بتدميرها على نطاق واسع، وذلك في إطار طمس معالم الحضارة العربية داخل أراض 1948. بموازاة ذلك، برز حجم ومقدار المأساة الناجمة عن الهجرة القسرية الداخلية للفلسطينيين في الأراضي التي أعلن عن قيام إسرائيل فيها (أراض 1948)، والتي تسببت بالتهجير القسري لعشرات الاف الفلسطينيين داخل وطنهم.
هذه الدراسة لا تستهدف تحليل السياسات الإسرائيلية والقوانين والإجراءات المساندة لها فيما يتعلق بزيادة عدد المستوطنين اليهود في القدس، مقابل التقليل من نسبة الفلسطينيين في المدينة، وانتهاك حق كل فلسطيني في الإقامة والعيش فيها، إذ أجريت العديد من الدراسات والتقارير الحقوقية بهذا الخصوص. لذلك سنكتفي باستعراض السياسات الإسرائيلية ذات العلاقة بشكل موجز. وفي ضوء تزايد القلق الإسرائيلي من ارتفاع نسبة السكان العرب في القدس، والخطر الكامن في فقدان الاغلبية اليهودية في المدينة نتيجة لأن وتيرة نمو العرب في القدس تفوق مرتين وتيرة نمو السكان اليهود، يبقى الهدف من هذه الدراسة محاولة تكييف السياسات الإسرائيلية والإجراءات الملازمة لها، بصفتها تنتهك الحق المتأصل لكل فلسطيني في الإقامة في القدس، وتندرج ضمن نطاق ومدلول التهجير القسري والتطهير العرقي.
خلفية عامة
أولاً: عهد الانتداب البريطاني على فلسطين
في 24 تموز/يوليو 1922 أوكلت عصبة الأمم للحكومة البريطانية القيام بمهمة الإنتداب على فلسطين. وتضمن صك الإنتداب البريطاني على فلسطين، المكون من 28 مادة، تعهداً يقضي بواجب الحكومة البريطانية العمل على إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وذلك تحقيقاً لوعد بلفور الصادر في 2 تشرين الثاني/نوفمبر 1917.
توخى صك الإنتداب البريطاني على فلسطين توطيد سلطة الإستعمار البريطاني على هذا الإقليم، وإيجاد الظروف الكفيلة بوفاء بريطانيا بوعد بلفور القاضي بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، من خلال الاعتراف بالوكالة اليهودية بصفتها هيئة عمومية لاسداء المشورة والتعاون مع إدارة فلسطين في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية، وغير ذلك من الأمور التي قد تساعد في إقامة الوطن القومي اليهودي ومصالح السكان اليهود. يذكر أن اليهود كانوا آنذاك أقلية ضئيلة جداً في فلسطين، وذلك قياساً بالفلسطينيين، الذين تعمد واضعوا الصك التنكر لحقوقهم السياسية، وفي مقدمتها حق تقرير المصير، والاستقلال، وقصروا ذلك على حماية الحقوق المدنية والدينية لهؤلاء، بما يولد الإنطباع بأنهم عبارة عن أقليات دينية تعيش في فلسطين.
تجاهل صك الانتداب الجوانب السياسية لمدينة القدس، وحصر التعاطي معها على أساس أهميتها الدينية، وذلك كسائر الأماكن المقدسة في سائر أنحاء فلسطين، فتعمد تجاهلها، وعدم ذكر اسمها، واكتفى بالتأكيد على وجوب حماية جميع الأماكن المقدسة، وكيفية إدارتها وسبل ضمان حرية الوصول إليها في كامل أرجاء فلسطين.
ألحقت السياسات البريطانية والإجراءات الناجمة عنها خلال سنوات الانتداب أضراراً جسيمة بالفلسطينيين، وانتهكت حقوقهم على نحو سافر، وانتهكت هذه الحقوق، وتنكرت لها، في حين عملت باستمرار على دعم وتشجيع هجرة اليهود إلى فلسطين، وأصبحت نسبة اليهود قياساً بسكان البلاد العرب تعادل 1/3 بينما لم تكن هذه النسبة تتجاوز 1/12 قبل الإنتداب.
وبعد الانتهاء من قلب الميزان الديمغرافي في فلسطين لصالح المهاجرين اليهود، تخلت الحكومة البريطانية عن مسؤوليتها في فلسطين، وأحالت في شهر نيسان 1947 القضية الفلسطينية إلى الأمم المتحدة في وقت كان الصراع على أشده بين العرب واليهود، وخاصة في مدينة القدس، حيث تمكن معظم المهاجرين اليهود من الاستيطان في الشطر الغربي من المدينة، وبقي الجزء الشرقي منها بما في ذلك المدينة القديمة ذو الأغلبية العربية.
تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 106 بتاريخ 15 أيار/مايو 1947، وشكلت بموجبه لجنة خاصة بفلسطين Unscop) )، أوكلت إليها مهمة إعداد تقرير يتعلق بالقضية الفلسطينية، ومنحت اللجنة صلاحيات واسعة للإطلاع على جميع الحقائق وتسجيلها، بما في ذلك صلاحية التحري عن الملابسات المتعلقة بقضية فلسطين، وحق القيام بما تراه مناسباً من تحقيقات، وتلقي الشهادات الشفوية والخطية من سلطة الإنتداب، ومن سكان فلسطين.
قدمت اللجنة الخاصة تقريرها الختامي للجمعية العامة، مرفقاً باقتراحين. نص الاقتراح الأول، والذي عرف آنذاك بمشروع الأكثرية، على لزوم تقسيم فلسطين إلى دولتين، دولة عربية وأخرى يهودية، وعلى أن تكون مدينة القدس كياناً منفصلاً (Corpus Separatum )، تدار بموجب نظام دولي خاص، تشرف عليه الأمم المتحدة. أما الاقتراح الثاني الذي عرف بمشروع الأقلية، فقد طالب بضرورة إنهاء الإنتداب البريطاني، وإقامة دولة موحدة في فلسطين لليهود والعرب، على أن تكون القدس عاصمة الدولة المقترحة. وبعد مناقشة المشروعين، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة مشروع الأكثرية القاضي بإنشاء دولتين وذلك بموجب توصيتها رقم 181 (د2) من تاريخ 29 تشرين الثاني (نوفمبر 1947).
بموجب توصيات اللجنة الخاصة، نص القسم الثالث من التوصية على وضع القدس تحت نظام دولي خاص، يسري لعشرة أعوام، وتصبح بموجبه كياناً منفصلاً، وتوسع حدودها لتشمل إلى جانب المناطق المتعارف عليها العديد من القرى المجاورة، لتصل جنوباً لحدود بيت لحم ، وغرباً لغاية عين كارم، وشمالاً شعفاط، وشرقاً أبو ديس. وأوكلت الأمم المتحدة إدارة المدينة بحدودها الجديدة لمجلس وصاية تابع لها، تم تكليفه آنذاك بوضع دستور مفصل للمدينة، يصون ويراعي حماية المصالح الروحية والدينية للعقائد التوحيدية الثلاث، ويدعم روح التعاون بين جميع سكان المدينة جميعهم، ويسعى لتأمين الأمن والرفاهية لهم، وتعيين حاكم للمدينة، شريطة أن لا يحمل جنسية إحدى الدولتين المقترح إقامتهما في فلسطين، وأن تنحصر مهمته بتمثيل الأمم المتحدة في المدينة بالتعاون مع مجموعة من الموظفين الإداريين من سكان مدينة القدس وسائر فلسطين دون أي تمييز عنصري.
وينص النظام الدولي الخاص على انتخاب مجلس تشريعي للمدينة بطريقة الإقتراع السري، يرتكز على مبدأ التمثيل النسبي لسكانها البالغين، وعلى إنشاء نظام قضائي مستقل، وأن تتبع المدينة من الناحية الإقتصادية للإتحاد الإقتصادي الفلسطيني، وأن تكون محايدة ومجردة من السلاح، ويحظر فيها أي نشاط عسكري أو قيام تشكيلات عسكرية، باستثناء وجود قوات من الشرطة توكل لها مهمة القيام بالمحافظة على الأمن والقانون وحماية الأماكن المقدسة. وتطرق القرار أيضاً لأنظمة التشريع والقضاء والإقتصاد .
ألحق قرار التقسيم ظلماً خطيراً بالفلسطينيين، ولم يكن تنفيذه ممكناً، فقد عارضه الفلسطينيون نظراً لأنه يتعارض مع القانون، ويخالف مبادئ العدل والديمقراطية. في مقابل ذلك، اغتنمت الحركة الصهيونية هذه الفرصة التاريخية، وقبلت القرار بشكل ملتو حتى تتمكن من تثبيت أقدامها في المنطقة بواسطة إقامة دولتها، ومن ثم تنفيذ مخططاتها المستقبلية المتمثلة باحتلال أراض الغير، والتوسع إنطلاقاً من حدود هذه الدولة.
ثانياً: قرار تقسيم فلسطين وسيطرة إسرائيل على غربي القدس
في اعقاب قرار التقسيم برزت خلافات حادة بين العرب والحركة الصهيونية، ونشبت على أثرها في عام 1948 حرب شاملة في فلسطين، نتج عنها تقسيم البلاد، وتقرر مصير فلسطين، بما فيها القدس، بواسطة إستخدام القوة المسلحة. وأفضت الحرب إلى تقويض الحدود التي رسمها قرار التقسيم جراء استيلاء القوات الصهيونية على على أكثر من 22% من الأراضي التي خصصت للدولة العربية، وتم تقسيم مدينة القدس إلى شطرين، حيث فرضت الحركة الصهيونية سيطرتها على القسم الغربي، وقامت بتهجير معظم سكانه العرب، في حين سيطرت الأردن على الشطر الشرقي من المدينة.
وفور الإعلان رسمياً عن إنتهاء الإنتداب البريطاني على فلسطين في 14 ايار/مايو 1948، أصدر أعضاء مجلس الشعب الممثل للمجتمع اليهودي إعلان قيام إسرائيل، جاء فيه:"إستناداً إلى ما لنا من حق تاريخي وطبيعي وبناء على قرار الأمم المتحدة، نعلن قيام دولة إسرائيل في أرض إسرائيل، لتكون معروفة بإسم دولة إسرائيل". وفي اليوم التالي استغلت إسرائيل حالة الفراغ والفوضى الناشئة عن انسحاب القوات البريطانية من فلسطين، واستولت على كافة الاحياء العربية الواقعة في الجزء الغربي من مدينة القدس، والتي كان عددها انذاك 12 حياً. وفي المقابل تدخلت الجيوش العربية، وحاصرت مدينة القدس، وعزلتها عن سائر المستوطنات اليهودية، وأسفرت المعركة عن وقوع القسم الغربي من المدينة بأيدي القوات الأردنية، والقسم الغربي بأيدي الإسرائيليين.
