New Page 1
"ألارض رفضتنا" / هلا داغر
11/11/2010 11:33:00
بحسرة وألم يعتصر قلبها، قالتها سهام، تلك الجدة العراقية التي حملت أحفادها الثلاثة لابنها بعيداً عن العنف الذي خطف والدهم برصاصة قاتلة وكذلك جدهم من قبله في الموصل في العراق إلى مكان ربما أكثر أماناً برأيها لكنه أكثر وضاعة وفقراً ومأساوية، لحمايتهم. هم الذين كانوا قبل ذلك يعيشون في بحبوحة ورخاء، حسب ما تروي أمام كاميرا إحدى المحطات التلفزيونية اللبنانية التي استقصت أوضاع العراقيين الذين أصابهم الترحال خشية التعرض للقتل والموت.
"ألأرض رفضتنا" لفظتها بحسرة وألم، وهي المتمسكة بوطنها والرافضة الرحيل عنه إلى حيث الأمان والحقوق المدنية المصانة. تساءلت "لماذا لا حقوق للإنسان لدينا ولا حقوق للطفل" وهي التي ترى أمام عينيها أولاد ابنها وقد تحولوا أيتاماً لأنّ أحداً ما قرّر قتله وحرمانهم منه.
كان لهاتين الكلمتين الوقع الأليم علي. جعلتاني أتوقف عند أهمية الأرض التي تحتضننا والبيت الذي يأوينا. حركتا ذاكرتي فارتسمت أمامي صورة وجه حسام، ذلك الفلسطيني من نابلس الذي عانى ما عانى من الاعتقال في السجون الاسرائيلية ومن الاضطهاد ومن الإبعاد إلى لبنان في فترة ما. يومها كان الإبعاد بالنسبة إليه أمرّ من السجن الاسرائيلي. لأن السجن كان مشيداً على أرض فلسطين، أرضه. أما في إبعاده، كان يقول بينه وبين نفسه" ربي احمني كي لا توافيني المنية وأنا في أرض غير أرضي، أين سأدفن لو مت. أتمنى أن أموت على أرض وطني فلسطين".
كلمتا الجدة سهام وكلام حسام تصيباننا في الصميم نحن اللبنانيين الذين نتخاصم ونتجادل على أتفه "تفصيل" غير متنبهين إلى أمر جوهري يفتقده حسام وسهام. قيمة أرضنا وترابها.
ما أصعب ما قالته سهام وما أعمق ما قاله حسام. الأرض التي تحتضننا ونحن أحياء وكذلك ونحن أموات، فيها كل الحب والمشاعر الحية لروحنا وفكرنا وجسدنا. هل نحن بحاجة إلى مثل كلام سهام وحسام كي نصاب بصعقة تجعلنا نستيقظ من سباتنا وندرك قيمة الذهب الذي نمتلك؟ هل نعي أهمية أن لنا أرضاً ومنزلاً وجدران تأوي حبنا ومشاعرنا وكيان عائلاتنا وتحمينا من الشتات والأسى؟ لماذا نصر أن تحولنا خصوماتنا وخلافاتنا أغراباً في وطننا؟ لماذا لا نجعل من كلمتي سهام عنواناً عريضاً ليومياتنا كي نظل متيقظين حيال هذا الخطر الذي لا نود تذوقه لا اليوم ولا غداً ولا في أي مستقبل منظور وغير منظور؟
حسام الذي أتى منذ مدة إلى بيروت للمشاركة في أحد المؤتمرات، أتاها بشوق وشعور لا يوصف، لأنه هذه المرة ليس مبعداً من عدو اغتصب حقه وأرضه. يوم الإبعاد كان قلبه يعتصر ألماً وغضباً لأن من اغتصب أرضه أفقده إياها في ظرف ما وكان يخشى على حياته أو أن يصيبه مكروه وهو بعيد عن أرضه وأهله وناسه. يومها، كما روى لنا وهو في بيروت، كان رضي بالسجن الإسرائيلي وبظلم سجانه، على الأمان في أرض ليست أرضه.
ستعود سهام وأحفادها إلى بيتها يوماً ما رغم مرارة أيامها الحالية، لأنها متمسكة بعراقها. وسيبقى حسام في فلسطين لأن تراب بلاده أثمن من ذهب العالم كله.
http://www.jamaliya.com/ShowPage.php?id=7336
|