New Page 1
الوضع الصحي في مدينة القدس
09/03/2010 16:37:00
الوضع الصحي في مدينة القدس
بقلم: د.نعيم أبو طير
رئيس لجان العمل الصحي - القدس
كانت مدينة القدس وعلى مدى التاريخ الفلسطيني الحديث مركزا للخدمات الصحية المقدمة للشعب الفلسطيني، سواء قبل تقسيم المدينة عام 1948، أو خلال فترة الحكم الأردني للضفة، فكانت المستشفيات والعيادات في القدس وجهة لمن يبحث عن الطبابة والتي كانت نادرة خصوصا وقت الانتداب، فكان مستشفى العيون(البقعة) في غربي المدينة المستشفى التخصصي الوحيد في الوطن، ثم انتقاله بعد نكبة العام 1948 الى سوق الحصر عي القدس القديمة،ومن ثمّ انتقاله إلى مقره الجديد في الشيخ جراح في بداية ستينات القرن الماضي. وكان مستشفى الحكومة(الهوسبيس) في القدس إحدى المؤسسات الصحية الهامة، ليس فقط على صعيد القدس أو الضفة الغربية، بل على صعيد المملكة أيام كانت الضفة الغربيةجزءا من المملكة الاردنية. وقد تعزز دور القدس الريادي للقدس ومؤسساتها الصحية بعد الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية والقدس وقطاع غزة عام 1967، حيث اتسمت هذه الفترة بالاهمال المتعمد من قبل الاحتلال للخدمات الصحية الفلسطينية تحت الاحتلال. وباعتمادهم على الخدمات الأهلية الفلسطينية وخصوصا خدمات الصحة الثانوية (المستشفيات) منها، فقد كانت هذه المؤسسات هي الجهة التحويلية الوحيدة في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ومع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، وما تعرض له الشعب الفلسطيني إبان تلك الانتفاضة من قمع احتلالي صهيوني، تمثل في الآلاف من الشهداء ومن الجرحى،حيق ناهز عدد الجرحىالأربعين ألف جريح والمئات من المعوقين، وشكلت الخدمات الصحية في القدس بمستشفياتها المختلفة وعلى رأسها مستشفى المقاصد الخيرية القاعدة الأساسية للتعامل مع هذه الإصابات، وخصوصا الصعبة والمعقدة منها، فكانت جراحة المخ والأعصاب، وجراحة العظام المتقدمة تقدم فقط من خلال مستشفى المقاصد، إضافة إلى الخدمات الأخرى التخصصية مثل الأوعية الدموية وجراحة القلب والرئتين، ناهيكم عن خدمات طب العيون والتي كانت حتى وقت ليس ببعيد حكرا على مستشفى العيون في القدس – مستشفى(السانت جون)، إضافة إلى مستشفى الاوغستا فكتوريا الذي كان مستشفى لعلاج اللاجئين الفلسطينيين، ولم تقتصر هذه الخدمات على مصابي الانتفاضة الأولى، بل كانت هذه المستشفيات تقدم كافة أنواع الخدمات الصحية التخصصية والنوعية لكافة أبناء الضفة والقطاع.
ولم يقتصر دور القدس على تقديم الخدمات الصحية، بل امتد للتعليم وخصوصا مدرستي التمريض في المقاصد والأوغستا فكتوريا –لمطلع- إضافة إلى العديد من المؤسسات التعليمية. ناهيكم عن ان المدينة كانت مركزا للعمل النقابي المهني، وخصوصا نقابات الأطباء مثل: أطباء الأسنان والصيادلة، حيث كانت القدس المركز الفعلي لهذه النقابات، ومركزا للفعل والعمل النقابي الفلسطيني.
ومع قرار الاحتلال إغلاق مدينة القدس أمام أبناء شعبنا الفلسطيني منذ 23آذار عام1993، وعدم السماح لهم بدخول المدينة الا بتصاريح خاصة صعبة المنال، وكذالك إغلاق قطاع غزة، ووضع العراقيل أمام المرضى من الوصول إلى القدس، تراجع الدور الذى لعبته المؤسسات الصحية المقدسية على المستوى الوطني، ومن أهم النتائج الصحية المترتبة على إغلاق القدس:
1- حرمان معظم إن لم يكن جميع حالات الطوارئ من الوصول إلى مشافي القدس لتلقي الخدمات الصحية الطارئة من الإصابات والجروح والحوادث. وذلك ناتج عن منع قوات الاحتلال لسيارات الإسعاف من الدخول إلا بتصريح مسبق، وهذا غير ممكن من الناحية العملية، حيث لا يمكن لهذه الحالات الانتظار حتى يتم استصدارالتصاريح اللازمة، مع التأكيد على محدودية التصاريح الممنوحة.