توجهت الأمم المتحدة على أثر ذلك لمجلس الوصاية التابع لها، وطلبت منه دراسة الإجراءات الكفيلة بحماية مدينة القدس ومواطنيها، وأن يرفع في أقرب وقت ممكن إقتراحات بهذا الشأن للجمعية العامة. وفي 17 أيار/مايو تم تعيين وسيط دولي لفلسطين، (الكونت برنادوت)، الذي أوصى بدوره بإقامة لجنة تحقيق خاصة بفلسطين، وأنشئت لجنة توفيق تابعة للأمم المتحدة لتتولى مهمة تثبيت وضع دولي دائم لمدينة القدس ، وتقرير حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم. وفيما يخص القدس، نص القرار 194 على اتخاذ مجلس الأمن التدابير الكفيلة بنزع السلاح من المدينة، وإصدار تعليمات للجنة التوفيق بتقديم إقتراحات مفصلة بشأن نظام دولي دائم للمدينة بما يضمن لكل من الفئتين المتنازعتين تأمين الحد الأقصى من الحكم الذاتي المحلي المتوافق مع النظام الدولي، وإدراج مقترحات وتوصيات بشأن الأماكن المقدسة، وتقديم هذه التوصيات والمقترحات للدورة الرابعة لهيئة الأمم.
أقامت لجنة التوفيق لجنة خاصة بالقدس، وأوكلت إليها مهمة التشاور مع ممثلي الحكومات العربية وممثلي مختلف الطوائف الدينية في المدينة، حيث أبدت الهيئات والوفود العربية استعدادها القبول بإقامة نظام دولي خاص لمدينة القدس، شريطة أن تقدم الأمم المتحدة ضمانات بشأن استقرار وديمومة هذا النظام. ولكي لا تنسحب من الأرضي التي سيطرت عليها على نحو غير مشروع، وبضمنها الشطر الغربي من القدس، رفضت إسرائيل القبول بإنشاء نظام دولي خاص للمدينة وفقاً لما هو منصوص عليه في القرارين 181 و 194، وأعلنت قبولها بسريان نظام دولي على الأماكن المقدسة فقط.
من جهتها، أعلنت السلطات الأردنية في 24 نيسان/ابريل 1950 عن ضم الضفة الغربية، وبضمنها القدس الشرقية، واعترفت بريطانيا بهذا الإتحاد معلنة عن سريان إتفاقية الدفاع المشترك بين الأردن وبريطانيا على الضفة الغربية والقدس. وفي 1 نيسان.ابريل من نفس العام، نظمت أول إنتخابات نيابية شملت الضفتين، والتأم مجلس الأمة المؤلف من مجلس النواب ومجلس الأعيان، واتخذ قرارا بوحدة ضفتي نهر الأردن-فلسطين والأردن- ضمن المملكة الأردنية الهاشمية، وبقيت القدس الشرقية تحت السيطرة الأردنية لغاية السابع من حزيران/يونيو 1967.
حاولت الأمم المتحدة طيلة عقدين تطبيق النظام الدولي الخاص على القدس، لكنها فشلت نتيجة الرفض الإسرائيلي، والعمل بشكل مواز على فرض سياسة الأمر الواقع تمهيداً لقبول الأمم المتحدة بالسيطرة الإسرائيلية على الشطر الغربي، مما أفضى لفشل جهود اللجنة. وعلى أثر إحتلال الضفة الغربية وبضمنها القدس الشرقية، إبان عدوان حزيران 1967، توجهت اللجنة إلى هيئة الأمم، ووضحت التعقيدات التي استجدت على قضية القدس، وأعلنت أنه لم يعد بإمكانها بذل أية جهود في هذا المجال.
ثالثاًً: احتلال إسرائيل للجزء الشرقي لمدينة القدس وضمه
فور الاستيلاء على الأرض الفلسطينية المحتلة، وبضمنها القدس الشرقية، وبسط السيطرة عليها، باشرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بانتهاج السياسات الكفيلة بتنفيذ المشاريع المعدة مسبقا والمتمثلة بالاستيلاء على الأراضي ومصادرتها، وتشييد المستوطنات ونقل المستوطنين اليهود إليها وتوطينهم فيها. كانت القدس الشرقية الأكثر إستهدافاً، إذ شرعت سلطات الاحتلال بتطبيق السياسات الهادفة للنيل من طابعها العربي، والتطهير العرقي، وعزل المدينة عن باقي أرجاء الأرض الفلسطينية المحتلة، وتهجير مواطنيها الفلسطينيين، وتهويدها، وضمها. ذلك ما عبر عنه في السابع من حزيران/يونيو 1967 الجنرال موشيه ديان، وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، والذي أعلن عن سياسة دولة الاحتلال الهادفة لإبقاء سيطرتها على الأراضي المحتلة، وتحديداً القدس، حين صرح بما يلي: "لقد حررت قوات جيش الدفاع الإسرائيلي القدس، وأعدنا توحيد هذه المدينة - عاصمة إسرائيل - وعدنا إلى أقدس الأماكن ولن نرحل عنها مرة أخرى أبدا".
ولتحقيق ما أعلن عنه موشيه دايان، وضم المدينة بشكل فعلي، اجتمعت الحكومة الإسرائيلية بتاريخ 11/6/1967 لتحديد مستقبل القدس المحتلة، وكيفية التعاطي معها، فأجمعت على وجوب ضمها، وأوكلت مهمة وضع الخطوات اللازمة لتنفيذ ذلك إلى لجنة رقابة خاصة. قدمت اللجنة للحكومة الإسرائيلية ثلاثة اقتراحات لقوانين هي: قانون تعديل قانون أنظمة السلطة والقضاء (رقم 11) لسنة 1967، قانون تعديل قانون البلديات (رقم 6) لسنة 1967، قانون المحافظة على الأماكن المقدسة لسنة 1967.
عرضت مقترحات القوانين على الكنيست الإسرائيلي، وتمت المصادقة عليها في 28/6/1967. وفي اليوم التالي أصدرت الحكومة الإسرائيلية مرسوم أنظمة السلطة والقضاء (رقم1) 1967، والذي كرس الولاية القضائية والإدارية لدولة الاحتلال على مناطق القدس الشرقية. وصرح وزير العدل الإسرائيلي آنذاك في الكلمة التي ألقاها في الكنيست بأن الجيش الإسرائيلي قد حرر من نير الغرباء أجزاء كثيرة، وأن هنالك حاجة إلى القيام بإجراءات من أجل تثبيت السيادة عليها، وجعل القضاء الإسرائيلي يسري عليها.
وفقاً لمرسوم أنظمة السلطة والقضاء، بسطت سلطات الإحتلال الإسرائيلي ولايتها القضائية والإدارية على مناطق البلدة القديمة، وصور باهر، والشيخ جراح، ومطار قلنديا، وجبل المكبر، وشعفاط، ووادي الجوز، والعيسوية، وبيت حنينا والطور وبيت صفافا وشرفات. بموازاة ذلك قام وزير الداخلية الإسرائيلي بإصدار مرسوم "إعلان القدس" الذي نص على توسيع نفوذ بلدية القدس ليشمل القدس الشرقية والقرى والبلدات المجاورة لها، بما فيها البلدة القديمة لتصبح القدس المحتلة ضمن سلطة بلدية "القدس الإسرائيلية".
لاقت القوانين الثلاثة والمراسيم المرتبطة معارضة من قبل الأمم المتحدة باعتبارها تستهدف القدس، وتمس بالوضع الذي كان قائماً فيها قبل الاحتلال، واتخذت جملة من القرارات، دعت بموجبها سلطات الإحتلال لعدم القيام بأي إجراء من شأنه تغيير وضع القدس. ومن أبرز هذه القرارات، قرار الجمعية العامة رقم (2253) (الدورة الإستثنائية الطارئة-5) الذي طالب إسرائيل بإلغاء التدابير المتخذة لتغيير وضع المدينة، والإمتناع عنها في المستقبل، معتبرة أن تلك التدابير غير صحيحة وطالبت إسرائيل بإلغائها والإمتناع عن الإتيان بأي عمل من شأنه تغيير مركز المدينة.
وأعرب وزير الدولة للشؤون الخارجية بالمملكة المتحدة في خطابه أمام الدورة الإستثنائية للجمعية العامة والتي نتج عنها إتخاذ القرارين 2253-2254 عن موقف بلاده قائلاً: "أن الحرب ينبغي أن لا تؤدي إلى توسع اقليمي ... وأنا أهيب بدولة إسرائيل ألا تتخذ فيما يتصل بالقدس أية خطوات من شأنها أن تتعارض مع هذا المبدأ. وأقول بكل جدية لحكومة إسرائيل أنها لو تصرفت بشكل يفهم منه أنها ستقوم بضم المدينة القديمة، أو بإصدار تشريعات لضمها، فإنها تكون بذلك قد اتخذت خطوة لا تؤدي إلى عزلها عن الرأي العام العالمي فحسب، بل وكذلك الى فقدانها لما تحظى به من تأييد.
واقتصرت معارضة الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولي للسياسات الإسرائيلية على الجانب الشكلي. ونتيجة الواقع الجديد الذي تمخض عن الإحتلال الإسرائيلي للشطر الشرقي من المدينة، أخذ الموقف الدولي والعربي الداعي لتطبيق نظام دول خاص على مدينة القدس طبقا لما جاء في القرار رقم (181) في الإنحسار، وبرزت مواقف مغايرة وغير متجانسة، وتنازلت الولايات المتحدة عن موقفها الداعي لإقامة نظام دولي خاص وتطبيقه، على القدس بأكملها، واتخذت موقفاً مغايراً، يقضي بأن وضع مدينة القدس يجب أن يبت فيه عن طريق المفاوضات بين اليهود والعرب.
واصلت السلطات الإسرائيلية رفضها الامتثال للقرارات الدولية، واستمرت بتهويد مدينة القدس، وبناء المستوطنات، واستقدام المستوطنين اليهود، وتوطينهم فيها، في حين أنها تعمل جاهدة، وبشتى الطرق لاستهداف التواجد الفلسطيني في المدينة. وبعد وضع الإطار القانوني الكفيل بضم المدينة، باشرت سلطات الإحتلال باتخاذ الإجراءات العملية لفرض السيطرة على المدينة ومواطنيها الفلسطينيين، فلجأت للاستيلاء على الأرض ومصادرتها، وبناء المستوطنات، وعزل المدينة على باقي أرجاء الارض المحتلة، والتضييق على الفلسطينيين لإجبارهم على الهجرة منها.
ولعله من أخطر الإجراءات على هذا الصعيد، سن الكنيست القانون الأساسي "القدس عاصمة إسرائيل" وذلك بتاريخ 30/7/1980 لتتضح بذلك النوايا والتوجهات الإسرائيلية الهادفة إلى ضم وتهويد المدينة، وليتضح للعالم ولمنظمة الأمم المتحدة بأن جميع المخاوف والتساؤلات التي راودتها بخصوص الممارسات الإسرائيلية تجاه القدس المحتلة كان لها ما يبررها، وأن الإجراءات تأتي في سياق خطة متكاملة، هدفها النهائي تهيئة الأجواء لضم المدينة بشكل فعلي.
