New Page 1
في رفقة المناضل حسام خضر : بقلم حكم عبد الهادي
16/12/2009 11:54:00
كان الزعيم الفتحاوي حسام خضر يتنقل من حضن إلى آخر أثناء إنتخابات قيادة فتح في إقليم نابلس في 16/نوفمير 2008. لم أر في حياتي رجلا تلقى كل هذه القبلات خلال نصف ساعة. البلاد في ألف خير فما زال ناسها يعشقون المناضلين ويحترمونهم, فلم يمض آنذاك على الإفراج عنه أكثر من ثمانين يوما. جئت من ألمانيا متأخرا , وكانت زيارتي لبيته أول ما فعلت بعيد وصولي إلى نابلس, وما كان أحسن استقبال أهله على أطراف مخيم بلاطه, وقد جاءهم ضيف من الغربة ومعه رائحة إبنهم الأكبر الصحفي عبد الرحمن المقيم أيضا في ألمانيا.
كنت تعرفت على حسام في عام 1988 في بيت أخيه في كولونيا, وكان وقتها خرج أيضا قبل شهور من السجن. أجريت معه وقتئذ مقابلة استغرقت أربع ساعات, حدثني خلالها عن ضروب التعذيب. لا زلت أذكر كلماته: "قررت أن أموت دون أن أعترف!"
خرج حسام (46 عاما) بعد خمس سنوات ونصف من الإعتقال في أغسطس 2008 , خرج مجددا من السجن دون أن يعترف وقد ازداد قوة وشبابا. السجن لم ينل منه, فهو لم يصب بأي سوء, وما زال يتمتع بلياقة الرياضي وأخلاق المناضل.
قلت له: "دعنا نتحدث عن وجعنا اليومي , عن آلام الإنقسام في صفوف الشعب الفلسطيني. كيف تلقيتم في زنازين إسرائيل هذه الكارثة في صيف 2007؟ " كنت أتوقع جوابا قصيرا ولكنه استفاض بكثير من الحزن والمرارة:
" أصدقك القول إنه أكثر ما آلمنا أثناء الإعتقال – رغم ظروف الإعتقال القاسية جدا, لأن فلسفته تقوم على الحرمان والعزل واستمرار الضغط باتجاه التعذيب – إلا انني أقول لك أن حالة الإنقسام والتشظي أصعب حتى من التحقيق بوطأته وكثافته وقسوته. للأسف جاء هذا الإنقسام بعد انتخابات ديموقراطية افتخرنا واعتززنا في إنجازها وفي طريقتها وحتى في نتائجها. ولكن التداول السلمي للسلطة لم يأخذ مجراه الطبيعي , وبالتالي ثقافتنا الديموقراطية ما زالت منقوصة وعرجاء, ولذا فإننا نحتاج إلى جهد أكبر والى مزيد من التوعية في هذا المضمار. حالة الأنقسام انعكست علينا سلبا, وأنا لا أبالغ حين أقول إنه أثناء اسبوع الحسم العسكري في قطاع غزة وأمام ما بثته وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية أُصبنا بحالة هذيان جماعي, بحالة يأس عام, لدرجة إنه ما عاد هناك ثلاثة معتقلين يخرجون للفورة, وهي المتنفس الوحيد للأسير الذي ينام في الأحوال العادية وهو يفكر في فورة الصباح أو فورة المساء, لأنها تعتقه من أسر الزنزانة وضيقها,
حسام خضر مع ابنته أميرة وبعد الإفراج عنه
ولكن ومع ذلك طوال فترة أسبوع وأكثر ما كان يخرج سوى هذا العدد القليل للفورة وهي الساحة التي نتمشى فيها. طبعا الإدارة حاولت استغلال حالة الإنقسام بدواعي أمنية وبالتالي فرضت في بعض السجون عزل وفصل ما بين أسرى فتح وأسرى حماس. في كثير من السجون قاومنا ورفضنا وأضربنا عن الطعام ورفضنا الخروج للفورة ومنعنا الإدارة من تحقيق هذا الهدف وهو تحطيم وحدتنا وضرب إرادتنا...وبالتالي استمر التعايش في غرف مشتركة وكذلك الزيارات والبرامج والحوارات المشتركة. كنا – كما تعلم – قبل الإنقسام والحسم بادرنا إلى وثيقة الأسرى أو وثيقة الوفاق الوطني وأثمرت حكومة وحدة وطنية. بعد الإنقسام مباشرة أيضا تداعينا ولم يتوقف الحوار. يعني, أنا أخر جلسة حوار جلستها في حضور فتح وحماس والشعبية والجهاد الإسلامي كانت قبل يومين من إطلاق سراحي, وكانت التوجهات إيجابية وكل تنظيم كان يبعث رسائل لفصيله من أجل تخفيف حدة التوتر والعودة بالإمور إلى مجراها الطبيعي أي الوحدة الوطنية الشعبية على أساس الحد الأدنى لبرنامج سياسي ووطني".
