New Page 1
عين على الضفة ! صلاح حميدة
16/06/2009 23:23:00
تب المفكر الفلسطيني عبد الستار قاسم مقالاً ينتقد فيه ردة الفعل الشعبية الضعيفة، حيال ما يجري من مجازر في قطاع غزة، وانتقد كون أصغر هذه المظاهرات في مدينة نابلس عاصمة المقاومة الفلسطينية، ورد ذلك الى الاستهداف والحصار والمنع من تنظيم الفعاليات الذي تتعرض له المقاومة وعلى رأسها حركة حماس في الضفة الغربية، ووصف ذلك بتعبير خلق أجهزة فتح الأمنية نوعاً من الرعب للناس في الضفة الغربية.
ولتسليط الضوء على ما يجري في الضفة الغربية، لا بد من الاشارة الى مقال كتبته قبل فترة عن تفاصيل استهداف حماس هناك، وعنونته ب(حماس في الضفة ..حمل ثقيل واستهداف كبير)، وبعد مراجعتي للكم الهائل من القمع الذي تعرضت له المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها عمودها الفقري حركة حماس في الضفة، تبين لي أن الإعداد الأكبر لمجزرة غزة الحالية، كان في العمل الحثيث السابق والدؤوب للقضاء على تشكيلات المقاومة في الضفة الغربية، واجتثاثها بكل الوسائل، ومنع أي فرصة لها للتعبير، حتى برفع راية خضراء.
فالقوى التي تحارب المقاومة أدركت حقيقة هامة، وهي أن الرد على مجازر الاحتلال في قطاع غزة ، كان دوماً يأتي من الضفة الغربية، ولذلك كان العمل حثيثاً لاستئصال شأفة المقاومة في الضفة قبل نهاية العام، وقد ذكر الصحفي الاسرائيلي ناحوم بارنيع أنه سمع من ضباط إسرائيليين في اجتماع تنسيق أمني مع نظرائهم الفلسطينيين في بيت إيل قرب رام الله ، جملة( سننهي الوضع في غزة نهاية العام الحالي)، وهذا الاجتماع كان يناقش تفاصيل القضاء على حركة حماس في الضفة الغربية،فيما لم ينف أي من الذين ذكر أنهم شاركوا في الاجتماع ما جاء على لسان بارنيع.
من خلال متابعة القضايا التي كانت تتابع ويتم التحقيق بشأنها مع المعتقلين من حركة حماس في سجون السلطة والاحتلال،كان التركيز على ثلاث قضايا رئيسية:-
1- سلاح حماس.
2- أموال حماس
3- هيكلية تنظيم حماس.
من خلال هذه المحاور الثلاثة التي كان يتم التحقيق حولها مع المعتقلين في الضفة الغربية، يتبين بما لا يدع مجالاً للشك أن الهدف هو ضرب البنية التنظيمية، والقدرة على الفعل و التأثير في أي أزمة أو حدث جلل،لأن هذا التنظيم سيلجأ - لو أتيحت له الفرصة -أولاً إلى لملمة صفوفه وإعادة ترتيب أوضاعه الداخلية، قبل أن يبادر في العمل الجماهيري على الأقل،فضلاً عن النشاطات الأخرى.
بالعودة الى ردة الفعل الشعبية والتنظيمية والاعلامية والرسمية في الضفة الغربية على مجزرة غزة، والأداء الضعيف لها، لا بد من تفصيل أداء كل طرف على حدة..
*الأداء السلطوي الرسمي:-
هذا الطرف أخذ موقفاً صادماً للشعب الفلسطيني منذ اللحظة الأولى للمجزرة، فقد برر مستشار الرئيس الفلسطيني نمر حماد لاسرائيل ذبحها لغزة، بل تقدم على موقف اسرائيل نفسها، باتهامه لحركة حماس على أنها شريكة في الجريمة،فيما قال غيره لأهل غزة (صبراً، فالشرعية عائدة)؟! وهو الموقف الذي لم تكن تحلم فيه اسرائيل منذ قيامها.