نص قانون الضم إعتبار "القدس الكاملة والموحدة عاصمة إسرائيل"، وشدد على ضرورة تكثيف وتثبيت المؤسسات الرسمية للدولة في المدينة كمقر رئيس الدولة، والكنيست، ومقر المحكمة العليا، والحكومة الإسرائيلية، كما نص على لزوم تخصيص منحة سنوية " لبلدية القدس الموحدة " من قبل الحكومة الإسرائيلية من أجل تطوير المدينة.
جوبه قرار ضم القدس الشرقية برفض شديد من قبل الأمم المتحدة، ومن المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية. واتخذ مجلس الأمن القرار 478،الذي عبر عن إستنكاره الشديد لضم القدس الشرقية، ولرفض السلطات الاسرائيلية احترام وتطبيق القرارات الدولية المتعلقة بالمدينة، وسائر الأراضي المحتلة، واعتبر ذلك الرفض بمثابة انتهاك خطير للقانون الدولي، وأكد على عدم إعترافه بجميع الإجراءات والأعمال التي تقوم بها سلطات الإحتلال الإسرائيلي والتي من شأنها تغيير مركز القدس بما فيها"القانون الأساسي"، وناشد كافة الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة بمساندة القرار 478، وطالب الدول التي لها بعثات دبلوماسية في مدينة القدس بسحبها. وعلى أثر ذلك قامت جميع الدول التي لها بعثات دبلوماسية في المدينة بسحب هذه السفارات وعددها 13 سفارة.
الفصل الأول: الإجراءات الإسرائيلية بحق المواطنين الفلسطينيين في القدس المحتلة:-
أدى سريان وتطبيق القوانين الإسرائيلية على شرقي القدس نتيجة ضمها من قبل إسرائيل، إلى حرمان الفلسطينيين من حق الإقامة في القدس، إضافة لمواجهة السكان المقدسيين لجملة مشاكل، تمثلت بتشتيت الأسر جراء المساس بوحدة الأسرة، ووضع المعوقات أمام جمع شملها داخل حدود المدينة، ومشاكل أخرى تتعلق بتسجيل المواليد، والتعليم، وتلقي الخدمات الصحية والاجتماعية وغيرها، والسكن والبناء.
وأصبح المقدسيون خاصة، والفلسطينيون عامة، عرضة للمعاناة الناجمة عن السياسات الإسرائيلية والإجراءات المرتبطة بها، بما في ذلك القوانين والتشريعات التي أقرتها للنيل من النسيج الاجتماعي للمدينة، وتقويض بنيتها الاقتصادية، وتشتيت الأسر المقدسية، وحرمان المقدسيين من المتطلبات الحيوية اللازمة لممارسة حياتهم الطبيعية، مما وضع هؤلاء في موقع الدفاع اليومي عن حقوقهم، وفي مقدمتها حق الإقامة في القدس، والعيش فيها بكرامة، والحق في السكن، والحق في التعليم، والدفاع عن وحدة العائلة، وحمايتها من التشتت.
- وسائل حرمان الفلسطينيين من حق الإقامة في القدس:
على أثر الضم الفعلي للقدس، باشرت سلطات الإحتلال بتنظيم سجل لسكانها الفلسطينيين، وأدرجتهم ضمن فئة المقيمين الدائمين في إسرائيل، وذلك شريطة أن يثبتوا أنهم يقيمون بشكل فعلي في المدينة، وأن يكونوا قد تواجدوا فيها إبان إجراء السجل. كانت الشروط التي وضعتها سلطات الاحتلال للسماح للفلسطينيين بالإقامة في القدس بداية الطريق للتقليل من نسبة هؤلاء فيها، إذ قصرت حق الإقامة في المدينة على الذين تواجدوا فيها أثناء فترة الإحصاء، حيث تم بشكل تلقائي استثناء المقدسيين الذين كانوا يقيمون في الخارج انذاك، بما فيهم كل من كان مقيماً خارج حدود بلدية القدس التي اقرتها وزارة الداخلية الإسرائيلية في حزيران 1967، ولم يحصلوا على وضع المقيمين الدائمين، وتم حرمانهم من الإقامة في المدينة، ولم يسمح لهم بالعودة إلى وطنهم.
منحت السلطات الإسرائيلية "حق الإقامة الدائمة" للفلسطينيين الذين تواجدوا في القدس عام 1967، وذلك وفقاً لما هو منصوص عليه في قانون الدخول إسرائيل لعام 1952، واعتبر المقدسيين بمثابة مقيمين "residents" في إسرائيل، وليسوا مواطنين "Citizens"، مما لا يترتب عليه أية حقوق دائمة كما تمليه قوانين المواطنة، بل عليهم التقيد بالشروط التي تمليها الإقامة في إسرائيل، وذلك أسوة بالمواطنين الأجانب القادمين من الخارج، ووفقاً لما يمليه قانون 1952.
منذ ذلك الحين بات كل فلسطيني يغادر القدس ويقيم في مكان آخر، سواء خارج البلاد، أو في الضفة الغربية وقطاع عزة لمدة طويلة نسبيا أمام خطر فقدان حقه المتمثل بالإقامة الدائمة في المدينة، خاصة وأن قانون الدخول إلى إسرائيل لسنة 1974 يخول وزير الداخلية إلغاء الإقامة سواء كانت مؤقتة أم دائمة. إضافة لذلك، تنص المادة 11(أ) من أحكام الدخول لإسرائيل على مبدأ فقدان الأشخاص للإقامة الدائمة في حالة الإقامة في دولة أجنبية لمدة سبع سنوات، أو الحصول على إقامة دائمة في بلد أجنبي، أو التجنس في بلد أجنبي، بما فيهم الفلسطينيون الذين يسكنون خارج حدود بلدية القدس التي رسمتها السلطات الإسرائيلية بعد الاحتلال.
استمر العمل بذلك لغاية 1988، وهو عام صدور قرار محكمة العدل العيا الإسرائيلية في "قضية مبارك عوض"، والذي تم بموجبه إعمال معيار جديد "مركز الحياة – Domicili" من أجل استمرار حيازة المقدسيين على الإقامة الدائمة. وعلى هذا الأساس، أصبح وزير الداخلية الإسرائيلي مخولاً بسحب بطاقة هوية كل مقدسي يثبت أنه يعيش خارج المدينة، وأن مركز حياته ليس داخل حدود البلدية، حتى لو أقام أقل من سبع سنوات.
مع حلول العام 1995 طبقت السلطات الإسرائيلية هذه الإجراءات على نطاق واسع، وأخذت تتشدد أكثر حيال الفلسطينيين المقيمين خارج المدينة، وتضع أمامهم مختلف العراقيل لإسقاط حقهم في الإقامة فيها، ومنعهم من العودة إليها، وطال ذلك عشرات الاف المقدسيين والمقدسيات الذين دفعت بهم ضائقة السكن للعيش في الأحياء المحاذية لمدينة القدس، وكذلك الذين تزوجوا من أشخاص لا يحملون هوية القدس، ويعيشون معهم خارجها، وأضحت الموافقة على جمع شملهم، وتسجيل أطفالهم بحكم شبه المستحيلة، مما تسبب بتشتيت الاف الأسر والعائلات، وفرض هجرة قسرية على الفلسطينيين.
بموازاة ذلك، باشرت مؤسسة التامين الوطني منذ عام 1984 بتضييق الخناق على المواطنين المقدسيين، فقامت بتطبيق سياسات مغايرة عليهم، حيث تم حرمان الفلسطينيين الذين نقلوا مكان سكناهم إلى خارج "حدود البلدية" من مخصصات التأمين الوطني المختلفة، مما حرم الاطفال الذي ولدوا خارج حدود البلدية، وفي الضواحي المتاخمة لها، بعدإعمال هذه الإجراءات من كافة المخصصات. لاقى ذلك تأييد القضاء الإسرائيلي والمحكمة العليا الإسرائيلية التي أكدت في القرار الذي أصدرته عام 1993 على جواز حرمان المقدسيين المقيمين خارج "حدود البلدية" من المخصصات والخدمات التي تقدمها مؤسسة التأمين الوطني.
تسوق السلطات الإسرائيلية حججاً لا تتوافق مع القانون الدولي والمعايير الدولية لحقوق الانسان لتبرير هذه السياسات، فهي تتذرع بولادة الأطفال أو بقائهم لفترات طويلة خارج الأرض المحتلة، وعدم الإقامة الدائمة في مدينة القدس المحتلة، أي جعل القدس مركزاً لحياتهم،، أو الغياب عنها لفترة تزيد عن 7 سنوات متواصلة. ذلك شكل مساساً خطيراً بحق هؤلاء، وتحديداً الأطفال في الإحتفاظ بصلاتهم العائلية، وبجنسيتهم وبهويتهم، وبالتالي انتهاك المبدأ القاضي بضمان نمو الأطفال بشكل طبيعي، وممارسة حقهم في التعلم، وتلقي الخدمات الصحية والإجتماعية.
- قانون المواطنة والدخول الى اسرائيل لسنة 2003 واثاره على الفلسطينيين:-
في أيار/مايو 2002 أتخذت الحكومة الإسرائيلية القرار رقم 1813 بشأن "معالجة قضايا المقيمين غير القانونيين في إسرائيل، وسياسة جمع الشمل لعائلات أحد أفرادها من أصل فلسطيني، أو من الضفة الغربية والقطاع". القرار نص على عدم سريان إجراءات منح المواطنة أو الإقامة الدائمة لشركاء حياة الذين بحوزتهم مواطنة إسرائيلية أو إقامة دائمة على ذوي الأصول الفلسطينية، وعلى سكان الأرض المحتلة الفلسطينيين.
ومن جملة ما ورد في القرار، أنه لن يسمح بتقديم أية طلبات لمنح مكانة قانونية لفلسطينيين/ات، من سكان السلطة الفلسطينية أو من أصل فلسطيني، ولن يصادق على أية طلبات عالقة في وزارة الداخلية بخصوص منح مكانة قانونية لأزواج/ زوجات عرب في إسرائيل، من سكان السلطة أو من أصل فلسطيني، حتى في الحالات التي نال/ نالت فيها أحد/ى الأزواج/ الزوجات تصريحا يمنحه/ها مكانة ما، فإنه لن يتم تعديل هذه المكانة الى مكانة متقدمة أكثر "(أي أن يتم تجميد المكانة التي نالها/ نالتها الزوج/ة مثل "مقيم مؤقت" أو "مقيم ثابت)".
مما لا شك فيه أن القرار يستهدف الفلسطينيين أينما وجدوا (داخل إسرائيل، في الأرض المحتلة، أو خارج البلاد)، وذلك بحكم سريانه على الفلسطينيين، وذوي الأصول الفلسطينية، وعدم تطبيقه على الأخرين، مما يعني استمرار العمل بالإجراءات المتبعة، وتمكين كل من ليس فلسطيني، أو من ذوي أصول فلسطينية من الحصول على الجنسية الإسرائيلية، و/أو الإقامة الدائمة في حال الزواج الزاوج من إسرائيليين/إسرائيليات.