نعم, نعم, ما أكبر الآمال الي عقدها الشعب الفلسطيني المتعطش إلى الوحدة التي بدونها لا يتحقق الاستقلال على وثيقة الأسرى التي كادت تصبح ميثاقا وطنيا. سألت الأسير السابق عن مصير هذه الوثيقة, فأجاب والغضب يخيم على وجهه, أجاب على طريقته المعروفة بالصراحة والمباشرة وانعدام النفاق:
" للأسف أصحاب المصالح الشخصية في فتح وحماس داسوها بنعالهم وتنكروا لها. هناك مجموعات ذات تأثير ونفوذ على صنّاع القرار السياسي يدفعون بالإمور إلى استمرار حالة التجزئة والإنقسام من أجل مصالح شخصية ضيقة".
ثم نقلنا الحديث إلى معتقلي حماس السياسيين في سجون السلطة وعن نفي الرئيس الفلسطيني أبو مازن لذلك, فعلق عضو المجلس الوطني ورئيس لجنة الدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين والنائب السابق على النحو التالي:
" من خلال متابعتي لهذا الملف ومن خلال تدخلي الناجم عن إتصال العشرات من الأسر بي على مستوى الضفة وليس على مستوى نابلس أو الشمال أستطيع أن أقول أنه هناك معتقلون سياسيون ولكن تحت ذرائع أمنية. (الأمن في الضفة ) يدعي أن هناك أموال تحول لهذا المعتقل وأن هذه الأموال تذهب إلى استخدامات غير مشروعة وغير قانونية, أو أن هذا المعتقل لديه سلاح. كل مناضلي حماس عندهم سلاح, إذا هناك قانون مسبق إفتراضي يبرر إعتقال أي شخص. أنا أؤكد لك أن هذه الإعتقالات على أساس سياسي. نعم السطة لم تعتقل أي قيادي سياسي من حماس ولكن جزءا كبيرا من عناصر حماس أعتقل فقط لأنهم نشطاء في حماس وهو إعتقال إحترازي وهو يماثل الإعتقال الإداري لدا الإحتلال الإسرائيلي". عدنا للمرة كذا إلى جراح الإنقسام التي يرى حسام أنها وصلت الأسرة الفلسطينية المعروفة بتعددية أفرادها السياسية فشقت الأسرة, ولذا يطالب الأسير السابق أبو مازن بكل وضوح وبسرعة بإجراء حوار مع حماس دون وساطة مصر أو غيرها بشكل مباشر في غزة أو دمشق.
الأخ حسام خضر يعبر عن قناعته الراسخة بديموقراطية فتح فهو يعتقد أنها ذهبت بقرار ذاتي إلى إنتخابات نزيهة على الرغم من أنها كانت تتربع على سدة السلطة دون منازع. بيد أنه يضيف دون لف أو دوران: "حماس أعادت سيرة السلطة السابقة على شكل نسخة كربون فاهية ووقعت في أخطاء كبيرة جدا وبالغت في الثأر والقتل... ولكن هذا لن يعميني عن الحقيقة: هناك تيار أسلو الإقتصادي في السلطة في فتح هذا التيار الذي أساء لشعبنا ولشهدائنا ولفتح وسرق ونهب أموال شعبنا. هذا التيار تضررت مصالحه بوصول حماس للسلطة وبالتالي بدأ يضع العراقيل ويحرض المجتمع الدولي والشعب الفلسطيني لرفض ولفظ حماس. وهكذا تأزمت الأمور...أصحاب هذا التيار المسيطر حاليا على السلطة قدموا لحماس المبرر لكي تحقق جزءا من أهدافها المبيتة وهو الإستيلاء على السلطة."
ويبقي على الرغم من أخطاء حماس وفتح مطلبه الذي يجب أن يرفعه الجميع في كل الأحوال:
الحوار الفوري والمباشر بين فتح حماس في غزة أو دمشق فلا بديل للوحدة الوطنية لأنها الطريق الوحيد لنيل الإستقلال!!!
المقال الأصلي نشر في
2008/12/19
|