2- حرمان معظم الحالات التي بحاجة إلى الخدمات التخصصية والنوعية والموجودة في مشافي القدس، ولا تتوفر في مشافي الضفة والقطاع من الوصول لهذه الخدمات، وذلك لصعوبة الحصول على تصاريح دخول للقدس، والتي تأخذ وقتا طويلا، ولا تمنح في معظم الأحيان، وان منحت تكون محدودة الوقت، أو الحاجة الى تصريح عند كل مراجعة، فيما يصعب الوصول اليها للعراقيل الكبيرة أمام وصول المرضى لهذه المشافي. وبالتالي ونتيجة لهذه الإجراءات فقط تم حرمان أهالي الضفة الغربية وقطاع غزة من خدمات نوعية مثل: جراحة العظام والقلب والأعصاب، التي لم تكن متوفرة في مستشفيات الضفة حتى وقت قريب، وان توفرت فهي ليست بمستوى نوعية الخدمات المتوفرة في القدس.
3- لم تقف العراقيل الإسرائيلية فقط أمام وصول المرضى والمرجعين، بل امتدت لتشمل الكادر الصحي العامل في مستشفيات القدس، واشتراط الحصول على تصاريح لدخول القدس للأطباء والكادر الطبي من الضفة والقطاع، الذين يعملون في هذه المستشفيات، مما أدى إلى عدم مقدرة العديد منهم إلى الالتحاق بعملهم في القدس.
4- بعد إغلاق القدس، جاءت خطوة بناء جدار الفصل والتوسع في محيط القدس، لتعزل جزءا كبيرا من المقدسيين الذين يقبعون خارج الجدارعن مدينتهم، لتزيد من عزل القدس وعزل هؤلاء المواطنين خارج المدينة، مما يصعب عليهم الوصول إلى الخدمات الصحية داخل المدينة كما هو الحال للخدمات الاجتماعية والاقتصادية الأخرى.
5- عدم السماح لطلبة الكليات الصحية المهنية مثل: كلية الطب وكلية التمريض والأشعة ،بتلقي التدريبات الضرورية لتأهيلهم المهني في مستشفيات القدس إلا بعد الحصول على التصاريح اللازمة، والتي من الصعوبة بمكان الحصول عليها، وفي حالة الحصول عليها تكون مؤقتة وتلغى في حالات الإغلاق، وتخضع للفحوصات الأمنية، وبدواعي أمنية يتم رفض الكثير من طلبات التصاريح.
6- اعتقال الجرحى من داخل المستشفيات في القدس، حيث تم تسجيل أكثر من حالة اعتقال من داخل المستقيات لجرحى ومرضى بعد حصولهم على التصاريح، وعدم تمكينهم من اكمال علاجهم وأكثر من ذلك. وحسب تقرير منظمة بتسليم الإسرائيلية لحقوق الإنسان، فقط تم مساومة بعض المرضى والضغط عليهم للتعاون مع جهاز المخابرات الإسرائيلي مقابل حصولهم على تصاريح للعلاج.
7- منع الأطباء والصيادلة والممرضين وأطباء الأسنان من القيام بعملهم داخل مراكز نقاباتهم في القدس، مما أدى إلى نقل ثقل العمل النقابي من المركز في القدس إلى مدن الضفة الغربية الأخرى. وقد أدى ذلك بدوره إلى زيادة عزل القدس ومؤسساتها الصحية وكادرها الصحي.
8- مع إكمال الحصار والإغلاق على مدينة القدس، وفرض نظام التأمين الصحي الاسرائيلي الإجباري على أهالي القدس، ودمجهم في خدمات التأمين الصحي الإسرائيلي، زاد ذلك من الأعباء على مشافي القدس التي كانت مضطرة لضمان استمرار عملها بالعمل مع نظام التأمين الصحي الإسرائيلي، وما تبع ذلك من إيجابيات وسلبيات، وفرض سياسات وزارة الصحة الإسرائيلية على أطباء القدس، وكذلك الكادر الصحي من ضرورة حمل التراخيص الإسرائيلية للعمل، وما ترتب على ذلك من منع العديد من الأطباء والممرضين والممرضات والكادر الصحي من العمل في القدس، وما تبع عنه من إضعاف شبه كامل للطب الخاص في القدس.
كل هذه الإجراءات التعسفية والتي تتناقض مع نص وروح مواثيق جنيف، وخصوصاً اتفاقية جنيف الرابعة والقانون الدولي الإنساني، بصفة القدس أراض تقع تحت الاحتلال، تهدف إلى إضعاف الوجود الفلسطيني في القدس سواء على الصعيد الديموغرافي، أو إضعاف وإغلاق المؤسسات الوطنية في القدس. ولم يقف عائقاً أمام إرادة وإصرار مؤسسات القدس الصحية والتي تعمل ليل نهار لإثبات وجودها الوطني والمهني في القدس وتطوير خدماتها النوعية والمتميزة.
بقي أن أشير أن تحويلات المرضى إلى هذه المشافي في القدس من قبل وزارة الصحة الفلسطينية تبقى مسؤولية وطنية من الدرجة الأولى، وأن هذه التحويلات لها الأثر الكبير في استمرار الوجود الصحي الفلسطيني الوطني في القدس، وأن هذه العلاقة يجب تطويرها لتصبح علاقة عضوية، وأن تعتمد مشافي القدس كجزء لا يتجزأ من النسيج الوطني الصحي الفلسطيني، وأن لا يتم التعامل معها ضمن سياسة التحويلات "للخارج"، ليس هذا فحسب بل هو الإصرار على فك الإغلاق وكسر العزلة المفروضة على العاصمة الفلسطينية المحتلة.
|