وضعت الحكومة الإسرائيلية هذا القرار في اطار القانون في 31.7.2003، وذلك بإقرارها قانون المواطنة والدخول الى اسرائيل (قانون مؤقت)-2003 الذي يمنع الفلسطينيين وذوي الأصول الفلسطينية الذين تزوجوا من مواطنين إسرائيليين أو مقيمين دائمين في إسرائيل من السكن معهم داخل إسرائيل. وبحكم الضم غير المشروع للقدس، وبالتالي اعتبارها "جزء من إسرائيل" فأن القانون يمس بشكل أساسي المواطنين المقدسيين، وأطفالهم المولودين خارج المدينة ،لأنه يمنع تسجيلهم لدى وزارة الداخلية الإسرائيلية، مما يعني أن القانون جمد العمل بسياسة جمع الشمل المعمول بها كلياً.
يتم تمديد العمل بهذا القانون بشكل دوري، وهو يسري لغاية الان، وبموجب التعديل الذي أجري على القانون في 2005-07-27 فتح الباب لتقديم طلبات جمع شمل للزوجات غير المقدسيات اللواتي بلغن الخامسة والعشرين، وللأزواج غير المقدسيين الذين بلغوا الخامسة والثلاثين، أما من هم دون ذلك، فترك الحال على ما هو، وعللت السلطات الإسرائيلية ذلك، بأن الذين دون هذه الأعمار قاموا بتنفيذ هجمات داخل إسرائيل.وأدى لحرمان الاف الأسر الفلسطينية في الأرض المحتلة، وبضمنها القدس، وداخل إسرائيل من حقوقها الأساسية، وذلك بصفتها الوحدة الأساسية للمجتمع والبيئة الطبيعية لنمو ورفاهية جميع أفرادها وبخاصة الأطفال، وأنه ينبغي أن تولى الحماية والمساعدة اللازمتين لتتمكن من الاضطلاع الكامل بمسؤولياتها داخل المجتمع.
للقانون أثاره المأساوية على الفلسطينيين بمعزل عن مكان تواجدهم وإقامتهم، سواء في القدس وسائر انحاء الأرض الفلسطينية المحتلة، أو داخل إسرائيل، وخارج البلاد، فهو يستهدف الفلسطينيين، وذوي الأصول الفلسطينية، بصفتهم تلك، ودون غيرهم. فالقانون يجمد البت بطلبات جمع شمل العائلات الفلسطينيية عبر شطري الخط الاخضر، وفي القدس المحتلة، ويفرض قيوداً صارمة على ذلك، وجمع شمل شركاء الحياة شبه مستحيل، وكذلك تسجيل الأطفال، ويشتت الأسر الفلسطينية، ويحرمها من حقها في العيش المشترك في بيئة أسرية آمنة وسليمة، ويجبر الفلسطينيين على الهجرة القسرية من الأماكن غير المرغوب بهم فيها، وبالتالي الانكفاء وراء الجدار، أو ترك البلاد والهجرة إلى الخارج، وذلك في سياق السياسات العنصرية التي تنتهجها السلطات الإسرائيلية بشأن تقليص نسبة الفلسطينيين، السكان الأصليين للبلاد، وزيادة نسبة اليهود فيها، ففي المحصلة هذا هو الهدف من هذا القانون.
ويقف هذا القانون عائقاً أمام حصول أطفال كثيرين، ممن أحد الوالدين مواطن في إسرائيل، والآخر مواطن في الأرض المحتلة، على وضع قانوني ثابت داخل إسرائيل، وينتهك حق الأطفال الفلسطينيين البالغة أعمارهم بين 14- 18 عاماً الحصول على وضع قانوني ثابت، حتى في حال مكوثهم داخل إسرائيل مع أحد الوالدين الذي بحوزته مواطنة إسرائيلية، بل أنه بحوزتهم تصريح مؤقت، يستيطعون المكوث بموجبه في إسرائيل لفترة أقصاها ثلاثة - ستة أشهر، وذلك دون الحصول على أي حقوق أو امتيازات اجتماعية.
يذكر أن مصير هؤلاء الأطفال مبهم، وغير واضح إلى ماذا ستؤول أوضاعهم عند بلوغهم سن 18 عاماً. هل سيتم حينها منحهم تصاريح تمكنهم من البقاء مع الوالدين؟ هل ستعترض السلطات على إعطائهم التصاريح اللازمة، الأمر الذي سيضطرهم إلى مغادرة بيوتهم الكائنة في إسرائيل، أو في القدس المحتلة؟ أم أنهم سيستمرون في العيش داخل بيوتهم، ومع أفراد عائلاتهم بينما هم عرضة للترحيل إلى داخل الأرض المحتلة؟
الوضع مغاير نوعاً ما بالنسبة للأطفال ممن دون الرابعة عشر من العمر، حيث يحصلون على تصريح من قبل وزارة الداخلية، يمكنهم من الإقامة المؤقتة في القدس أو داخل إسرائيل. وبموجب هذا التصريح (مواطن مؤقت)، الذي يمنح لمدة عامين فقط، يتمتع هؤلاء الاطفال بكافة الضمانات والحقوق الاجتماعية التي يتمتع بها المواطن (التأمين الوطني، التأمين الصحي)، غير أن هذه السياسة تقوم على منح التصريح لعامين فقط، شريطة أن يتم إثبات مركز حياة الطفل داخل إسرائيل.
- المحكمة العليا تدعم سياسات إلغاء الإقامة وتجمد جمع الشمل:-
حازت إجراءات عزل القدس والحد من نسبة الفلسطينيين فيها على دعم وتأييد المحكمة العليا الإسرائيلية التي نظرت في قضية مبارك عوض ضد رئيس الحكومة عام 1988، حيث أيد القضاة قرار وزير الداخلية الإسرائيلي القاضي بسحب الإقامة الدائمة لمبارك عوض (سحب الهوية الإسرائيلية الخاصة بسكان القدس الفلسطينيين) بسبب تركه للقدس والذهاب للولايات المتحدة الأمريكية للدراسة، والزواج هناك وحيازة الجنسية الأمريكية.
بعد إقرار الكنيست الإسرائيلي لقانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل، تقدم العديد من منظمات حقوق الانسان الفلسطينية والإسرائيلية بالتماس للمحكمة العليا الإسرائيلية طعنت بموجبها بمشروعية هذا القانون، وطالبت بإلغائه لأنه ينتهك المعايير الدولية لحقوق الانسان، ويحمل طابعا عنصريا باستهدافه الفلسطينيين دون سواهم، لكن المحكمة العليا ردت هذه الالتماسات.
أيد ستة قضاة من بين أحد عشر إدعاء الملتمسين القائل بأن أحكام القانون تشكل أنتهاكاً للحق الأساسي بالحياة العائلية والمساواة من جهة، لكنها قبلت بالتفسيرات والذرائع الرسمية التي ساقتها السلطات، والقائلة بأن القانون تمليه الحاجات الأمنية. لكن بغالبية ستة قضاة مقابل خمسة، رفضت المحكمة العليا الإسرائيلية التماس مركز "عدالة" وستة التماسات اخرى ألحقت به، من ضمنها جمعية حقوق المواطن في إسرائيل، والتي طالبت جميعها بوجوب إلغاء قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل "قانون مؤقت" 2003، بصفته ينتهك حق مواطني إسرائيل بجمع شملهم مع أزواجهم وزوجاتهم الفلسطينيين من سكان الأراضي المحتلة..
عبر القاضي حيشين، الذي شغل نائب رئيس المحكمة العليا انذاك عن موقف الأغلبية، وادعى أنه ليس هنالك لمواطني دولة إسرائيل حق دستورأساسي يخولهم بمطالب المحكمة إبطال قانون أقرته الكنيست بخصوص منع أزواجهم زوجاتهم "الأجانب" من نيل مكانة قانونية في إسرائيل. واعتبر القاضي حيشين أن الحق بكرامة الإنسان لا يتضمن في طياته أي واجب أو التزام قانوني، يفرض على الدولة السماح ل "الأجانب" المتزوجين من مواطنين إسرائيليين بالدخول إلى إسرائيل، وأضاف أن "واقع الحرب ضد السلطة الفلسطينية" هو مبرر كاف لسن هذا القانون الهادف الى الحؤول دون دخول عناصر معادية إلى إسرائيل. وعبر القاضي ليفي عن رأيه بأن القانون غير دستوري، إلاّ أنه يجب رفض الالتماسات لإتاحة الفرصة أمام الكنيست لتعديله. أما باقي القضاة الذين انضموا للأغلبية، فقد أقرّوا أن القانون يشكل مساساً بالحقوق الدستورية، إلا إنّه يتناسب مع الفائدة المرجوة منه .
رئيس المحكمة العليا، القاضي أهرون براك مثل موقف الأقلية، فاعتبر أن الأمر يتعلق بحق مواطني الدولة الإسرائيليين في المساواة، وممارسة حياتهم العائلية، وذلك بموجب ما هو منصوص عليها في القانون الأساسي "كرامة الإنسان وحريته"، والذي يحق بموجبها للمواطن أن يمارس حياة عائلية مع الزوج الآخر في إسرائيل. وأضاف القاضي براك، هناك بيته وهناك مجتمعه، هناك جذوره التاريخية والثقافية والإجتماعية... انتهاك الحق هذا موجّه ضد المواطنين العرب في إسرائيل. ولذا، فإنّ نتيجة هذا القانون هي المساس بحق هؤلاء بأن يكونوا متساوين. وأقرّ قضاة الأقلية بأن القانون ليس نسبيًا باعتباره يلغي إمكانية النظر بكل حالة على حده، وينتهك الحقوق ويصادرها بشكل جماعي ووتعسفي. وبناءً على ذلك خلص القاضي براك إلى نتيجة تقضي بأنّه يتوجب إلغاء القانون كونه غير دستوري.
- إلغاء حق الإقامة لفلسطينيي القدس في ضوء القانون الدولي المعاصر:
هنالك تبعات خطيرة لإلغاء حق إقامة الفلسطينيين في القدس، ليس فقط على المقدسيين، بل على كل فلسطيني بحكم الحق المتأصل لهؤلاء في الإقامة والعيش في المدينة، والخروج منها والدخول إليها بحرية تامة. فالقدس هي جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل عام 1967، وبالتالي فأن كافة الإجراءات التي اتخذتها السلطات الإسرائيلية لتغيير المكانة القانونية للمدينة ولمواطنيها الفلسطينيين باطلة بحكم مخالفتها لأسس ومبادئ القانون الدولي.
تتسبب هذه الممارسات بمعاناة لجميع الفلسطينيين، وتطال النساء والأطفال بصورة خاصة، وتضع عشرات آلاف الأسر الفلسطينية في ظروف حياتية مأساوية للغاية: ليس بإمكان الزوج وزوجته العيش تحت سقف مشترك، فأحدهم في القدس المحتلة أو داخل إسرائيل أو في الخارج، والآخر في غزة أو الضفة الغربية، الأولاد يترعرعون دون أحد الوالدين، الكثير من الأشخاص يهابون من السفر إلى الخارج، بما في ذلك لتلقي العلاج الطبي خوفاً من أنهم سيمنعون من العودة إلى أحضان أسرهم. كل ذلك يفضي إلى انتهاكات خطيرة للمعايير المنصوص عليها في الاتفاقيات والمواثيق الدولية لحقوق الانسان، ولقواعد وأحكام اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949.