بعد ردة الفعل المشمئزة من الشارع الفلسطيني على هذه التصريحات، قام عدد من قادة فتح بمحاولة امتصاص نقمة الناس على هذا الموقف المخزي، فاعتذر حسام خضر عن هذا الكلام، وكتب منذر ارشيد مقالاً حاداً ضد نمر حماد، اما أحمد قريع مسؤول التعبئة والتنظيم في حركة فتح، ورئيس وفدها السابق للمفاوضات السرية، فأعلن أن المفاوضات مع الاحتلال أوقفت، فيما رد محمود عباس أن المفاوضات لم توقف بل (ستعلق،إذا وجد انها ستضر... )؟!وقام بتأييد موقف النظام المصري الذي يغطي العدوان والمجزرة الاسرائيلية ويطلب من حماس الاستسلام، وقال في خطابه متهماً حماس(عرضوا الشعب لحرب هو ليس حمل لها)، وهذا الموقف يعني الاستسلام لمن لا نستطيع مقاومته، ونبقي على تهدئة تحت الحصار، حتى لا نتعرض لحرب لا حمل لنا بها؟!.
بعد صمود المقاومة أعلن محمود عباس طلبه من قادة حماس أن ياتوا( للتشاور)، وحاول تصوير ذلك على أنه دعوة للوحدة الوطنية، ورفض تقديم خطوات مطلوبة لتؤكد على حسن نواياه وصدق توجهه نحو الوحدة الوطنية، وهذا أفشل كل الجهود في مهدها، فاصرار محمود عباس على المفاوضات العبثية، وعلى التنسيق الأمني مع الاحتلال،ورفضه إطلاق سراح المقاومين من سجونه، ووقف استهداف المقاومة، وإصراره على الانسياق مع المواقف المخزية للنظام المصري، ورفضه فتح معبر رفح، الذي أعلن رئيس النظام المصري أن هذا الفتح منوط بقرار من عباس؟!.
يضاف إلى كل ذلك الموقف الميداني لأجهزة فتح الأمنية التي قمعت المسيرات المؤيدة للمقاومة، واعتقلت المشاركين فيها، ولما رأت أن الوضع أصبح محرجاً لها، قررت أن تسمح بها تحت ثلاثة شروط:-
1- أن لا ترفع بها رايات الفصائل، المقصود بذلك طبعاً رايات حركة حماس، لان الذين تعرضوا للضرب والاعتقال من المتظاهرين، هم فقط من حملوا رايات حماس، فيما غيرهم لم يتعرض له أحد.
2- عدم الهتاف للأحزاب، وهذا أيضاً المقصود منه عدم الهتاف لحماس والمقاومة الفلسطينية.
3- عدم الذهاب بالمسيرات إلى أماكن التماس مع الاحتلال، أي عدم إزعاج الجيش الاسرائيلي فيما يذبح إخواننا في قطاع غزة.
هذه الشروط الثلاثة، تعني لكل مراقب،أن المطلوب تفريغ أي فعاليات تضامنية من مضمونها، ومنع حركة حماس والمقاومة الفلسطينية،من استثمار ما يحدث في القطاع للقيام بأي عمل مقاوم في الضفة، وفي نفس الوقت إستغلال هذه الفعاليات لإعطاء صورة زائفة أن حركة فتح هي من يقودها، وركوب موجة الأحداث، والتحكم بها، وما يفسر ذلك الضغط الشديد على وسائل الاعلام حتى لا تنشر أي تصوير أو ذكر للإعتداء واعتقال المؤيدين لحماس من وسط المسيرات بلا أي خجل، ولا استشعار لعظمة الحدث المجزرة في غزة، والخطر الذي يتهدد الشعب الفلسطيني والقضية باكملها، وفي نفس الوقت إعطاء أخبار مضللة عن وحدة وطنية في المسيرات، وأن أجهزة فتح الأمنية تتواجد لحفظ أمن المتظاهرين.
*الموقف الشعبي :-
الموقف الشعبي كان سباقاً من البداية للمبادرة بالخروج للشارع، مع أن أجواء الخوف(الضبع) للناس لا زالت تخيم في الأجواء، وكان من اللافت، المبادرة الشعبية القوية في أطراف الضفة الغربية، بالازدياد الكبير لاعمال المقاومة الشعبية، ورشق الحجارة والزجاجات الحارقة، وتركز الفعاليات في المناطق التي لا تخضع لأجهزة فتح الأمنية، فضح دور هذه الأجهزة حتى في قمع الفعاليات الشعبية،أما في مدينة رام الله(عاصمة النخب السياسية والفكرية الفلسطينية) فقد سعت هذه الفعاليات، لدورها المحدود، لكونها ليست فعاليات مقاومة، سعت للإحتجاج بطريقة فلكلورية تقليدية أمام كاميرات الصحافيين، وعلى مقاس أجهزة فتح الأمنية ، أما في مدينة الخليل، فالموقف كان لأول مرة مغايراً لكل بدايات الثورات الفلسطينية، فمدينة الخليل كانت دوماً تتأخر في الإنضمام للثورة(خاصة الانتفاضتين)، فيما كان دورها يأتي بالمفاجآت عند إنهاك الثورة في بقية الضفة، في هذه الهبة، كان لمدينة الخليل وجماهيرها فعل معاكس، فقد هبوا من اليوم الأول للحرب المجزرة على غزة، ولا زالوا، وهذا يسجل لهم، بالرغم من القمع الشديد لفعاليات وأجنحة المقاومة في الخليل.
