تنازل بنيامبن نتنياهو الذي يستعد لشد رحاله الى واشنطن وقبلها الى القاهرة عن سياسته المتشددة ووافق ان يمنحنا حكما ذاتيا في "يهودا والسامرة"، لم يتنازل ان يسميها بالضفة الغربية، ولا نعرف ان كان هذا التنازل كبيرا ام صغيرا بالنسبة اليه، لكنه تنازل جاهر به العالم واراد ان يقابل به الإدارة الأمريكية الجديدة حتى لا يظل احد يصمه بالتطرف او يتهمه انه لا يستند الى مشروع سلمي.
ما يهمنا في هذه المعادلة، ليس نتنياهو ولا ليبرمان منه وغاد، ولا مشروعه بالحكم الذاتي لنا وحدنا ام مع غيرنا ولا تنازله او تماسكه، بل واقع وضعنا السياسي الذي من الواضح اننا ننجهله جهلا مطبقا، او ان امريكا بخمس ادارات سابقة (ثلاثة لبوش ووالده واثنتان لكلينتون) هي التي خدعتنا وجرعتنا هذا الخداع على مدار عشرين سنة بالتمام والكمال.
وسواء كان جهلا ام خداعا، فإن القيادة الفلسطينية هي التي تتحمل مسؤولية ذلك، فبدونها ما كان يمكن تمرير هذا الجهل او ذاك الخداع على الشعب الفلسطيني، خاصة في المرحلة التي سبقت انكسار حالة الثقة بين الشعب وقيادته في انتخابات 2006، فينفض من حول تلك القيادة ويولي ثقته لغيرها.
لا تزال المشكلة قائمة، ويعمقها تصريح نتنياهو التنازلي، والذي مررنا عليه مرور الكرام، فإذا لم يكن لدينا حكم ذاتي بعد، وهو الذي يعدنا نتنياهو بمنحنا اياه، فما الذي لدينا؟ وكيف يكون لدينا حكومات فاق عددها عشرة، ووزراء فاق عددهم في احدى الحكومات وزراء الصين التي يربو عدد سكانها على ربع سكان العالم.
في اتفاقية اوسلو التي تعرضت لبعض هذه المسميات لم تقل عن المجلس التشريعي الا مجلس محلي، وان الكنيست هي مرجعية قراراته، وهذا احد الأسباب التي دفعت الدكتور سري نسيبة الانسحاب المبكر من المفاوضات. وقالت عن الوزير مدير وعن الرئيس chairman وليس president ، الأمر الذي يدفعنا للاعتقاد أن المسألة لم تكن خداعا من احد بقدر ما هي خداع للذات الفلسطينية بشقيها القيادي والشعبي على حد سواء. ولهذا ما كان يجب ان نتفاجأ بعدم اطلاق سراح الاسرى رغم عقم ما ادعاه البعض المفاوض من انه نسي طرح قضيتهم، أو ان نتفاجأ باستمرار أزمة عطشنا في كل صيف رغم المخزون المائي الذي نملكه، وان لا نتفاجأ باعتقال نواب منتخبون، آخرهم نواب "حماس"، سبقهم مروان البرغوثي وحسام خضر، بل والرئيس عرفات نفسه في مقر المقاطعة حتى وفاته.
الحكم الذاتي الذي يعدنا به نتنياهو له تعريف واحد في القانون الدولي هو ان الأرض التي نسير عليها ليست لنا، وصاحبها هو الذي يقرر لنا سرعتنا عليها.