حق الانسان في بلده هو متأصل وأساسي، وهو معترف به قانونياً وموثق في المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر 1948، والتي أكدت على أن "لكل فرد حق حرية التنقل، وفي اختيار محل إقامته داخل حدود دولته". كذلك الحال بالنسبة للعهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية 1966، فقد أكدت المادة 12 منه على هذا الحق بالنص على أن "لكل فرد يوجد على نحو قانوني داخل إقليم دولة ما حرية التنقل فيه، وحرية اختيار مكان إقامته".
بانتهاجها هذه السياسات، تكون إسرائيل قد انتهكت، وعلى نحو واضح، التزاماتها وتعهداتها بموجب هذه الاتفاقيات الدولية، وانتهكت مبدأ حظر التمييز باعتباره قاعدة ملزمة بموجب القانون الدولي. السياسات الإسرائيلية على هذا الصعيد هي بمثابة تمييز واضح تجاه مواطني القدس الفلسطينيين بالدرجة الأولى، وانتهاك للمبدأ القائل بضروة أن يتساوى الناس جميعاً أمام القانون، والتمتع بحماية القانون دون أي تمييز لأي سبب كان.
تعتبر سياسة إلغاء إقامة الفلسطينيين في القدس وسياسة جمع الشمل المتبعة بمثابة انتهاك خطير للمعايير الدولية التي تضمن الحماية للأسرة بصفتها الوحدة الجماعية الطبيعية والأساسية في المجتمع، والحق في التمتع بحماية المجتمع والدولة، وأن يكون للرجل والمرأة، ابتداءً من بلوغ سن الزواج، حق في التزوج وتأسيس أسرة.
تؤكد إتفاقية حقوق الطفل على حق الطفل في معرفة والديه قدر الإمكان، وعلى ضرورة أن يسجل بصورة فورية بعد الولادة. وفي نفس الوقت، تقر الاتفاقية بحق الطفل في اكتساب اسم وجنسية، وضرورة إقصاء أي تدخل أو سبب غير شرعي من شأنه أن يمس بتعهد الدول الأطراف القاضي باحترام حق الطفل في الحفاظ على هويته، وجنسيته، واسمه، وصلاته العائلية. لذلك يمكن القول بأن هذه السياسات مخالفة واضحة لاحكام اتفاقية حقوق الطفل التي تعتبر الأسرة بمثابة الوحدة الاساسية للمجتمع والبيئة الطبيعية لنمو ورفاهية جميع أفرادها وبخاصة الأطفال، وتولي أهمية خاصة للمواطنة، ولوضع الطفل القانوني في المجتمع والدولة، والتي على أساسها يتمتع بالحماية والخدمات والضمانات الإجتماعية التي تقدمها الدولة لمواطنيها.
يقع على عاتق إسرائيل، بصفتها طرفاً في اتفاقية حقوق الطفل، واجب احترام أحكام وقواعد الاتفاقية، ووقف انتهاكاتها المستمرة لحق إقامة الفلسطينيين في القدس، وإلغاء الحظر المفروض على جمع شمل الأسر الفلسطينية المشتتة، وتسجيل الأطفال، بصفتها تشكل انتهاكاً لالتزاماتها المنصوص عليها في المادة العاشرة من الاتفاقية والتي تنص على التالي: "على الدول الأطراف النظر في الطلبات التي يقدمها الطفل أو والداه لدخول دولة طرف أو مغادرتها بقصد جمع شمل الأسرة، بطريقة إيجابية وإنسانية. وتكفل الدول الاطراف كذلك ألا تترتب على تقديم طلب من هذا القبيل نتائج ضارة على مقدمي الطلب وعلى أفراد أسرهم".
تنطوي سياسة السلطات الإسرائيلية بشأن تجميد جمع شمل العائلات الفلسطينية القاطنة عبر طرفي الخط الأخضر على انتهاكات خطيرة لحقوق الاطفال الفلسطينيين، وساهمت في تفكيك الاسرة الفلسطينية، ومست بوحدتها. فهنالك آلاف الأطفال الذين اضطروا للعيش بعيدين عن احد الوالدين أو عن كليهما نتيجة لرفض السلطات الإسرائيلية لطلبات جمع الشمل التي تقدموا بها، أو البت في الطلبات المقدمة منذ عام 2002، وذلك استناداً إلى القانون العنصري "قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل"، الذي يمهد الأجواء، ويخلق البيئة للتهجير القسري.
هذه السياسات تضر على نحو واضح بالمصلحة الفضلى للطفل بصفتها من المبادئ المستقرة في القوانين الدولية والوطنية، ومن حيث إلزامها للدول بجعل هذه المصلحة في المقام الأول على صعيد السياسات المتعلقة بالأطفال الذين يعيشون في المناطق الخاضعة لنفوذها الفعلي. إن هذا المبدأ يُحتم تمكين الأطفال من الترعرع والعيش في بيئة عائلية مستقرة وداعمة، وفي جو من السعادة والمحبة والتعاون.
إن إلغاء الحق في الحصول على مكانة مواطن دائم في إسرائيل بواسطة القانون، يُعتبر انتهاكاً متواصلاً لحقوق هؤلاء الأولاد وعائلاتهم. إن القانون يمس مساً بالغاً جداً بالحق في الحياة الأسرية، المعترف به كمركب من مركبات الحق بالكرامة، وهو حق مقنن في قانون الأساس: كرامة الإنسان وحريته، حيث يمنع الأولاد ووالديهم من حياة الأسرة السليمة والمستقرة. بالإضافة إلى ذلك، فإن القانون يمس بقدرة الوالد المواطن على الإيفاء بالتزاماته تجاه أبنائه. إن الواجب الملقى على عاتق إسرائيل باحترام الحق في حياة الأسرة والامتناع عن التدخل التعسفي في هذه الحياة، مقنن أيضا في القانون الدولي لحقوق الإنسان.
إن القانون يولد التمييز بين أبناء الفلسطينيين، من مواطني إسرائيل وسكانها، الذين يسلب منهم القانون الحقوق المترتبة عن مبدأ مصلحة الولد، وبين أبناء مواطني إسرائيل وسكانها الذين ليسوا فلسطينيين، الذين يتمتعون بثمار هذا المبدأ. علاوة على ذلك، فإن سريان القانون على الأولاد، الذين لا يُشكلون خطراً على سلامة الجمهور، يكشف عن عورة الأهداف المصرح بها لهذا القانون، التي كانت وما تزال أمنية من الناحية الرسمية.
إن السياسات التي تنتهجها سلطات الإحتلال الإسرائيلي، وما يرتبط بها من إجراءات، تؤدي لحرمان عشرات آلاف سكان القدس الفلسطينيين من الإقامة والعيش فيها، وحرمان أي فلسطيني، أو ذوي الأصول الفلسطينية من دخول هذه المدينة المحتلة والعيش فيها، تنتهك حق الفلسطينيين، وتحديداً الأطفال، على نحو خطير. فالقيود المفروضة على جمع الشمل، وعلى مواصلة الفلسطينيين العيش في القدس، أفرزت آلاف الأطفال الذين صودرت هوياتهم بسبب أضطرارهم للعيش مع أحد الوالدين الذي ليس بحوزته الهوية الإسرائيلية الخاصة بسكان القدس، وذلك لعدم تمكنه من التواجد والعيش مع أفراد أسرته في المدينة. كما أن بقاء الطفل خارج القدس مع الوالد أو الوالدة الذين لا يحملون هذه الهوية، يتسبب بفقدانهم لحق الإقامة فيها.
الفصل الثاني: التطهير العرقي والتهجير القسري
"أنا أؤيد الترحيل القسري، ولا أرى فيه شيئاً غير أخلاقي".
دافيد بن- غوريون، مخاطباً اللجنة التنفيذية للوكالة اليهودية، حزيران/يونيو 1938.
"شيدت القرى اليهودية على أنقاض القرى العربية. أنك لا تستطيع حتى معرفة أسماء هذه القرى، وأنا لا ألومك لأن كتب الجغرافيا لم تعد موجودة، ليس الكتب فقط لم تعد موجودة، القرى العربية ليست قائمة أيضاً".
موشيه دايان، في خطابه أمام طلبة التخنيون (المعهد الإسرائيلي للتكنولوجبا)، حيفا، وأقتبستها جريدة هأرتس الصادرة يوم 4 نيسان/أبريل 1969.
يرفض الكثيرون من صناع القرار ورجالات السياسة، وفقهاء القانون، والمحامون، والباحثون إضفاء صفة التطهير العرقي على سياسات وممارسات القادة الصهاينة والإسرائيليين، السياسيين والعسكريين، المتواصلة تجاه الفلسطينيين منذ عام 1948، والهادفة لاقتلاع هؤلاء من أراضيهم، وتهجيرهم، وإحلال المستوطنين اليهود مكانهم. فهم يقولون إن في ذلك اتهاما خطيرا، ومن الصعب التحقق منه وإثباته، خاصة وأن القانون الدولي المعاصر لم يتوصل بعد إلى تبني تعريف قانوني لمفهوم التطهير العرقي.
يرجع ذلك إلى المواقف المنحازة لهؤلاء، فهم غير مستعدين أبداً للتسليم بأن إسرائيل، بصفتها "دولة ديمقراطية" متهمة بممارسة أعمال تطهير بحق الفلسطينيين، ويدافعون عنها باستخدام كافة الوسائل والطرق، وهم غير مستعدين حتى لمناقشة هذا الامر، بالرغم من الدعوات والأوامر الواضحة التي وجهها القادة الصهاينة للمقاتلين اليهود إبان حرب 1948 لتطهير البلاد من مواطنيها العرب، واستقدام المستوطنين اليهود، وإحلالهم مكانهم.
لكن التاريخ، والحقائق، والتصريحات المتكررة التي تصدر عن مختلف القادة الإسرائيليين لضرورة ووجوب التنبه للخطر الديمغرافي المحدق بإسرائيل، والذي من شأنه المساس بالغالبية اليهودية للدولة، وما يرافقها من مطالبات للعمل على التقليل من نسبة العرب في البلاد وزيادة نسبة اليهود، واتخاذ الإجراءات اللازمة لذلك، بما في ذلك بواسطة التهجير القسري (الترانسفير)، ما هي إلا دعوة صريحة لتنظيف البلاد من العرب، بصفتهم عرب .