*موقف حركة حماس والمقاومة:-
لا يختلف إثنان أن حركة حماس هي محور المقاومة الفلسطينية، ولذلك يتم تركيز أقسى الضربات لها، وبينت هذه الأحداث أن الهيكلية التنظيمية لحركة حماس في الضفة الغربية تعرضت لضرر شديد، بسبب قمع الاحتلال وأجهزة فتح الأمنية لها، فكان من الواضح أن هناك ارتباكاً وحرصاً على المبادرة والعمل في نفس الوقت، فالجماهير حتى ولو هبت، فهي تريد من يقودها، وهذه الهبة قامت من أجل حماس، ولذلك مهما حاولت حركة فتح امتصاصها ،أو ركوب موجتها، فهذا لم ولن يلقى تفاعلاً من الجماهير، ففعاليات(إهتف على الدوار ثم إذهب إلى بيتك) ليست ما تريده الجماهير.
ومن الواضح أن محاولات حماس لقيادة الفعاليات الجماهيرية في المدن جوبهت بقمع شديد من أجهزة فتح الأمنية، فيما حماس وشعاراتها وراياتها كانت ترفع وتعمل ما تريد في الأطراف ، حول المدن، التي لا تخضع لهذه الأجهزة.
إذاً ما المطلوب من قيادة حماس والمقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، في ظل هذا القمع والإستهداف، خاصة وأن هذا الوضع مخزي، ولا يعبر عن الوحدة الوجودية والوجدانية بين أبناء الشعب الفلسطيني....
*هناك من يرى أن المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس، مطالبة بأن تبتعد عن المسيرات الفلكلورية النخبوية التقليدية، التي تتم هذه الأيام في وسط المدن الفلسطينية على المقاسات الخالية المضمون التي ذكرتها سابقاً، وأمام الكاميرات.
*المطلوب من حركة حماس -حسب رأي بعض المحللين - إخراج هذه الفعاليات الشعبية من داخل مراكز المدن، وعلى حركة حماس أن تعلن ذلك عبر وسائل الإعلام المختلفة، وتوجه الجماهير لمركزين أو ثلاثة مراكز في محيط المدن لتنطلق منها الفعاليات التضامنية، وتوجيهها نحو قوات الاحتلال، فالإستمرار في الفعاليات الفلكلورية وسط المدن، لن ينفع غزة بشيء، ويؤدي إلى إعتقال البقية الباقية من عناصر ومؤيدي حماس من قبل أجهزة فتح الأمنية، ويعمل على تيئيس وإحباط الجماهير من أي فعاليات تضامنية.
أما نقل الفعاليات إلى مراكز سكانية محيطة في المدن، تنطلق من مساجدها ومدارسها وجامعاتها المسيرات والمظاهرات، فهي التي ستؤدي الفعل والتأثير المطلوب، وستجبر وسائل الاعلام على اللحاق بالحدث، لا أن يأتيها الحدث، وستكون وسائل الاعلام متحررة من الضغوطات والتهديدات، ولن يتمكن أياً كان من استثارة فتن إذا رفعت راية لحماس، لأن الهدف هو الاحتلال فقط في هذه الأماكن، وهذه هي ساحة المباراة الوطنية الحقيقية.
هذه الآلية في تحشيد وتوجيه الجماهير لن تحتاج لهيكليات تنظيمية كبيرة،ولن تمكن أعداء حماس من استهدافها وكشف ما تبقى من هياكلها التنظيمية.
هذه النصائح توجه للمقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية بعين دامعة، فيما العين الأخرى تسهر وتدعو لأهلنا في قطاع غزة، فهؤلاء الأبطال الذين يقاتلون بشراسة نادرة، ورفعوا رؤوس الأمة عالياً، ولم يعطوا العدو لحظة فرح أو شماتة برؤيتهم يخرجون مستسلمين بملابسهم الداخلية،هؤلاء الأبطال يستحقون من جماهير الشعب الفلسطيني والأمتين العربية والاسلامية العمل والتظاهر على مدار الساعة،وهذا أضعف الإيمان، ولتعذرنا غزة، فهذا جهد المقل.
والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون
|