- تعريف التطهير العرقي:
ظهرت لفظة التطهير العرقي بعد انقضاء الحرب العالمية الثانية، عندما بدأ التشيكيون والبولنديون ينادون علناً بضرورة تنظيف بلادهم من الألمان والأوكرانيين. لكن قبل ذلك، كان النازيون يرددون في البرامج الخاصة بالصحة على ضرورة جعل الأراضي الألمانية خالية من اليهود. لاحقاً أخذ هذا المصطلح يتردد ويناقش جدياً منذ عام 1981 في وسائل الإعلام في يوغوسلافيا السابقة بخصوص جعل إقليم كوسوفو متجانس عرقياً. بعد اندلاع حرب البوسنة والهرسك في يوغوسلافيا السابقة، جرت محاولات حثيثة لتعريف التطهير العرقي، تضمنتها العديد من التقارير التي صدرت بخصوص هذه الحرب والأعمال والممارسات الناجمة عنها، حيث بات التطهير العرقي معرفاً بشكل جيد، وأصبح بمثابة جريمة يعاقب عليها القانون، وإن يلاحظ غياب كامل لمعاهدة دولية تحظر ممارسة التطهير العرقي بكافة أشكاله.
ورد تعريف التطهير العرقي في موسوعة "هاتشينسون" (Hutchinson) على أنه طرد بواسطة القوة لأجل إيجاد تجانس عرقي في إقليم أو أرض متعددة الأعراق. والهدف من هذا الطرد يكمن في ترحيل أكبر عدد ممكن من السكان، باستخدام وسائل مختلفة، بما فيها الوسائل غير العنيفة، كما حدث بالنسبة للمسلمين في كرواتيا، ممن طردوا بعد توقيع اتفاقية دايتون عام 1995.
تضمنت التقارير التي أعدها المقرر الخاص للجنة حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة بشأن يوغوسلافيا السابقة بين 1993-1994 جملة من الأفعال والممارسات التي اعتبرت بمثابة تطهير عرقي، بما في ذلك إجراءات إدارية كإزالة السلطة المنتخبة بالقوة، الفصل من العمل وخصوصاً من المناصب المهمة، وضع قيود على توزيع المعونات الانسانية، توطين اللاجئين من أبناء الجنس أو العرق التابعين لعرق معين في الإقليم الذي يتم تطهيره، وضع تشريعات تنطوي على تمييز وقمع واضطهاد، إجبار الأشخاص الراغبين بمغادرة الإقليم على اصطحاب عائلاتهم، منع النساء من عرق محدد من الولادة في المستشفيات. وهنالك إجراءات وأعمال تتمثل بإثارة الرعب والخوف بين المدنيين من قبل الجنود أو المدنيين الذين يحملون السلاح، السلب، إثارة الرعب في الشوارع، الاعتقال وإساءة المعاملة وترحيلهم لسجون ومعتقلات، استهداف المدنيين بواسطة إطلاق النيران أو تفجير منازلهم وحرقها، التهجير الجماعي للسكان. وقد يحدث التطهير العرقي أثناء القيام بعمليات عسكرية كالقتل أو التعذيب المتعمد للقادة المدنيين وبضمنهم رجالات الدين، والقادة السياسيون، والعلماء والمفكرون، ورجال الأعمال، ووضع المدن والقرى تحت الحصار، والهجوم المتعمد ومنع وصول المساعدات الانسانية، واستهداف الأماكن السكنية والبنية التحتية بالقصف، الاقتصاص من المدنيين والأعيان المدنية. هذه الممارسات تندرج جميعها ضمن انتهاكات حقوق الانسان، ولقواعد وأحكام القانون الدولي الانسان، ووفقاً للحالة المحددة، يمكن إدراجها ضمن نطاق التطهير العرقي.
وخلص المقرر الخاص للجنة حقوق الانسان إلى الاستنتاج القاضي بأن هدف الحرب الأساسي في البوسنة والهرسك هو تنفيذ تطهير عرقي لإقامة إقليم متجانس عرقياً، معتبراً أن هدف التطهير العرقي يمكن أن يكون قصير الأمد أو بعيد الأمد. الهدف قصير الأمد للتطهير العرقي يتمثل بالسيطرة الفعلية على الإقليم لضرورات عسكرية واسترتيجية. أما الهدف طويل الأمد فهو لإيجاد ظروف معيشية من شأنها جعل عودة الجماعات المهجرة غير ممكن، وبالتالي إحداث تغيير على التركيبة العرقية للسكان طبقاً لنظرية وحدة الإقليم، واقتصاره على عرق محدد.
وعليه أوضح مقرر لجنة حقوق الانسان في تقريره الصادر يوم 17 تشرين الثاني/نوفمبر 1992 أن "وصف التطهير العرقي يعني إزالة مجموعة عرقية مسيطرة على إقليم محدد لمجموعات عرقية أخرى". لاحقاً أورد المقرر الخاص في تقريره السادس أن "التطهير العرقي تنظيف السكان المدنيين على أساس عرقي بهدف إرغامهم على ترك الإقليم الذي يعيشون فيه".
وهناك تعريفات أخرى متعددة للتطهير العرقي، أبرزها الذي وضعته لجنة الخبراء في تقريرها المرحلي الأول، حيث توافقوا على الرأي القائل بأنه "مع الأخذ بالحسبان الصراعات في يوغوسلافيا السابقة، التطهير العرقي معناه جعل الإقليم متجانس عرقياً بواسطة استخدام القوة والترهيب لترحيل أشخاص من جماعة معينة من الإقليم".
كما أن هناك تعريفا آخر يقضي بأنه "... يمكن فهم التطهير العرقي على أنه عبارة عن طرد غير المرغوب فيهم من السكان من الإقليم لأسباب تتعلق بالتمييز القائم على أساس عرقي أو ديني، ولاعتبارات سياسية، استراتيجية أو أيديولوجية، أو بسبب توافر جميع هذه العناصر.
استناداً لذلك يمكن القول أن كافة التعريفات التي وردت أعلاه تحتوي على عناصر تفضي إلى رأي مشترك حول التطهير العرقي، وهو أن التطهير العرقي يستهدف إيجاد تجانس عرقي في إقليم متعدد الأعراق بواسطة طرد المجموعات العرقية غير المرغوب بها باستخدام أساليب متعددة (إدارية، عسكرية، ترهيبية، إعلامية) بحيث يصبحون لاجئين، وجعل عودتهم مستحيلة، بدعوى وجوب اقتصار الإقليم على عرق أساسي محدد.
- التطهير العرقي في القدس المحتلة:-
وفقاً لتعريفات التطهير العرقي، وللأحداث التي وقعت خلال وبعد الحرب العالمية الثانية والمتمثلة بتطهير بعض المناطق والاقاليم من أعراق معينة من أجل إيجاد تجانس عرقي فيها (ألمانيا من اليهود، البوسنة والهرسك من المسلمين)، نرى أن صفة التطهير العرقي تنبطبق على السياسات التي انتهجها القادة الصهاينة في فلسطين خلال حرب 1948 بصفتها استهدفت تطهير غالبية المناطق من العرب لإيجاد تجانس عرقي يقتصر على اليهود.
بعد الإعلان عن إنشاء الدولة اليهودية مساء 14 أيار/مايو 1948، كانت القوات العاملة في الميدان تستخدم وتردد دائماً الكلمة العبرية "طيهور"، ومعناها بالعربية تطهير. واختارت القيادة العليا للحركة الصهيونية هذا التعبير لشحن وتحريض الجنود المنوي إرسالهم لاحتلال المناطق الحضرية والريفية الفلسطينية، وتطهيرها من السكان العرب، والاستيلاء على ممتلكاتهم وسلبها، وتدميرها بالكامل.
تعرضت مدينة القدس والقرى والبلدات المحيطة بها لعملية تطهير عرقي واسعة النطاق. ويذكر المؤرخ سليم تماري بهذا الخصوص أنه من بين 40 قرية في القدس والقضاء التابع لها، والتي بقيت تحت السيطرة الإسرائيلية بعد توقيع اتفاقية الهدنة عام 1949، تم تهجير سكان 38 من هذه القرى، والبالغ عددهم انذاك حوالي 73.258 نسمة. ذلك لا يشمل سكان الأحياء العربية الواقعة في غربي المدينة، والتي تم احتلالها، وتطهيرها بالكامل من العرب، والاستيلاء على منازلهم، وسلب ممتلكاتهم. ووفقاً لبعض المؤرخين، كانت الأحياء العربية الواقعة في الجزء الغربي من مدينة القدس من أكثر المناطق ثراءاً وازدهاراً في الشرق الأوسط قبل 1948.
تواصلت سياسة التطهير العرقي والتهجير القسري بحق الفلسطينيين بعد إقدام إسرائيل على احتلال الأرض الفلسطينية خلال عدوان 1967، وظهر حجم ومقدار المأساة الناجمة عن ذلك، والتي طالت بشكل أساسي سكان البلدة القديمة في القدس. كما أجبرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي سكان بعض القرى الفلسطينية القاطنين في الأرض التي احتلتها عام 1967 على الهجرة القسرية، ثم أقدمت على إزالتها وهدمها.
تعمل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، بشكل خاص، على استهداف التواجد الفلسطيني في القدس المحتلة، وتعمل باستمرار على تغيير الوضع الذي كان قائماً فيها قبل الاحتلال، وتنتهج سياسة تطهير عرقي مدعومة بجملة من الإجراءات الهادفة لإجبار أكبر عدد ممكن من مواطنيها الفلسطينيين على الهجرة إلى خارجها نتيجة للحظر المفروض على جمع شمل العائلات الفلسطينية، والاستيلاء على الأرض، وبناء المستوطنات، وعزل المدينة عن الأرض الفلسطينية المحتلة، والتضييق على المقدسيين في قضايا البناء وجعله شبه مستحيل، وهدم المنازل، والحد من حرية الفلسطينيين في الحركة والتنقل واختيار مكان الإقامة، بما في ذلك داخل القدس المحتلة، وإنشاء جدار الضم والتوسع. هذه السياسات، وما يرتبط بها من إجراءات، تحول دون تمكن أي فلسطيني من ممارسة حقه الطبيعي في الإقامة والعيش داخل القدس، وترغم الكثيرين من مواطنيها الفلسطينيين على الهجرة القسرية.
من أخطر الإجراءات الهادفة إلى الحد من نسبة الفلسطينيين في القدس، وزيادة عدد المستوطنين اليهود فيها، الخطوة التصعيدية التي أقدمت الحكومة الإسرائيلية على اتخاذها في شهر أيار 2002، والمتمثلة بالقرار رقم 1813، بشأن معالجة قضايا المقيمين في إسرائيل، وسياسة جمع شمل العائلات التي أحد أفرادها من أصل فلسطيني أو من الضفة الغربية وقطاع غزة. وقد نص هذا القرار غير المشروع والعنصري، على وقف وتجميد العمل بسياسة جمع شمل العائلات الفلسطينية، وعلى عدم السماح بتقديم أية طلبات بصدد منح مكانة قانونية للفلسطينيين، ولذوي الأصول الفلسطينية، داخل إسرائيل، حيث صودق عليه في منتصف 2003، وأقره الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي، وأعطاه صفة القانون، وبات يعرف ب "قانون المواطنة والدخول الى اسرائيل (قانون مؤقت) لعام 2003"، (لاحقاً قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل)، والذي تم بموجبه وقف العمل بسياسة جمع شمل العائلات الفلسطينية، وتجميد البت كلياً في الطلبات التي قدمت بهذا الخصوص.
احتفلت إسرائيل في 2007-05-16 بما يسمى "يوم القدس"، وذلك حسب التقويم العبري، والذي يصادف حسب التقويم الميلادي 28 حزيران، وهو اليوم الذي ضم فيه الشطر الشرقي من مدينة القدس فعلياً. وبهذه المناسبة أصدر معهد القدس للدراسات الإسرائيلية تقريراً خاصاً يحتوي على معطيات استطلاع أجري في صفوف الجمهور اليهودي، بشأن جملة من القضايا والأوضاع المتعلقة بالمدينة ومستقبلها.
حذر المعهد في التقرير الذي يستند إلى المعطيات التي جمعها خبراء المعهد من رجحان الميزان الديمغرافي لصالح العرب خلال العقدين القادمين، والخطر المحدق بفقدان الأغلبية اليهودية في القدس. يشار إلى أن باحثي المعهد كانوا قد نبهوا خلال المؤتمر المنعقد في شهر اذار 2007 تحت عنوان "سكان القدس ..إلى أين"؟ من أن "الأغلبية اليهودية في القدس تشهد منذ سنوات عديدة انحساراً متزايداً" وأشاروا في هذا السياق إلى أن وتيرة نمو السكان العرب في القدس تفوق مرتين وتيرة نمو السكان اليهود فيها".
وتشير آخر المعطيات التي عرضت في المؤتمر إلى ان سكان القدس (بشطريها) يبلغ حوالي 720 ألف نسمة، منهم 66% يهود و34% عرب. وحذروا من أن الهوة ستشهد انحساراً واضحاً خلال السنوات القادمة، بحيث ستصبح النسبة 60% يهود مقابل 40% عرب، وذلك في العام 2020.
هذه المعطيات تشير بوضوح لبعض الخلل الحاصل على صعيد الوضع الديمغرافي كما تراه السلطات الإسرائيلية، وذلك بالرغم من الإجراءات والقيود الصارمة المفروضة على الفلسطينيين كي لا تتجاوز نسبتهم 30% من مجمل سكان المدينة، مما يجعل هذه السلطات تلجأ باستمرار لتعقيد هذه الإجراءات، كما هو حاصل مع قانون المواطنة والدخول لإسرائيل لعام 2003، بصفته أحد أساليب التطهير العرقي.
تعريف التهجير القسري:-
الهجرة القسرية الداخلية، هي إحدى المأسي الملازمة للفلسطينيين منذ نشوء الصراع مع الحركة الصهيونية، حيث تعود جذورها إلى ما قبل 1948، وهو العام الذي أعلن فيه عن قيام إسرائيل، حين ظهر حجم ومقدار المأساة الناجمة عن الهجرة القسرية الداخلية للفلسطينيين داخل الأراضي التي أعلن عن قيام إسرائيل فيها (أراض 1948)، والتي تسببت بالتهجير القسري لمئات آلاف الفلسطينيين داخل وطنهم.
لم تقف ظاهرة التهجير القسري للفلسطينيين والمأسي الناشئة عنها عند هذا الحد، بل تواصلت بعد إقدام إسرائيل على احتلال الأرض الفلسطينية عام 1967، وبضمنها القدس، واستهدفت بشكل أساسي القدس الشرقية والمناطق المحيطة بها، حيث أجبرت سكانها الفلسطينيين على الهجرة القسرية، وعدم السماح للراغبين منهم بالقدوم للإقامة والاستقرار في القدس.
لا يوجد تعريف حقوقي للمهجرين داخلياً، سوى "المبادئ التوجيهية بشأن التشريد الداخلي" الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1988، لاحقاً المبادئ التوجيهية، والتي تعرف المهجرين داخلياً بأنهم الأشخاص أو الجماعات الذين أجبروا قسراً على مغادرة منازلهم أو مناطق سكناهم، أو الذين اضطروا إلى الهرب منها، في سبيل النجاة من نزاع مسلح، أو تجنب الآثار الناجمة عنه، أو من انتشار أعمال عنف، أو من انتهاك حقوق الانسان، أو من كوارث طبيعية، أو كوارث تسبب بها الانسان، ولم يتجاوزا حدود الدولة المعترف بها دولياً".
التعريف الوارد أعلاه يشير أنه لإدراج الأشخاص أو الجماعات ضمن فئة المهجرين داخلياً، ينبغي أن تكون الهجرة ناجمة عن أسباب قسرية، أي بسبب الإكراه، إضافة لاستمرار المهجرين بالإقامة داخل الحدود المعترف بها دولياً لبلدهم، وعدم تجاوزها إلى الإقامة القسرية في دولة أخرى.
نتيجة لعدم وجود معاهدة دولية أو معايير تنظم أوضاع المهجرين داخلياً، فأن المبادئ التوجيهية تبقى الأداة الأساسية لتنظيم أوضاعهم، وتوفير وسائل الحماية والمساعدة لهم بصفتهم ضحايا انتهاكات حقوق الانسان، وويلات والحروب والكوارث الطبيعية، ولعدم انتفاعهم بنظم الحماية الدولية المتوفرة للاجئين. ذلك يستدعي الاسترشاد بالمبادئ التوجيهية باعتبارها دليل عمل لمختلف السلطات والجماعات، والمنظمات الحكومية وغير الحكومية للتعاطي مع حالات التهجير الداخلي، ومجابهة نتائجها، وذلك في ضوء استجابتها للمعايير المنصوص عليها في الاتفاقيات والمواثيق الدولية لحقوق الانسان، وقواعد وأحكام القانون الدولي الانساني.
- التهجير القسري في الأرض الفلسطينية المحتلة:-
بموجب تعريف الهجرة الداخلية القسرية، أو التهجير الداخلي، كما هو منصوص عليها في المبادئ التوجيهية، يمكننا القول ان السياسات الإسرائيلية تؤدي إلى التهجير القسري لسكان الارض الفلسطينية المحتلة عام 1967، وتطال المقدسيين على وجه الخصوص، طالما يهجر هؤلاء عن أماكن سكناهم قسراً نتيجة انتهاك سلطات الاحتلال لحقوقهم، ولا يتخطون حدود الأرض المحتلة، ويواصلون العيش داخلها.
في هذه الحالة نجد أن الفلسطينيين المهجرين داخلياً هم الأشخاص، والمجموعات، والفئات التي اضطرت إلى الهجرة بفعل حرب 1967، وجراء انتهاكات السلطات الإسرائيلية لحقوقهم، أو بفعل الجدار الذي يتم تشييده في الضفة الغربية والنظام المرتبط به، ووضع الفلسطينيين في معازل، والحد من حريتهم في الحركة والتنقل.
ومن ضمن الممارسات التي تؤدي إلى التهجير الداخلي في القدس، انتهاج إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، لسياسة عزل القدس ومنع الفلسطينيين من القدوم إليها، بما في ذلك للعيش والإقامة فيها، وانتهاج سياسة تعسفية تجاه جمع شمل العائلات وصولاً لتجميدها، وهدم المنازل وتدمير الممتلكات التي تعود للفلسطينيين، بشكل متعمد، حيث قامت منذ احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967 بهدم آلاف المباني والمنازل بحجة الأمن، وفي سبيل ردعهم عن القيام بهجمات ضد إسرائيل، أو ارتكاب مخالفات أمنية، ولعدم وجود تراخيص بناء، مما أدى إلى هجرة داخلية قسرية، طال عشرات الاف الفلسطينيين.
تتنوع الإجراءات الإسرائيلية التي تستهدف مدينة القدس ومواطنيها الفلسطينيين، وتتمثل بعزل المدينة عن باقي أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة، والحؤول دون وصولهم إليها، ووضع المعوقات أمام جمع شمل العائلات الفلسطينية في القدس، ومنع أي فلسطيني ليس بحوزته إقامة دائمة في القدس (الهوية الإسرائيلية الزرقاء) المخصصة للمقدسسين من الوصول للمدينة والإقامة فيها، واخيراً تجميد البت في أي طلب لجمع الشمل، مما يعني وقف وإحباط أي إمكانية لقدوم أي فلسطيني، أو ذي أصول فلسطينية للإقامة في المدينة، وذلك في إطار خطة ممنهجة وشاملة للحد من نسبة الفلسطينيين وزيادة عدد المستوطنين اليهود في المدينة. بسبب هذه الانتهاكات الخطيرة لحقوق الانسان، بما في ذلك نتيجة الجدار، اضطرت عشرات آلاف الأسر الفلسطينية إلى الهجرة القسرية لخارج المدينة، والاستقرار خارج الجدار.
خلاصة القول، هنالك أعداد كبيرة من الفلسطينيين ممن تعرضوا للتهجير الداخلي جراء السياسات الإسرائيلية، وفي مقدمتها حظر جمع شمل الأسر الفلسطينية المشتتة، وهدم المنازل التي تنتهج على نطاق واسع، وبشكل متعمد. هؤلاء الأشخاص يعتبرون بحكم المهجرين داخلياً نتيجة عدم تجاوزهم لحدود الأرض المحتلة عام 1967، وذلك على عكس فئة اللاجئين التي اضطرت عام 1948 إلى مغادرة الإقليم الفلسطيني الذي كان خاضعاً للانتداب البريطاني واللجوء إلى الأقطار المجاورة بفعل السياسات الإسرائيلية، أو لتلافي ويلات الحرب.
خلاصة واستنتاجات:-
لا تتوخى هذه الدراسة عرض السياسات والأساليب التي تتبعها سلطات الاحتلال بشأن جمع شمل العائلات الفلسطينية، ولا تستهدف عرض ومناقشة القوانين الهادفة لإلغاء حق إقامة الفلسطينيين في القدس، وذلك في إطار السعي للحد من عدد الفلسطينيين في المدينة وزيادة نسبة المستوطنين اليهود فيها، إذ أجريت العديد من الدراسات بهذا الخصوص، وخلصت معظمها إلى عدم مشروعية هذه السياسات والإجراءات المرتبطة بها في ضوء المعايير المنصوص عليها في الاتفاقيات والمواثيق الدولية لحقوق الانسان، وقواعد وأحكام القانون الدولي الانساني.
- هذه الدراسة هدفها إبراز الأسباب الكامنة وراء هذه السياسات، وما يترتب عليها من اثار مأساوية تمس بالوجود الفلسطيني في القدس خاصة، وداخل الأرض المحتلة وإسرائيل عامة، بحكم أنها تستهدف الوجود الجسدي لهؤلاء في وطنهم، وتجبرهم على الهجرة القسرية، وذلك في سبيل تحقيق الأهداف الإسرائيلية للتقليل من نسبة الفلسطينيين في البلاد، وزيادة نسبة المستوطنين اليهود، الأمر الذي يندرج تحت مفهوم ونطاق التطهير العرقي.
- تبين لنا من خلال هذه الدراسة أن تعريف التطهير العرقي ينطبق على السياسات التي تنتهجها السلطات الإسرائيلية مستهدفة الوجود الفلسطيني في القدس، وبضمنها حظر جمع شمل العائلات الفلسطينة، وهدم المنازل، وإلغاء حق إقامة الفلسطينيين في القدس، والاستيلاء على الأراضي، والمعوقات المفروضة على البناء، والحد من حرية الحركة والتنقل، بما في ذلك الدخول إلى القدس والخروج منها بحرية. يذكر أن هذه السياسات، وما يرتبط بها من إجراءات تؤدي إلى تهجير قسري للمقدسيين، وتتسبب بانتهاكات خطيرة للحقوق المكفولة بموجب اتفاقيات حقوق الانسان المختلفة، ومنها حق الفلسطينيين في الإقامة في القدس، والحق في الاسم والجنسية، واختيار مكان الإقامة، وحرية الحركة والتنقل، والحق في العيش بحرية وكرامة وفي بيئة أسرية سليمة العيش بكرامة، والحق في تلقي الخدمات الصحية، والحق في التعليم، والحق في الترعرع والنمو تحت كنف الوالدين وفي بيئة أسرية هادئة وسليمة.
إن استمرار هذه السياسات يدل على تقاعس المجتمع الدولي، وذلك في ضوء مواصلة السلطات الإسرائيلية وضع المعوقات أمام جمع شمل الأسر الفلسطينية منذ بدء الاحتلال وصولاً لتجميدها كلياً مع بدء الانتفاضة الثانية، وبالرغم من صدور عشرات التقارير والدراسات حول عدم مشروعية هذه السياسات، والدعوة لإلغائها، إلا أنه يلاحظ ضعف تأثير الرأي العام، ومؤسسات حقوق الانسان على صعيد الضغط لوقف هذه السياسات، وذلك في ظل تقاعس المجتمع الدولي، وعدم الجدية في ممارسة ضغط جدي وفاعل لحمل السلطات الإسرائيلية على احترام حقوق الانسان، ووقف العمل بهذه السياسات.
- الدراسات والتقارير التي أجريت استناداً إلى القواعد والأحكام الدولية التي تحظر تشتيت الأسر، والتهجير والنقل القسري لسكان الإقليم المحتل المدنيين، تشير إلى عدم مشروعية هذه السياسات، ومخالفتها لمبادئ وقواعد حقوق الانسان والإنسانية، وهي تدين السياسات الإسرائيلية وما يرتبط بها من إجراءات بشكل قاطع، وهي كافية للتحفيز على تجنيد الرأي العام العالمي، وحث الدول التي تدعو لاحترام وتطبيق حقوق الانسان للوفاء بالتزاماتها، واخذ دور فعال في الضغط على إسرائيل وحملها على وقف هذه الممارسات اللاإنسانية، والتوقف عن التهجير القسري للفلسطينيين.
- أظهرت الدراسة أن السياسات الإسرائيليى تندرج ضمن نطاق ومدلول التطهير العرقي، وتفضي إلى التهجير القسري للفلسطينيين، وذلك لزيادة نسبة المستوطنين اليهود، خصوصاً في القدس، وذلك على شكل مخالف لالتزاماتها الدولية كسلطة الاحتلال، والمنصوص عليها في اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية السكان المدنيين وقت الحرب لعام 1949، والاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان.
- نتوخى من هذه الدراسة المقتضبة حول التطهير العرقي والتهجير القسري والسياسات الإسرائيلية التي تستهدف التواجد الفلسطيني في القدس، وتنتهك حقهم في الإقامة والعيش فيها بحرية وسلام أن تلقى الاهتمام من قبل مناصري قضايا حقوق الانسان في العالم، وأن تتحرك لحشد الرأي الدولي للمطالبة بالوقف الفوري لهذه السياسات.
توصيات:
المجتمع الدولي
· الضغط على إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، لتأمين الحماية للفلسطينيين في الأرض المحتلة، في مواجهة السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين في الأرض المحتلة، وبضمنها التطهير العرقي والتهجير القسري الناجم عن حظر جمع شمل العائلات الفلسطينية المشتتة، وذلك على صورة مخالفة للمعايير الدولية لحقوق الانسان، وحمل إسرائيل على احترام هذه المعايير وتطبيقها.
· الضغط على إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، لإلغاء قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل، بصفته يرسخ التمييز العنصري بحق فلسطينيي الأرض المحتلة، وضد الفلسطينيين المقدسيين بشكل خاص، وضد المواطنين الفلسطينيين داخل إسرائيل، وإطلاق حرية الفلسطينيين في الحركة والتنقل، بما في ذلك الدخول إلى القدس والخروج منها بشكل حر، ودون خوف، وممارسة كل فلسطيني لحقه المتاصل في الإقامة والعيش في المدينة.
· الدول الاطراف في اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب لعام 1949، حمل إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، على الوفاء بالتزاماتها الناشئة عن الاتفاقية، والتوقف انتهاج السياسات الهادفة إلى النقل القسري للفلسطينيين، وتحديداً في القدس، بصفتها مخالفة لقواعد وأحكام الاتفاقية.
سلطات الاحتلال الإسرائيلي
· وقف سياسة التطهير العرقي والتهجير القسري للفلسطينيين، بما في ذلك، الإلغاء الفوري لقانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل، لما ينطوي عليه من تمييز عنصري ضد الفلسطينيين بصفتهم تلك، وضمان حرية الفلسطينيين في القدوم إلى القدس والخروج منها، والإقامة والعيش فيها.
· احترام وتطبيق المعايير المنصوص عليها في الاتفاقيات والمواثيق الدولية لحقوق الانسان، فيما يتعلق بحق كل شخص بالحصول على هوية وجنسية، وحق المولودين في ان يسجلوا، ووقف التمييز ضد الفلسطينيين بهذا الخصوص.
· تطبيق قواعد وأحكام القانون الدولي الانساني والمعايير الدولية لحقوق الانسان على سكان الأرض المحتلة الفلسطينيين، ووقف السياسات المعمول بها في إطار جمع الشمل بالنسبة للعائلات الفلسطينية، وبضمنها المقدسية، واستحداث وتفعيل الآليات التي من شأنها توفير الحماية لهم واحترام حقوقهم وحرياتهم الأساسية، وضمان ممارستهم لحقوقهم الأساسية وفي مقدمتها، حرية الحركة والتنقل، والقدوم إلى الأرض المحتلة، وبضمنها القدس، والخروج منها بحرية.
السلطة الفلسطينية
· رصد وتوثيق الآثار الناجمة عن سياسة التطهير العرقي والتهجير القسري تجاه الفلسطينيين، وعن الحظر المفروض على جمع شمل العائلات المشتتة، بما في ذلك المقدسية، وحالات التهجير القسري الناجمة عنها، وتقييم الأضرار المادية والمعنوية التي تسببت بها.
· تأمين المساعدة والدعم اللازمين لضحايا هذه السياسات، بما في ذلك إعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع ودعم سلامة ووحدة الأسرة الفلسطينية.
المنظمات غير الحكومية الدولية والمحلية
· مطالبة إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، بإنهاء احتلالها للأرض الفلسطينية، وحتى ذلك الحين مراعاة تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة على الأرض المحتلة، واحترام المعايير المنصوص عليها في الاتفاقيات والمواثيق الدولية لحقوق الانسان، وتطبيقها على الفلسطينيين، وإعادة الوضع في القدس إلى ما كان عليه قبل الاحتلال، وعدم عزلها عن محيطها الفلسطيني.
· مطالبة إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، وقف ممارسات التطهير العرقي والتهجير القسري تجاه الفلسطينيين، والهادفة لإجبارهم على الهجرة القسرية إلى خارج حدود المدينة، بما في ذلك إلغاء قانون حظر جمع شمل الأسر المشتتة، وإلغاء قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل، لما ينطوي عليه من تمييز عنصري بحق الفلسطينيين.
· الضغط على المجتمع الدولي، ومنظمة الأمم المتحدة، والدول الأطراف في اتفاقية جنيف الرابعة، بالالتزام بمسؤولياتها القانونية والامتناع عن تأييد السياسات التي تنتهجها إسرائيل في الأرض المحتلة، بما في ذلك حظر جمع شمل العائلات الفلسطينية، والضغط عليها لإيقافها، والوفاء بالتزاماتها الناشئة بموجب الاتفاقيات والمواثيق الدولية لحقوق الانسان، واتفاقية جنيف الرابعة.
· مراقبة ورصد حالات التطهير العرقي والتهجير القسري الداخلي في الأرض الفلسطينية المحتلة الناجمة عن انتهاكات حقوق الانسان، بما في ذلك سياسة جمع الشمل المعمول بها، وإجراء دراسات بخصوصها، واستحداث وتطوير مشاريع عينية في مجالات الحماية والمساعدة للضحايا.
· استحداث وتطوير حملات ضغط ومناصرة، تستهدف المجتمع الدولي، من أجل الضغط على إسرائيل لوقف انتهاكات حقوق الانسان في الأرض الفلسطينية المحتلة، وتحديداً تلك التي تمس بالعائلات الفلسطينية، وتشتتها، وتحول دون جمع شملها، وذلك عبر التلويح بالمقاطعة، وسحب الاستثمارات، والإقدام في تنفيذ ذلك في حال عدم استجابتها.
بموبجب المادة الثانية من صك الإنتداب تلحصت مهمام الدولة المنتدبة بإيجاد حالة سياسية وإدارية وإقتصادية من شأنها أن تساهم وتعجل في إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين على حساب السكان العرب الأصليين، في حين تجاهلت الحقوق السياسية لللفلسطينيين، وذلك من خلال الإشارة إلى ضرورة حماية الحقوق المدنية والدينية لباقي السكان غير اليهود، بغض النظر عن الأجناس والأديان.
كان عدد السكان اليهود في فلسطين عام 1919 58000 يهودي، أي ما يعادل 8،53%، وكان تعداد السكان العرب 642000 مواطن ، أي ما نسبته 91,7%. أما عام 1947 فقد وصل عدد السكان العرب إلى 1.977.626، أي ما نسبته 69% من مجمل السكان، في حين بلغ عدد اليهود 614.239 أي ما نسبته 31% من مجمل السكان.
وبموجب الدراسة الإستقصائية التي وضعتها لجنة الأمم المتحدة المعنية بفلسطين، كانت منطقة مدينة القدس تضم في كانون الأول /ديسمبر 1946 ما يقدر بـ 102000 من السكان اليهود و150000 من السكان العرب.
اعتبر مركز "عدالة" أنّ المحكمة تكون بذلك قد أيدت فعليًا القانون الأكثر عنصرية في دولة إسرائيل، والذي يمنع جمع شمل العائلات على خلفية قومية - عربية - فلسطينية. ولأجل المقارنة يضيف مركز عدالة: "رفضت محكمة جنوب أفريقيا عام 1980 وفي أوج فترة الفصل العنصري، التصديق على أوامر مشابهة للقانون الإسرائيلي بسبب انتهاكها للحق في العائلة". المحامي حسن جبارين (مدير عام عدالة) قال: أن المحكمة العليا أسست بذلك لثلاثة مسارات مواطنة على خلفية إثنية: مسارًا مباشرًا لليهود بموجب حق العودة، ومسارًا وسطًا للأجانب وفقاً الإجراءات التدريجية، والمسار الأكثر صعوبة للمواطنين العرب.
|